الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإمبراطورية الأمريكية والإرهاب الأسـود "7"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان احتمال الحرب المستمرة يهدد العالم، فليس من المرجح أن يكون الموقف فى الولايات المتحدة أفضل، فالنزعة العسكرية والإمبراطورية تهدد الحكومة الديمقراطية فى الولايات المتحدة، مثلما تهدد دولًا أخرى مستقلة ذات سيادة. وكانت الولايات المتحدة تشق طريقها ببطء نحو النزعتين الإمبراطورية والعسكرية منذ سنوات عديدة. بالإضافة لذلك، فرؤساء أمريكا يلفون سياستهم الخارجية بعبارات مثل: «القوة العظمى الوحيدة»، و«الأمة التى لا غنى عنها»، و«العولمة». وبقدوم إدارة جورج دبليو بوش، وبالذات بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، أفسحت هذه المزاعم المتباهية الطريق لإعلانات الإمبراطورية الرومانية الثانية القادمة. 
إن مفهوم الحرب فى عصر العولمة قد تغير، ولم يعد مجرد حرب بين دولتين كل منهما تكبد الأخرى أفدح خسائر ممكنة. وإن كان هذا لا يعنى أن تهديدات الأمن القومى قد تقلصت بأى حال، بل إن حروبًا جديدة قد حلت محل الحروب التقليدية، وأصبحت الحروب الجديدة مزيجًا من الحرب والجرائم المنظمة والاعتداءات المكثفة على حقوق الإنسان. ومرتكبو هذه الحروب قد يكونون عناصر عالمية أو محلية. وقد انعكس هذا الاتجاه بدوره على الثقافة الشعبية الأمريكية، وظهر هذا جليًا فى موسيقى البوب الشعبية، التى عكست روح الغطرسة وثقافة القوة التى تطبعت بها الشخصية الأمريكية. 
وبينما دافع البعض عن معتقد بوش الجديد بحجة أنه يمثل واقع السياسة الدولية فى فترة ما بعد الحرب الباردة، وتفرد أمريكا بالقوة باعتبارها قطبًا أوحد، وصفه آخرون بأنه لا يتماشى مع وقائع التاريخ وحقائق السياسة الدولية على مر العصور، ولذلك وصفوا استراتيجيته بأنها مضللة. 
كانت الحرب ضد القاعدة منذ بدايتها، بالنسبة لإدارة بوش ليست مجرد صراع مع عدو للولايات المتحدة وحدها، وإنما حرب العالم ضد الإرهاب، فأصبحت القاعدة هى العدو الجديد والتجسيد الأخير لأيديولوجية القتلة، بعد الفاشية والنازية فى القرن العشرين. 
وعلينا أن نتذكر أن الإرهاب ليس بالظاهرة الجديدة، ولا حتى فى شكله الدينى. بل إن الحكومات الأمريكية وبعض الأكاديميين، قد استغلوا هجمات الحادى عشر من سبتمبر، لإقناع العالم بأنه قد دخل عصرًا جديدًا هو «عصر الإرهاب الكونى». ويركز أصحاب هذا الرأى على استخدام الإرهاب الكونى للمعلومات التكنولوجية المتاحة فى عملية التخطيط والتنفيذ للهجمات. 
وحقيقة الأمر، فإن القاعدة ليست بالمنظمة الإرهابية الأولى، التى تلجأ لما أتيح من تكنولوجيا العصر فى تنفيذ وإعداد خططها، فقد سبقتها جماعات ومنظمات إرهابية متعددة، على مر العصور استخدمت أحدث تقنيات العصر فى تنظيم عمليات تجنيد عناصرها وتنفيذ عملياتها. بل وفى نشر أيديولوجيتها وفلسفتها العقائدية، وكانت تلك التكنولوجيا بمثابة أداتها الدعائية للإعلان عن أنشطتها. وحينما بدأ مسار الإرهاب يتضح وتتكشف جوانبه فإن أنشطته الإرهابية أصبحت أكثر تطرفاً. 
لقد حدد البروفيسور شالمرز جونسون، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا، ومستشار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، للنتيجة التى لا مفر منها للمسار الذى اختارته جماعات الصفوة العسكرية الأمريكية، من أن ارتباط النزعة العسكرية بالإمبراطورية سيجلب معها الأحزان دائما. وأول تلك الأحزان، هو أنه سوف تكون هناك حروب متواصلة تؤدى إلى مزيد من الإرهاب ضد الأمريكيين أينما كانوا، والاعتماد متنام على أسلحة الدمار الشامل بين دول أصغر فى محاولتها لدرء القوة الإمبراطورية الماحقة. وثانى الأحزان أنه سوف تكون هناك خسارة للديمقراطية والحقوق الدستورية، حيث إن رئاسة الجمهورية الأمريكية سوف تخسف بالكونجرس تمامًا، وتكون هى نفسها قد تحولت من «فرع تنفيذى» للحكومة إلى شيء أقرب إلى رئاسة معسكرة كالبنتاجون. 
وثالثا: سوف تتزايد الاستعاضة عن مبدأ الإخلاص والصدق الممزق بالفعل بمنظومة من البروباجندا، والتضليل الإعلامى، وتمجيد الحرب والقوة والجحافل العسكرية. ورابعًا وأخيرًا سوف تحدث حالة إفلاس نظرًا لأن النزعة الإمبراطورية سوف تبدد الموارد الاقتصادية الأمريكية على المزيد من المشروعات العسكرية التى تتسم بالفخامة والعظمة مع إبقاء الفتات للتعليم والرعاية الصحية. 
إن هناك ثلاث إمبراطوريات كبرى منهارة هى الإمبراطورية الصينية، والنمساوية - المجرية، والعثمانية. وقد أدى مزيج من الإفراط فى التوسع، وجمود المؤسسات الاقتصادية، والعجز عن الإصلاح، إلى إضعاف جميع هذه الإمبراطوريات وإصابتها بوهن قاتل فى مواجهة حروب كارثية أشعلت الإمبراطوريات نفسها معظمها.
ولا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن الإمبراطورية الأمريكية لن تسلك نفس المسار ولنفس الأسباب. إذا كانت جهود العولمة قد أخرت بدايات هذا الانهيار إلى حين، فإن الانتقال إلى النزعتين الإمبراطورية والعسكرية سوف يتكفل بالموضوع.