السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الجماعة تنتحر.. وتُضحي بأبنائها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أن يتحول تفجير الكنيسة البطرسية إلى رقم ضمن قائمة فشل جماعة «عصابة البنا» الذريع فى توظيف الدماء والعنف لكسر إرادة المصريين بعد فشلهم فى تحقيق الهدف عبر تغذية الأزمات الاقتصادية هناك عدة نقاط تستدعى التوقف أمامها فى إطار المعلومات التى كشفت عنها وزارة الداخلية طوال الأيام الماضية والمنتظر أن يتم الإعلان عن المزيد منها بعد استكمال التحقيقات مع الخلية الإرهابية التى نفذت العملية. 
أولا: تفاقم آفة التشكك والريبة إلى مرحلة تجاوزت المنطق والوعي. حالة من الجدل العقيم يصر البعض على إحاطة عقولهم بها كما تلتصق الملابس بأجسادهم. ما أن كشف الرئيس السيسى عن هوية الانتحارى خلال أربعة وعشرين ساعة حتى بدأ التشكيك العبثى الذى كان سيتخذ نفس المسار هذه المرة بالنقد تجاه الداخلية لو حدث تأخير فى الكشف عن ملابسات الحادث الإرهابي. اختيار التوقيت والمشهد كان موفقا. فى لحظة مفعمة بمشاعر الحزن والغضب تنتظر بلهفة أى خطوة فى مسار القصاص العادل. أمام صورة مؤلمة ينقلها للعالم معظم وكالات الأنباء العالمية والعربية. بعد الإعلان بدأت التلميحات الساذجة حول مدى دقة هذا الكشف السريع عن شخصية الانتحاري. بينما منطقيا حال وجود أدنى شك فى مصداقية المعلومات كان من الممكن تأجيل الإعلان حتى يتم التأكد من ملابسات الجريمة دون أن يُحدِث ذلك أى تأثير على الموضوع.
ثانيا: العمليات الانتحارية لم تكن ضمن عقيدة الجماعة منذ إنشائها فقادتها هم الأكثر حرصا على الحياة ورغبة التمتع بملذاتها. اختياراتهم الجبانة عبر التاريخ اتسمت بالغدر. دائما تُريق دماء الأبرياء ثم يتلذذون بمراقبتها عن بُعد. لعل الحوادث الانتحارية التى تورط أعضاء الجماعة بارتكابها تقتصر على عملية انتحارية فاشلة عام ١٩٩٣ استهدفت وزير الداخلية آنذاك حسن الألفى، وعام ٢٠٠٥ فجر الإرهابى حسن بشندى نفسه بحزام ناسف وسط مجموعة سائحين فى الأزهر. إذن جريمة كنيسة البطرسية نقلة أو «عودة» مستنسخة من الماضى القريب لا يمكن قراءتها بمعزل عن الفتوى التى أصدرها يوسف القرضاوى مؤخرا داعيا إلى القيام بأعمال انتحارية شرط أن تتم بأمر من الجماعة. بينما تاريخ «عصابة البنا» اقتصر على تضحية القادة بأبناء الجماعة المُغيبين ثم بعد تنفيذ أى جريمة يتم إلقاؤهم فى السجون أو التشرد والهرب من مصر. نمط بدأ منذ اغتيال أحمد ماهر عام ١٩٤٤ ثم محمود فهمى النقراشى والمستشار الخازندار عام ١٩٤٨. رغم أن مسئول التنظيم السرى عبدالرحمن السندى كان يُلقِن المُكلفين بالتنفيذ «فضائل الشهادة» وفق مزاعمهم! إلا أن التخطيط وطريقة التنفيذ اعتمدا إما على الهروب أو الوقوع فى قبضة رجال الأمن.
ثالثا: جريمة كنيسة البطرسية لم تنسف فقط أشلاء الأبرياء. نسفت أيضا نظرية بلهاء دأبت مؤسسة الرئاسة الأمريكية على مدى ثمانى سنوات حشد كل مراكز الأبحاث والدراسات ووسائل الإعلام للترويج لها سواء بين دول الغرب أو المنطقة العربية. نظرية دعمت احتضان تيارات الإسلام السياسى الذى أُلصقت به صفة «الاعتدال»! كسلاح محتمل لمحاربة التنظيمات الجهادية!! دون أن يُكلف أحد من هؤلاء «المبشرين» نفسه عناء توضيح الأسس التى بنوا عليها هذه الحدود الوهمية بين جماعة مثل «عصابة البنا» وباقى التنظيمات الإرهابية، خصوصا أن حقائق الأحداث تكشف كل يوم رابطا وثيقا بين هذه المجموعات سواء باعتراف قادتها أنهم كانوا أعضاء فى الجماعة أو محاكاة الجماعة لهذه التنظيمات فى اختيار أقصى درجات الوحشية عند التخطيط للعمليات.
رابعا: فكرة الانتحار الجسدى لا يمكن فصلها عن الانتحار السياسي. الجماعات الإرهابية سواء حملت اسم «القاعدة» أو «داعش» تهرول إلى احتلال أى بقعة فراغ أمنى وسياسى فى أرض عربية. لكنها قطعا فى داخلها لا تحمل قناعة كاملة بكل الشعارات الساذجة التى تصدرها للعالم أمام الكاميرات عن إقامة خلافة أو دولة إسلامية. هى تدرك جيدا أنها مجرد أدوات مؤقتة فى معادلة قوى دولية. وجودها الزمنى مقترن فقط بالدور الذى ظهرت على سطح الأحداث للقيام به لذا تذهب فى مسارها إلى أقصى درجات الترويع والوحشية، حتى وصولها إلى كلمة «النهاية». بعد فشل الجماعة فى تحقيق آخر مراحل الحلم المنشود. والذى حدده حسن البنا تاريخيا لمستقبل الجماعة ( ١-التكوين.. ٢- العمل والإنجاز.. ٣- جنى الثمار أو التمكين) هى تقترب كل يوم من مرحلة «الانتحار السياسي» والتخبط فى الأهداف والشعارات بين رجوع «سكرتيرها مرسي!». ثم التلويح بالمصالحة! أو إبادة ٩٥ مليون مصرى فى حالة غضب عنيف ضدها كى تعاود سرقة وطن خالى من السكان!!! .
لعل أكثر ردود الأفعال إثارة للدهشة على الصعيد العربى ما جاء فى بيان دول مجلس التعاون الخليجي. الذى يعكس صيغة تشكيك لا ترتقى إلى مستوى العلاقات المصرية الخليجية. خصوصا أن الأجهزة الأمنية المصرية قامت بالدور الرئيسى فى تشكيل وبناء المؤسسات الأمنية فى أغلب دول الخليج ودعمها بالخبرات المختلفة فى هذا المجال. الدعم اللوجستى وتمويل العمليات الإرهابية من قطر هى حقائق موثقة بالصوت والصورة لا تحتمل أشباه المواقف ولا تعبيرات ذات كلمات مائعة مثل «الزج» أو بيانات تُدين المقتول بدلا من القاتل.