قال الدكتور القس منذر إسحق العميد الأكاديمي لكلية بيت لحم للكتاب المقدس، عام مرّ على بداية الحرب. عام صعب جدًّا وقاسٍ على شعبنا وأهلنا في غزة. هي حرب إبادة بكلّ معنى الكلمة. غزة اليوم هي الجحيم على الأرض. دعونا لا ننسى أنّ هذه الحرب أتت بعد 16 عامًا من الحصار، تعرضت فيها غزة لحروب كثيرة. غزة تصرخ اليوم: يكفي ألمًا. يكفي موتًا. يكفي حصارًا. إلى متى يا ربّ؟ أطفال غزة يصرخون ويستغيثون، فهل من مجيب؟
وأضاف “ إسحق” خلال الصلاة من أجل السلام، والتي أقامها في كنيسة القديسة كاترينا بيت لحم، اليوم، بأنه هناك عامٌ والعالم كلّه يشاهد صور الموت، فهي حرب نشاهدها على الهواء مباشرة! انتشال الأطفال من تحت الركام، أشلاء، مستشفيات مدمّرة، عائلات مُهجّرة، دمار كامل، غزة كما نعرفها لم تعد موجودة، أكثر من 16 ألف طفل قتلوا في هذه الحرب! فعلًا، مات ضمير البشريّة، لا أحدٌ يمكنه أن يدّعي أنه لا يعرف أو لم يدرك مقدار الدمار وحجم الموت، والآن انتقلت الحرب لتشمل لبنان، لا يوجد أي اكتراث بحياة الإنسان، لا ينظرون إلينا على أننا بشرٌ مساوون في القيمة، هم مستعدون لقتل ألف فلسطينيّ أو لبنانيّ في سبيل تصفية شخص واحد، والأسوأ أن حماة حقوق الإنسان والقوانين الدوليّة ما زالوا يوفرون لهم الحماية والغطاء، وما زلنا نجادل إن كانت حرب إبادة، أو إن كان واقعنا فصل عنصريّ أم لا! هي حرب كشفت الكثير، كشفت نفاق من يدّعون أنهم يمثلون العالم المتحضّر وحقوق الإنسان، وعلّمتنا أن الصمت أحيانًا يكون صمتًا مدوّيًا، فالصمت تواطئ، أصحاب القرار يستنكرون، ويرسلون الأسلحة! وهناك من اختبئ وراء نداءات السلام دون أن يقول كلمة حقّ.
وتابع " إسحق": ما يؤلم هو أن لهذه الحرب أبعاد دينيّة، وهناك من يسخّرون اسم الله القدوس لتبرير قتل الأبرياء وسرقة الأرض وطرد السكان! لهم نقول: الله هو العدل، وهو الرحمة، لا يمكن تبرير إبادة أطفال على اسمه القدوس. كل إنسان مخلوق على صورة الله، ونحن نرثي موت كل الأبرياء، وندعو للحريّة للجميع. ولكن علينا أيضًا أن نختار طريق الحقّ والعدل، متذكرين أن الله ينحاز مع المظلومين.
واستطرد “ الدكتور منذر ”، لأخوتنا في المسيح غزة، مرّ عامٌ على لجوئهم إلى الكنائس. اعتقدوا أن الكنيسة ستحميهم، ولكن حتى حرمة الكنيسة تمّ انتهاكها، واستشهد منهم الكثيرون داخل الكنيسة (نقول: على رجاء القيامة). لا يوجد مكان آمن في غزة. الكنيسة والمسجد والمستشفى والجامعة والمدرسة، كلّها تمَ استهدافها. لهم اليوم نوجه التحيّة، ولكلّ أهلنا في غزة، ربّما بخجلٍ جديد، لتقصيرنا وشعورنا بالعجز، وأننا خذلناهم. ونُجدّد التزامنا بالصلاة والعمل من أجلهم ومن أجل وقف هذه الحرب، مثمنين كلّ ما يقوم به رؤساء كنائسنا من إغاثة وجهود من أجل وقف الحرب.
