بعد الحادى عشر من سبتمبر، أصبحت الولايات المتحدة، التى استبدت بها فكرة الإرهاب، أكثر تشوشاً، حيث غابت عنها رؤية مبادئها الاستراتيجية طويلة المدى بالمرة وكبديل لذلك، خلقت هدفًا استراتيجيًا جديدًا، لكنه بعيد المنال، وهو القضاء على تهديد الإرهاب.
عند الرد على هجمات القاعدة، اصطدمت الولايات المتحدة بالعالم العربى، خاصة فى أفغانستان والعراق. وكان الهدف هو بيان القدرة الأمريكية على الوصول، ولكن هذه الجهود كانت هجمات إجهاضية. فلم يكن الهدف منها هزيمة الجيش واحتلال الأرض، بل مجرد تعطيل القاعدة وخلق فوضى فى العالم الإسلامى. لكن خلق الفوضى تكتيك قصير المدى، وليس استراتيجية طويلة المدى، فقد أوضحت الولايات المتحدة أن بالإمكان تدمير التنظيمات الإرهابية وتخفيف حدة الإرهاب، ولكنها لم تحقق الهدف الذى أبرزته، وهو القضاء المبرم على التهديد، لأن ذلك كان يتطلب مراقبة الأنشطة الخاصة لأكثر من مليار شخص ينتشرون فى أنحاء الأرض، وحتى محاولة السعى لذلك كانت ستتطلب موارد هائلة.
ومن الغريب على بلد رأسمالى دائم التغير، مثل الولايات المتحدة ـ أن أصبح «عدم الاستقرار» عدوًا له، إن أى تغير فى التحالفات، أو أعمال الانتشار الموجودة، يمكن أن يقود إلى عدم استقرار خطر، يتوجب تجنبه مهما كان الثمن، إن أحداث الحادى عشر من سبتمبر وظهور الحرب على الإرهاب وتغيير النظام فى العراق بالقوة، ألقت الضوء أيضًا على نقطة، لاحظها عالم الاجتماع الأمريكى إيمانويل فالرشتاين: «إن الولايات المتحدة تعتمد بشدة على ورقة واحدة من أوراق لعبة البوكر العالمية، الورقة العسكرية. إنا لا نحب التفكير فى أنفسنا باعتبارنا شعبًا محبًا للحرب، ولكن هل نتوقع أن يقبلنا الآخرون كمحبين للسلام، بينما نحن حقًا لا نثق إلا فى الأسلحة».
إن العنف السياسى الذى نسميه الإرهاب، من المؤكد سيظل حاضرًا فى العالم من الثلاثين إلى الخمسين عامًا الآتية. إن الإرهاب بلا شك، طريقة غير فعالة لتغيير العالم. فهو لا يحقق شيئًا ويؤدى إلى عنف مضاد وكثيرًا ما يمكن أن يمحو مجموعة الفاعلين المباشرين، ومع ذلك سيتكرر حدوثه. أمريكا التى تستمر فى التواصل مع العالم من منطلق تأكيد أحادى الجانب بأنها تمثل الحضارة، لا يمكن لها أن تعيش فى سلام مع العالم ومن ثم لن تعيش فى سلام مع نفسها.
وإذا كان احتمال الحرب المستمرة يهدد العالم، فليس من المرجح أن يكون الموقف فى الولايات المتحدة أفضل. فالنزعة العسكرية والإمبراطورية تهدد الحكومة الديمقراطية فى أمريكا ذاتها، مثلما تهدد دولًا أخرى مستقلة وذات سيادة.
ويطرح المفكر السياسى الأمريكى كلايد بريستوويتز، ثلاثة أسئلة بالغة الأهمية: هل فشلت الولايات المتحدة فى حل المشاكل، ووسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء؟ هل تضع الولايات المتحدة آراء الآخرين فى الحسبان، عندما تضع السياسات العالمية؟ وهل يكون العالم أفضل بوجود قوة عظمى ثانية؟.
لقد قال سفير من أمريكا اللاتينية: إن الولايات المتحدة لا تثق فى العالم كله. إنها تعتمد فقط على القوة العسكرية، وليست لديها رؤية لنفسها وهى تعمل مع الآخرين، إن كل شيء يدور دومًا حول نفسها فقط.
إن موظفًا فى إدارة الإمبراطورية الأمريكية، منذ زمن طويل، وسفيرًا فى المملكة العربية السعودية، هوشاس فريمان، وضع الأمر بصورة أكثر دبلوماسية قائلا: «إن الولايات المتحدة مدينة فوق التل، لكن الضباب يلفها بصورة مزايدة». وأضاف: «إننا فى حاجة إلى حرب على الغطرسة مثل الحرب على الإرهاب».
إن صعود أية قوة إمبراطورية سوف ينتج بطريقة أوتوماتيكية تحالفات مضادة وتعاونًا بين القوى الأخرى لتوازن القوى المهيمنة، ونتيجة لذلك، تضاعف القوى المهيمنة جهودها فى تضاد مع التحالف الجديد، حتى يصبح فى النهاية امتداد الإمبراطورية مفرطًا وتنهار، ويحدث انهيار اقتصادى وإفلاس نتيجة تبديد الموارد الأمريكية على المشروعات العسكرية وحروبها المستمرة على العالم.
فإذا كانت الاستراتيجية الأمريكية فى القرن الحادى والعشرين تسعى إلى الحفاظ على موقع الزعامة العالمية، وتحاشى ظهور أى منافس تصعب السيطرة عليه، فإن السؤال المهم، إلى أى مدى تستمر الهيمنة الأمريكية المعاصرة، وإلى متى سيظل العالم تابعًا لهذا الزعيم ؟. إن الشعب الأمريكى هو أول من يمكنه الإجابة على هذا السؤال.