شكل الهجوم الإرهابى العنيف على الكنيسة البطرسية، طعنة نافذة فى قلب الوطن. وعلى الرغم من المواجهة الشاملة لكل مؤسسات الدولة المصرية للقضاء على الإرهاب، فإن جميع المؤشرات والوقائع التى حدثت مؤخرًا تكشف لنا، أن المواجهة مع قوى الشر والإرهاب مستمرة.
لطالما أن أيديولوجيتهم ورؤيتهم العدمية للعالم هى المزيد من سفك الدماء، والسعى للوصول إلى السلطة من أجل إقامتهم للدولة الفاشية الثيوقراطية، التى ليست لها علاقة بالعلم ولا بالحريات العامة وحقوق الإنسان، وليست لها علاقة على الإطلاق بمستقبل المجتمع المصرى، وعلى تناقض مع قيم الحداثة والتنوير. إن أولئك الهمجيين يسعون بكل قوة للعودة بنا إلى عصور التخلف والانحطاط.
وتعود بى الذاكرة إلى عمل أدبى رائع كتبه الروائى الألمانى كريستوف بيترس، بعنوان «حجرة فى دار الحرب»، والتى تدور حول شاب ألمانى اعتنق الإسلام تحت تأثير الجماعات الإسلامية المنتشرة فى أوروبا، وشكلت تلك الجماعات الإسلامية فى ذهنه أن كل المجتمعات كافرة ويجب الجهاد ضدها، ويسافر من ألمانيا إلى مصر ليشترك مع الإرهابيين فى تنفيذ عملية إرهابية فى تسعينيات القرن العشرين ضد السياح فى معبدالأقصر، ولكن العملية تحبط ويتم إلقاء القبض عليه ويحكم عليه بالإعدام وشركائه من الإرهابيين. تكشف تلك الوقائع فى النص الروائى لظروف مشابهة تمامًا لما حدث لمصير الإرهابى محمود شفيق منفذ هجوم البطرسية، ومصيره المحتوم، والمشابه لمصير الإرهابى حبارة، جميعهم همجيون وقتلة.
فيكتب الروائى بيترس على لسان السفير الألمانى سيزمار «لو أقيمت انتخابات حرة سينجح المتطرفون ويقيمون دولتهم الثيوقراطية.. سيرجمون الزانيات ويقطعون أيدى اللصوص.. فى الغالب سيهدمون المعابد ويكسرون صورة الآلهة ويغلقون المتاحف، لأن التماثيل تطرد الملائكة».
لقد حدث ذلك بالفعل فى الواقع المعاش فى حياتنا العربية، فتنظيم داعش الإرهابى قام بتدمير المتاحف والمدن التاريخية، التى تمثل تراث الإنسانية فى العراق وسوريا ونفذ عمليات إعدام ميدانية بحق نسوة ادعى أنهن يمارسن الزنا، ومارس نشاطه اليومى فى القتل والتخريب. وفى مصر ظهر من داخل التنظيمات الإرهابية من ينادى بهدم أبوالهول وتدمير الأهرامات.
وعلى الرغم من جهود السفير سيزمار من أجل تسليم سافاتسكى للسلطات الألمانية من أجل عدم تنفيذ حكم الإعدام بحقه، فإن قيمة الحياة لم تعد تساوى شيئًا فى نظر الإرهابى وتعرضه لعمليات غسيل مخ، فيقول السفير الألمانى: «وماذا عساى أن أفعل فى ألمانيا؟ أتجول مع المجرمين داخل الساحات الخضراء فى السجون، وأقوم بطى الأكياس الورقية، وأمارس الرياضة من حين لآخر؟».
أرفق السفير كلاوس سيزمار بكتابه السرى ملحقًا بالهجمات الإرهابية التى وقعت فى مصر منذ يناير ١٩٩٣ وحتى تاريخ القبض على سافاتسكى فى نوفمبر ١٩٩٣. يجلس السفير سيزمار فى مكتبه بمقر السفارة ويطرح سؤالًا بالغ الأهمية ومنطقيًا جدًا، سؤالًا لطالما شغل أذهان علماء الاجتماع وعلماء السياسة، لماذا يقرر رجل فى الثلاثين من عمره، ويعيش فى ألمانيا أن ينضم إلى منظمة إرهابية مصرية؟. إنه يريد أن يعرف ما هية هذا الدين الذى يحول شابًا ذكيًا لقاتل يدعي لنفسه القداسة.
ينطلق سيزمار من أن سافاتسكى ذو شخصية ضعيفة سهل التأثير عليها، فقد سبقت تلك القصص المعتادة لجميع مرتكبى الجرائم ذات الخلفية الأيديولوجية، طفولة تعيسة، مرحلة شباب فاسد، جرائم صغيرة. الاستعداد لأن يتبع أى مخادع ما دام سيعطيه شعورًا بالأهمية.
تلك الرؤية العدمية للحياة والعالم المترسخة فى البنية العقلية والرؤية الأيديولوجية للإرهابيين، هى فى أحد جوانبها الرئيسية، رد فعل لعيوب كامنة فى بنية الحداثة الغربية، ونظامها «الليبرالية الجديدة» التى تعيد إنتاج آليات الاستبعاد الاجتماعى والإقصاء والتهميش.
إن استمرار الصمت العالمى والتحرك الوهمى فيما عرف بالتحالف العالمى من أجل القضاء على الإرهاب، بلا شك سوف يضعف من الاقتصاديات العربية التى تعانى منذ زمن بعيد من قضايا الفقر والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة، فضلًا عن استمرار مسلسل عدم الاستقرار السياسى إلى مستوى يقضى على مقومات الحياة اليومية لشعوب العالم العربى وينذر بتفكيك دول الاتحاد الأوروبى أيضًا التى لم تسلم شعوبها من هجمات الإرهاب الأسود التى تطالعنا بها وسائل الإعلام كل يوم.
لقد ذهب عالم الاجتماع الألمانى، أولريش بيك، بمقولة «لقد أصبح ما بدا مبالغًا فيه قبل عشرين عامًا سيناريو الحقيقة» قائلًا: «نحن نجلس جميعًا فى منطقة مخاطر على مستوى العالم»، ومن ناحية أخرى تعكس حكاية تأثير مجتمع المخاطر ذلك الاتجاه صوب عولمة المخاطر. لقد وصل إرهاب الانتحار إلى مستوى عالمى، حيث استغل هذا الإرهاب الفارق بين الخطر المحتمل والكارثة الحالية. حيث يظل توقع الكارثة، هو جوهر مخاطر الإرهاب.