واشار “إسحق” إلي ان هذه الحربُ كشفت أيضًا لنا من هم أصدقاؤنا، ومن يمكننا الاعتماد عليهم. نشكر من يصلّي من أجلنا، ومن أجل وقف الحرب. نشكر كل من تحرّك خاصة في كنائس العالم من أجل مناصرة العدل والحقّ. نحن لا نريد من يدعمنا لأننا فلسطينيين. نحن نريد من يقول كلمة حقّ. ومن يعمل من أجل وقف الدماء. نؤكد موقفنا أن نريد الحياة للجميع، وأنّ لا سلام دون عدل، وأن الطريق إلى الحياة والحريّة والكرامة للجميع يبدأ بهدم هيكليات الظلم والتفوّق والفصل العنصريّ. ونؤكد على ضرورة محاسبة كلّ من ارتكب ويرتكب جرائم حرب. هذا هو العدل. نشكر كُلَّ من يسير معنا في هذه الطريق.
وتابع “ إسحق”: أيها الأحباء: ربما نشعر أنّ الله تركنا... وهذا طبيعي. أنّه لا يبالي، أو حتى لا يسمع. صمت الله صعب جدًا، أكثر من صمت الإنسان. لكنّ صمت الله دعوة لنا لتجديد إيماننا؛ هو امتحانٌ لصمودنا. اليوم، صلاتنا مقاومة وصمود. في قهرنا وألمنا وفي حزننا، نجدّد إيماننا بإله الحقّ والعدل والرحمة. قد يأخذوا منّا كلّ شيء، لكنهم لا يقدرون أن يأخذوا منّا أغلى ما نملك، وهو إيماننا بالله. ممنوع أن نفقد إيماننا. وهكذا أتينا اليوم، لأننا نؤمن أن رجاؤنا هو في الله، ملّحين ومصّرين أن يستمع لنا. أتينا لنصرخ، لنرجو، لنعبّر عن غضب، وألم، ولوم وعتاب لله. لنقول له: إلى متى؟ تدخّل يا ربّ. ليتك تشق السموات وتنزل.
واليوم نصرخ بإيمانٍ ونترجى وعد المسيح في انجيل لوقا، عندما وقف في الناصرة ونادى: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لِأَنَّه مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء، وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم، ولِلعُميانِ عَودَةَ البَصَرِ إِلَيهِم، وأُفَرِّجَ عنِ المَظلومين، وأُعلِنَ سَنَةَ رِضًا عِندَ الرَّبّ. ونقول: ليكن هذا! نريدها سنة رضىً للربّ. لدينا عطش وجوع كي نرى الفقراء يُبشّرون بنهاية الظلم والقهر – يكفي يا ربّ قهرًا وظلمًا. نريد أن نحتفل بتخلية سبيل المأسورين –كلّ المأسورين! ونصلّي لعودة البصر للعميان، ولمن يتعامون، وشفاء لكلّ الجرحى، أرجوك يا ربّ. وتعزية للحزانى، وفرج للمظلومين والمقهورين.
واستطرد: أحبائي، صلاتنا سلاحنا. ممنوع أن نتوقف عن الصلاة والإلحاح على الله، مثل الأرملة في مثل الأرملة وقاضي الظلم، التي ألحت وأصرّت وعملت واجتهدت وناشدت حتى نالت حقّها، وحتى أنصفها قاضي الظلم. أمام قضاة الظلم وما أكثرهم في عالمنا، لن نتخلى عن حقوقنا. ولن نقبل الإبادة واقعًا، ولن نستلم لليأس. نحن لا نطلب الكثير: نريد أن نعيش بكرامة وسلام في أرضنا وأرض أجدادنا.
عام مضى على الحرب. أهو قدرنا كفلسطينيين أن نعيش حربًا تلو الأخرى، تهجير تلو الآخر؟ واليوم نتسائل عن المستقبل. نعيش في خوف. لنواجه كل هذه الصعوبات بسلاح الإيمان. لنسلّم له أمورنا، بينما نلتزم بثقافة الحياة. نحن شعب القيامة، لا الخوف. نحن شعب الرجاء، لا اليأس. يسوع المسيح ذاته اختبر آلامنا وضيقاتنا وحتى الموت على يد المحتّل في صليب الجلجثة، لكنّه أيضًا قام. لذا أدعونا للصمود في هذه الأرض. وجودنا اليوم مقاومة. نحن أصحاب الحقّ والأرض. لنتمسّك بعدالة قضيتنا، وبثباتنا في الأرض، وتجذرنا خاصة كمسيحيين هنا، مؤمنين أن المصلوب المُقام معنا وفينا.
ختامًا نقول، يا ربّ السلام، أمطر علينا السلام. أوقف شرّ هذه الحرب. وسلام الله الذي يفوق كلّ عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع ربّنا.