يعد الروائى الألمانى كريستوف بيترس المولود فى شمال الراين الألمانية عام ١٩٦٦، أول كاتب فى ألمانيا يقدم رواية تتناول قضية الإرهاب فى أوروبا عام ٢٠٠٦، اعتنق كريستوف بيترس الإسلام، وحاولت بعض الجماعات الإسلامية والجهاد الإسلامى تجنيده بين صفوفها.
حازت روايته «المدينة والبلد والنهر» عام ١٩٩٩ على جائزة «Aspekte» الأدبية، ورشحت روايته «نحن فى كالينبيك» التى صدرت عام ٢٠١٢ ضمن القائمة الطويلة المرشحة لجائزة أفضل رواية ألمانية. أفرزت زيارته إلى مصر فى بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين على روايته «حجرة فى دار الحرب» والتى نقلتها من الألمانية إلى العربية هبة الله فتحى والصادرة عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٥.
يعكس الإطار العام للرواية شخصية «البطل الإشكالى»، الشاب الألمانى يوخن سافاتسكى البالغ من العمر ثلاثين عامًا يعانى من الانحراف الاجتماعى وتعاطى المخدرات والاستبعاد الاجتماعى، فهو من أصحاب السوابق، وصدرت بحقه أحكام جنائية بالحبس سنتين مع إيقاف التنفيذ بسبب المخدرات.
عمل يوخن سافاتسكى مخبرًا فى أوساط تجار المخدرات لصالح البوليس الجنائى الألمانى، اعتنق الإسلام وأطلق على نفسه اسم يوخن عبدالله سافاتسكى، انخرط فى صفوف التنظيمات الإرهابية المنتشرة عناصرها داخل المجتمع الألمانى.
تعكس حالة سافاتسكى الآثار الاجتماعية لسياسات الليبرالية الجديدة، التى طالت بعض الشرائح الطبقية داخل بنية المجتمع الألمانى، مما انعكس سلبًا على بنائها الفوقى، وانتشار القيم المادية الاستهلاكية ومظاهر الاغتراب، والأمراض الكامنة فى قلب مشروع الحداثة الأوروبى والمعاناة من حالة الفراغ الروحى، وانحسار القيم الروحية للمسيحية فى أوروبا.
وسافاتسكى ينتمى إلى أسرة ألمانية من الطبقة الوسطى، فأمه تعمل محاسبة فى الحكومة الألمانية، سيدة تعتنى بأناقتها على الرغم من سمنتها المفرطة، تزوجت أكثر من مرة كانت آخرها والد سافاتسكى الضابط فى البحرية الأمريكية الذى لا يعرف عن أمر ابنه أى شيء.
وما بين مطرقة القيم الاستهلاكية وسندان الفراغ الروحى، يعانى الإنسان فى الحضارة الغربية مظاهر الاغتراب، وهو ما يكشف لنا عن الأسباب الكامنة التى دفعت سافاتسكى لاعتناق الإسلام والانخراط فى صفوف التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية، ويغير هويته الأوروبية واسمه إلى يوخن عبدالله سافاتسكى، وينفصل عن ثقافته ومجتمعه وأسرته والفتاة التى أحبها «أروى» والتى كان ينوى الارتباط والزواج بها، وينفصل عن جماعاته المرجعية الأصلية، ويذهب إلى مصر ليشترك مع عناصر إرهابية من الجماعات الإسلامية والجهاد الإسلامى، التى قاتلت ضد الجيش الأحمر بأفغانستان، لينفذوا مذبحة بشعة فى مدينة الأقصر مقصد الزائرين والسائحين فى مصر خلال تسعينيات القرن العشرين.
وهنا لا بد أن نتوقف طويلًا أمام عملية تجنيد الجماعات الإرهابية وكيفية ضمها لعناصر جديدة لصفوفها وما تطرحه من أيديولوجيتها، ورؤيتها العدمية للعالم، أنها تهدف من ذلك أن تجعل من نفسها «الجماعة المرجعية» لعناصرها الجديدة. وهذا ما تمت ملاحظته ميدانيًا عبر العديد من التقارير الصحفية التى رصدت كيفية انضمام شباب وفتيات التحقوا بصفوف تنظيم داعش الإرهابى دون علم أسرهم، و«الجماعة المرجعية» كما عرفها علماء السوسيولوجيا، يشير إلى الجماعة التى يُقيم الفرد سلوكه أو مواقفه فى ضوئها.
هذا الواقع الاجتماعى المتفسخ، لا ينفصل عن الواقع الاجتماعى لإخوانه من الإرهابيين الذين سكنوا معه أحد كهوف جبال مدينة الأقصر لكى يحتموا بها بعض الأيام، من أجل تنفيذ مخططاتهم الهمجية أو ارتكاب مذبحة دموية فى معبدالأقصر، بحق السياح خاصة القادمين من أوروبا وأمريكا الذين يمثلون الغرب الكافر.
يكشف طبيعة المنولوج الداخلى بين عناصر الخلية الإرهابية، عن أمراضهم السيكولوجية، وخاصة السادية ومتعتهم فى تعذيب وقتل الآخرين. فقناعاتهم الأيديولوجية توضح، أنهم فى حالة حرب إجبارية، يدافعون عن دار الإسلام التى باعها مبارك وأعوانه بملايين الدولارات، باعوا ما لا يملكونه، بل سرقوه بواسطة أسلحة من أمريكا وأوروبا تمامًا مثل عصابة آل سعود التى تركت الأرض المقدسة لهؤلاء الكفار، كمنطقة لانتشار القوات عندما تقوم حرب صليبية جديدة باسم أصنام البترول.
عندما تتحرك تلك الخلية الإرهابية التى انضم إليها سافاتسكى وهى تقطع نهر النيل، فى طريقها لمعبد الأقصر، يتطلعون إلى السد العالى وبنيته القوية، ويقول أحدهم «بناه عبدالناصر أول رئيس لمصر كافر، قاتل سيد قطب».
تفشل العملية الإرهابية ويتم إحباطها، ويتم إلقاء القبض على سافاتسكى واثنين آخرين من مصر، ويتم إيداعه فى سجن شديد الحراسة، ويحبس انفراديًا، ويحدث نفسه داخل حجرة السجن «لا أرغب فى تسليمى إلى ألمانيا. لا أريد أن أعود إلى هذا البلد الفاسد الذى نسى الله وصار عبدًا للمال ولأمريكا، يجب أن يعدمونى هنا وأدفن إسلاميًا مع الإخوة والأخوات الذين رحلوا من قبلى.. أيًا كان مكان قتلى وزمانه سأرحل فى سلام.. لا يهم مصير جثتى».