الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

ننفرد بنشر فصل من كتاب "عايزة أطّلق" لدعاء حلمي ومارسيل نظمي

 كتاب عايزة أطَلق
كتاب "عايزة أطَلق" لدعاء حلمي ومارسيل نظمي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصدرت دار أطلس للنشر الإعلامي، كتابا جديدا من تأليف الكاتبتين الصحفيتين دعاء حلمي ومارسيل نظمي، بعنوان "عايزة أطّلق"، ويعد أول كتاب تشترك في كتابته مسيحية ومسلمة.
ويتناول الكتاب قصص مستوحاة من الواقع حول رغبة المرأة في الطلاق والظروف المجتمعية والدينية التي تقف حائل دون تنفيذ رغبتها، وتحمل كل قصة اسم أغنية شهيرة تعبر عن مضمونها.
"البوابة نيوز" تنفرد بنشر فصل من الكتاب الذي سيتم طرحه في الدورة الـ48 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب؛ وفيما يلي فصل من الكتاب بعنوان (أخيرًا اتجرأت):
" قوليلي أم قسورة"
هكذا ردت السيدة المنتقبة على الممرضة في عيادة الدكتورة شهيرة عبد الشافي - استشاري العلاقات الزوجية - عندما سألتها عن اسمها، اختفت الممرضة لثوانٍ معدودة لتعود قائلة:
- اتفضلي يا أم قسورة.
دلفت إلى غرفة الكشف تفحصت كل شيء بتوجس
الدكتورة:
- اتفضلي ممكن تقلعي النقاب احنا ستات زي بعض ولا إيه؟
ترددت قليلًا رفعت النقاب وجهها، لازال يحمل بقايا جمال من زمن فات، لكن طمسته آثار الإرهاق والتعب الواضحين، فعينيها الزائغتين تتنقل بين المكتب الفاخر بني اللون، والحوائط المزينة بلوحات مقلدة لبيكاسو، وبعض الورود البيضاء والشيزلونج الشهير، وجهاز التسجيل،الإضاءة الخافتة الباعثة على الاسترخاء.
ولكن أكثر ما لفت انتباهها اللوحة الصدفية التي تحمل اسم الطبيبة على مقدمة المكتب، والمزين بنقوش ذهبية.
ربما ذكرتها بأمنية قديمة، أو حلم طالما حلمته في طفولتها، كانت تأتي بأوراق أشبه بالوصفات الطبية للأطباء؛ لتكتب بها أسماء الأدوية في تقمص شديد لدور الطبيبة وتأمر أطفال الجيران بالتزام الوصفات للشفاء السريع.
انتقلت بعينيها إلى لوحة زيتية خلف المكتب، مرسوم عليها فتاة ذات شعر أسود طويل يغطي نصف وجهها، تمسك بباقة من الورد الأحمر في صحراء صفراء، فاقعة ترتدي فستان أخضر قصير، مزركش بورود صغيرة وظلت تنظر لها بتمعن ترى هل مست هي الأخرى شيئًا ما!
تقطع الدكتورة حبل أفكارها
وتنظر إلى الملف أمامها:
- هاه ممكن نبتدي منين يا فاتن، ولا أقولك أم قسورة؟
فاتن تتجاهل الرد على التساؤل:
- أنا عايزة أمشي، مش عايزة أحكي هما قالولي انتي هتقوليلي كل حاجة، صح ولا إيه؟
الدكتوره تحاول امتصاص توترها:
- طيب طيب هقولك اللي انتي محتاجاه، بس محتاجين ندردش الأول، إيه رأيك ؟
ردت فاتن بتلعثم:
- أنا عندي 3 أولاد وكان نفسي اسم ابني البكري يبقى اسمه خالد، بس أبوه قالي حرام.
ارتدت الدكتورة نظارتها النظر، وأمعنت التركيز أكثر:
- هو إيه اللي حرام ؟
فاتن بتلقائية:
- اسم خالد حرام لأن مفيش حد خالد غير الله سبحانه وتعالى.
