تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
عندما أعلن محمد مرسي رئيسًا لجمهورية مصر العربية قبل ما يزيد عن ثمانية أشهر أصابني الإحباط وتمكن مني طيلة شهر كامل، حتى كاد يصبح شبه مرض مزمن؛ وكنت كلما شاركت في حديث له علاقة بمسخرة نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية انتابتني حالة انفعالية وارتفع ضغط الدم، لكنني قررت أن أبتعد تمامًا عن كل مناقشة أو حتى سماع أخبار لها علاقة بهذا الذي لم يقنعني صوته ولا حتى مخارج ألفاظه بأنه يصلح ليكون رئيس جمهورية أو حتى رئيس فصل أولى أو تانية ابتدائي.
وكان ظني وقتها أننا قد نحتاج مئة عام كاملة ليدرك المصريون أن هذا الرجل ليس إلا فردًا في عصابة من الكذابين وأن المسافة بينهم وبين الأخلاق والضمير أبعد من حساب المسافات في الفضاء والتي تقدر بملايين السنوات الضوئية وربما المليارات.
كنت أظن أن جماعة الإخوان الكذابين وأذنابها من الإرهابيين والقتلة قد تنجح في خداع المصريين، بعد أن امتلكت شئون البلاد ومقدراتها وأصبح تحت إمرتها عشرات الصحف القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون، بعد أن كانت لا تملك سوى ميكروفونات هزيلة في زوايا صغيرة.
ولم أكن وحدي من يفكر بهذه الطريقة، حتى أطلّت بوادر الأمل وطاقات النور وخيوط الشمس من قلب هذا السواد الإخواني، فمنذ أن حاول مرسي إعادة مجلس الشعب المنحل وهو يثبت كل يوم أنه ممثل عصابة الإخوان الكذابين في قصر الرئاسة، وكلما اتخذ قرارًا لم يحصد سوى فقدان المصداقية والاحترام والهيبة.
والحق أن كل ممارسات مرسي التي من الملل أن نكرر القول بأنها تعليمات مكتب الإرشاد لوكيلها في الاتحادية أراد بها في واقع الأمر أن ينال من هيبة الدولة المصرية ويحط من قيمتها ومعناها في قلوب المصريين، لينشئ بعد ذلك مفهومًا جديدًا للشكل الذي يريده الإخوان للنظام السياسي في مصر، وهو أن يكون مجرد إمارة خاضعة لمرشد الجماعة، لذلك هو حاول أن يهدم قيمة مؤسسة القضاء ومن بعدها مؤسسة الجيش، وتكفي الإشارة إلى وقاحة علي عبدالفتاح الذي اتهم الجيش بقتل جنوده في رفح، ثم هو هدم أو فرغ جوهر أي نظام سياسي حديث فيما عرف بدستور الغرياني، الذي حول البرلمان إلى لجنة فتوى لتفسير آراء ومذاهب الفقهاء في المادة المسخرة والمرقمة بـ219، فالإمارة لا تحتاج إلى مؤسسة قضاء أو قانون وإنما يكفيها قاضٍ عرفي.
ومع ذلك باءت محاولات مرسي وعشيرته بالفشل، فالدولة في قلوب المصريين ضاربة بأوتادها في عمق سبعة آلاف سنة من الحضارة، وها هم يستدعون الجيش- آخر ركائز الدولة- ليحميها من “,”عبط“,” الإخوان وهرتلة الإسلاميين، وأقول هرتلة لأنني لم أجد وصفًا أدق من هذا لأصف تصريحات حازم صلاح أبوإسماعيل الأخيرة التي حذر فيها الجيش من التدخل في المشهد السياسي.
لكن ما زاد تفاؤلي وسط هذه العتمة هو قرار النائب العام الخاص بعشيرة مرسي بإعطاء حق الضبطية القضائية للمواطنين العاديين، كثيرون سيقرأون هذا القرار باعتباره إعلانًا صريحًا لاندلاع الحرب الأهلية في مصر، وأنه سيؤدي إلى حروب شوارع بين المصريين العاديين وأولئك الإسلاميين الذين لا ينتمون وجدانيًّا وثقافيًّا للهوية المصرية الخالصة، وهذا الاعتقاد صحيح وفي محله لاسيما أن النائب الخاص لمرسي طلعت عبدالله قد فتح الباب بهذا القرار “,”الذي لا أجد في قاموس الردح ما يصلح لوصفه“,” على مصراعيه أمام المرضى بحلم تشكيل جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ناهيك عن أنه إشارة صريحة لمليشيات الإخوان المسلحة كي تبدأ عملية الانتشار في شوارع المحروسة وميادينها، وهو أيضًا تصريح بالقتل في حالة أن قاوم مواطن أخاه المواطن أثناء القبض عليه.
ومع ذلك أجد في هذا القرار بابًا أوسع للتفاؤل بأن أيام مرسي وعشيرته قد دنت وما أرادوه للمصريين سينقلب عليهم، وليس في ذلك مبالغة أو أمنيات لمواطن بريء أو ساذج، والعبرة في ذلك هي أن القرار المذكور يجعل مرسي- وبشكل واضح وفج- رئيسًا لعصابة إجرامية سيقف في وجهها جميع المصريين بلا هوادة، ثم إنه يكفي أن يقر في قلوب الملايين أن ذاك الجالس على عرش المحروسة فشل حتى في أن يكون مملوكًا محترمًا، فمن مات في قلوبهم ووجدانهم ليس أبدًا قيمة الدولة وإنما هذا الذي لا يشغله سوى قمعهم وقهرهم؛ علاوة على ذلك يضيف هذا القرار إلى صفات الإخوان الكذابين ميزة الغباء منقطع النظير، فلم يحدث في تاريخ قبيلة من قبائل العرب أن سمح شيخها لآحاد الناس بالقبض على آحاد الناس؛ ألا يعجّل هذا يا قوم مرسي وعشيرته بتدخل الجيش إذا سالت الدماء وعمّ الفساد.
لقد أكد الإخوان الكذابون أنهم على عكس كل الصفات التي ذكرها الرسول الكريم للمؤمنين به، فهم كذابون، والرسول أعلمنا أن المسلم قد يسرق وقد يزني وقد يقتل لكنه أبدًا لا يكذب، كما أعلمنا أن المنافق إذا خاصم فجر، وإذا حدّث كذب، وإذا أؤتمن خان وإذا وعد أخلف وهذا واقع حال الإسلاميين جميعًا منذ أن جاءوا إلى سدة الحكم بيافطة اسمها محمد مرسي.
أيضًا أخبرنا الرسول أن المؤمن كيّس فطن، لكن الجماعة تتصرف بلا عقل أصلًا وكأنها رأس فرغ سوى من الرغبة في التملك والاستحواذ والقتل وسفك الدماء والنهب والسلب، وعلى ذكر النهب والسلب فإن قرار طلعت عبدالله سيعمل على تشكيل عصابات وجماعات نهب وسلب لأموال الغير، بحجة أن المنهوب لم يدفع ما عليه من زكوات وصدقات.
ظني أن قرار النائب العام قد فتح باب جهنم في وجه مرسي وعشيرته ليعجّل برحيلهم ربما إلى الأبد، تمامًا كما يفتح باب الأمل أمام الحالمين مثلي بوطن نظيف بلا عهر وصلف.