الدكتورة ( تجاريها ):
- آه طبعًا طبعًا، أُمَّال ولادك اسمهم إيه؟
فاتن:
- عندي قسورة، وأم ورقة، والمعاذ.
الدكتورة:
- الله أَسَامِي إسلامية جميلة، طب قسورة يعني إيه، أصل معاذ، وأم ورقة أسماء مألوفة في التاريخ الإسلامي؟!
فاتن:
- لأ ده على اسم الشيخ نواف أبو قسورة كفيل جوزي في السعودية وراعي شغله.
الدكتورة تحاول التأكد مما فهمته:
- على اسم ابن صاحب الشغل.
فاتن تسكت فجأة ثم تسترسل:
- وأحلى واحدة فيهم أم ورقة عندها 5 سنين شبهي، وأنا صغيرة بس هي التزمت بالحجاب الشرعي بدري بفضل من الله.
الدكتورة:
- طيب يعني جوزك مسافر بيشتغل في بلد عربي، وانتي؟
- أنا ايه، أنا هنا في مصر بربي الولاد أصل مكانش ينفع ياخدني معاه؛ عشان أراعى مامته المُسِنَّة.
تحرك يدها في صورة عصبية، وكأنها تذكرت شيء ما تسبب في توترها.
- وانتي كنتي عايزة تسافري معاه؟
فاتن بعصبية:
أنا عمري ماعُزت حاجة أصلًا.
يمر أمام فاتن شكل بيتها ذات السقف العالي في أحد ضواحي الزمالك، أثاثه ينم عن فخامة البيت وطرازه رفيع المستوى لكن طلاؤه متهالك،سجاجيده الشمواه مهلهلة، ستائره باهته من أثر الشمس، والنجف لونه مِصْفِر،وإضاءته ضعيفة.
تدخل فاتن من مدرستها ترتدي زِيًّا مدرسيًّا يحمل اسم ( مدرسة الفرنسيسكان )،بنت جميلة بشعر أسود، مسدل بضفيرتين ثقيلتين، ترتدي حقيبة المدرسة ذات اليد المهترئة،يبدو عليها الأناقة على الرغم من رخص ثمنها.
في الخلفية صورة لأبيها وأمها وهي لا تتجاوز عامها الأول،وقد رحلوا للعالم الآخر بعد وفاتهم في حادث سيارة ولم ينجو منها سواها.
وكانت تعيش سنواتها الماضية مع جدتها التي حاولت أن تُؤَمَّن لها ضروريات الحياة من معاش أبيها،ولكن تبدلت الأحوال عندما شعرت الجدة بقرب أجلها.
تستقبلها جدتها بفرح، أما فاتن فتنحني لتقبيل يد جدتها.
الجِدَّة:
- يلا يا تونه قومي غيري هدومك،والبسي فستان العيد الأخضر اللي فات عشان جَيَّلْنا ناس مهمين.
فاتن:
- مين يا أنه؟
الجِدَّة:
- انتي عارفة أم رؤوف جارتنا، عندها ابن أخوها خَلَّص كلية تجارة، بيدور على عروسة صغيرة؛ عشان عايز ياخدها معاه ويسافر السعوديه، فجاي النهارده أهله يشوفوكي، يلا بسرعة عشان قربوا يوصلوا واحنا لسه بنتكلم.
سكتت فاتن ولم تعلق حتى بمجرد ابتسامه أو إيماءة، ربما من الفرحة إنها ستترك المدرسة ومذاكرتها المملة على قلبها، ولكنها تذكرت شيئًا؛ فعادت لجدتها قائلة:
- بس أنا مش عايزة اسيبك يا أنه.
الجدة ترد بسرعة وكأنها تكلم نفسها:
- ما تقلقيش عليا مش يمكن أنا اللي اسيبك الأول، يلا اتفضلي على اوضتك البسي.
الدكتورة:
- وسافرتي فعلًا معاه؟
فاتن:
- لأ، قبل السفر بيومين جدتي ماتت ومعملناش فرح، حزنت عليها أكتر ما حزنت على أمي وأبويا، أصل مكنتش فاكراهم لما ماتوا، قالي هيروح يرتب نفسه، ويبعتلي بس اشترط عليا إني اتحجب عشان خايف عليا من الفتنة.
الدكتورة:
- كان عامل معاكي إزاي يعني كان إنسان كويس.
فاتن:
- آه كان اسمه شريف، بس ملحقتش اعرفه غير في الأجازات اللي كان بينزلها كل 6 أشهر في الأول، وبعدين أخته اتجوزت ومش معقول هنسيب أمه لوحدها في البيت وهي صحتها على قدها؛ فنقلنا نقعد عندها في البيت.
الدكتورة:
- وطبعًا حكاية بيت العيلة دي ضايقتك ؟
فاتن:
- عارفة يعني إيه تبقي مدام مع إيقاف التنفيذ؟ يعني إيه تبقى زوجه بدون زوج؟ عارفة يعني إيه تبقي مستباحة ملكيش خصوصية في أي حاجة، مش من حقك تغيري مكان كوباية مية.
بس دايمًا الأخوات كانوا بيهونوها عليا ويقوليلي ده طريقك للجنة.
(النهارده جلستنا أيتها الأخوات الفضليات عن فضل وفرض النقاب في إسلامنا الحنيف والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين).
هكذا بدأ الشيخ أبو الحويني خطبته في حضرة مئات من الأخوات بأحد مساجد حي عين شمس، وأردف قائلًا:
- "إنّ احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمرٌ واجب، دلّ على وجوبه كتاب الحقّ تبارك وتعالى وسنة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد...
إذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأمورًا به ؛لأن الوسائل لها أحكام المقاصد...
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب، وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة، وإن قدّر أنّ فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد...
تحبي يا أخت يا فاضلة تبقي زي حتة اللحمة اللي بيعف عليها الدبان عيب والله ألا تخافين من المصير الهالك الذي ينتظرك"...
الدكتورة:
- اتنقبتي على غير رغبتك ؟
فاتن:
- لا حول ولا قوة إلا بالله،يعني رغبتي إيه في فرض الله يا أختي، لا جدال في ثوابت الدين.
الدكتورة:
- آه آسفة كملي.
فاتن:
- جوزي بارك الله فيه شجعني جدًا، وقالي إني نعمه من الله لأني قدرت على التغلب على شيطاني ؛لأنها كانت رغبته في الأساس وأنا نفذتها.
الدكتورة:
- طيب كويس يعني كلكم مبسوطين فين المشكلة.
فاتن:
- مين قال إن عندي مشكلة؟أنا في أفضل حال بحمد ونعمة من الله.
الدكتورة:
- طيب يا أم قسورة تفتكري إيه السؤال اللي محتاجة تعرفي إجابته مني؟ يعني جربي كده نعكس الآية وتسأليني انتي يمكن نفهم.
فاتن تجاوب بسرعة وكأنها كانت مستعدة:
- ليه أشيل فوق طاقة احتمالي، ليه أجي دار ابتلاء، ليه محسش بطعم السعادة ولو لمرة في عمري، ليه ابقى خدامة لأُمُّهْ،ودَادَةْ لولادي،ومُدَرَّسَة، وفَرَّاشَة ومُحَفَّظَة قرآن، وسَوَّاقَة أوصلهم الدروس وأنضف واغسل وامسح، وكمان أنوثتي ورغباتي كزوجة تبقى مرفوعة من الخدمة...
- مش جمهور العلماء يقول أنه لا حق للزوج على زوجته في هذه الأمور إلا أن تقوم بها مختارة دون إلزام.
ففي مذهب الحنفية،قال الإمام الكاساني في (البدائع) " ولو جاء الزوج بطعام يحتاج إلى الطبخ والخبز فأبت المرأة الطبخ والخبز لا تُجْبَر على ذلك، ويؤمر الزوج أن يأتي لها بطعام مهيأ "...
- ليه الرجالة بتختار اللي يتناسب معاهم من الدين ويهملوا حقوقنا، مش المفروض إن أُمُّهْ دي صلة الرحم ليه هو مش ليا أنا، ليه يحسبوها عليا وأنا مش مُكَلَّفَة شرعًا لخدمتها...
- وإيه النشاز اللي ربنا وصى فيه على التسريح بإحسان لو الزوجة متضررة من الهجر، أنا تعبت أنا حيلي اتهد،أنا بموت في كل نَفَسْ من حيرة وأسئلة ماتنتهيش.
الدكتورة بخبث:
- انتي جوزك عايز يتجوز يا فاتن؟
فاتن تتحدث بطريقة آلية مرة أخرى:
- حَقُّه يا دكتورة ؛ لأنه يُعَدْ الرجل الذي تزوج بزوجة ثانية قد أقام سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم،إن هو نوى ذلك ويصبح بذلك تَعَبُّدًا في حد ذاته تقيه الفتنه في بلاد الغربة...
- الشيخ قالي كده وإني هبقى آثمه لو منعت فرض من فروض الله،وحرمت ما أحله الإسلام،وجوزي هددني إنه هيطلقني ويخرجني م البيت.
الدكتورة:
- طب انتي موافقة؟
فاتن:
- أنا مش عايزة اخرج من بيتي، صحيح هو مش بيتي، بس أنا معرفش غيره مش ربنا بيقول " يَا أَيُّهَا النَّبَيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لَعَدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوااللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا َيَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة" اشمعنى بيطبقوا كلام ربنا في اللي يعجبهم وبس،طب فين إنه بيضرني نفسيًّا!!!
- فين تمن احتمالي اللي يفوق طاقتي، أنا مش عايزة ابقى بعد كل عمري في طاعة ربنا أكون خاطية أو عاصية لجوزي...
بس هو فين جوزي فين حقي فين إنسانيتي اللي اتمرمطت باسم الدين والعيب والمفروض، فين أنوثتي اللي اْتهَجَرِت... هل ربنا يرضى بالظلم؟!!
الدكتورة:
- فاتن انتي تعبانة، ولازم نستمر في جلسات طويلة، انتي مشوشة نفسيًّا ومحتاجين كورس علاج، انتي بتعاني من ضغوط شديدة ؛بسبب إنك مشتتة بين كم من الفتاوي اللي صدَّرْهَالنَا الفكر الوهابي اللي مليان مغالطات،وساعات بتبقى عكس صحيح...
- الدين نفسه وبين إحساسك بالعجز وقلة الحيلة، وخوفك إن إحساسك بالقهر يكون مصدره الشيطان،مش روحك اللي شالت فوق طاقتها، يا فاتن من شادَّ الدين غلبه، خلينا نكمل الجلسة الجاية،لكن كل اللي اقدر أقولهولك دلوقتي شوفي انتي عايزة إيه واعمليه.
بعد أشهر من المقابلة، تدخل إلى العيادة امرأة ترتدي فستان أخضر قصير، مزركش تخلع نظارتها الشمسية، فتظهر أقرب إلى نجمات السينما بشعرها الثلجي المصبوغ والعدسات اللاصقة الزرقاء،والرموش الصناعية الطويلة، حذاؤها ذو الكعب العالي صدى خطواته يملأ المكان، حقيبتها الصغير لا تتسع إلا لمكياجها الساحر.
تنظر إلى اللوحة الزيتية خلف المكتب للبنت ذات الشعر الأسود الطويل الممسكة بباقة الورد الأحمر في صحراء صفراء فاقعة...
الدكتورة ترفع عينيها إلى السيدة:
- مين حضرتك،أنا قلت للممرضة تَدَخَّل أم قسورة، ده دورها.
تشعل السيدة سيجارة وتقول:
- أنا فاتن.
الدكتورة مندهشة:
- إيه اللي حصل !!؟
فاتن:
- انتي مش قولتيلي اعملي اللي انتي عايزاه، أخيرًا قررت أخيرًا، عملت اللي أنا عايزاه، رميت كل اللي فات ورا ضهري، اتجَرَّأْتْ.