لا أعرف دقة المعلومة التى تقول بأن مستشفى الأطفال الجامعى «أبوالريش» موجود من أيام محمد على.. لكن ما أعرفه جيدا أنه أحد أهم إنجازات المصريين على مدار تاريخهم.. كما أعرف أن أحباب الله.. آلاف مؤلفة منهم تستنجد به.. لعلاج أوجاعها.
أعرف أنه يستقبل ٦٠٠ ألف طفل سنويا.. جميعهم من أبناء الغلابة وغير القادرين.. غير القادرين ماليا.. وأحيانا «علميا».. بمعنى أن التخصص الذى يحتاجونه لا يوجد سوى فى «أبوالريش».
وأعرف أن أحباب الله الموجوعين من أطفالنا ينتظرون بالأشهر حتى يتمكن ذووهم من إيجاد سرير خال فى المستشفى.. ليس لأن الأطباء هناك يمنعونهم.. ولكن لأن الأسرّة لا تكفى لحصر كم الألم الرهيب الذى يتوافد على المكان كل صباح.
لا أعرف الفرق بين ذلك المبنى القديم ذى اللون الطوبى.. والمبنى الحديث الذى تبرعت به حكومة اليابان عام ١٩٨٣.. لكن ما أعرفه جيدا أن المستشفى يحتاج سنويا إلى ٤٥ مليون جنيه حتى يتمكن من ملاحقة أوجاع أطفالنا.
وأعرف أن ١٤ ألف جراحة يتم إنجازها فى ذلك المكان.. ربما مررت من هناك فى طريقك إلى الجيزة أو العكس.. دون أن تدرى أن ثمة طفلا يتوجع بالقرب منك.
هذا المبلغ الكبير لا تتكفل الدولة.. «الحكومة يعنى».. بتوفيره.. الميزانية المخصصة للمكان لا تزيد على ١٣ مليون جنيه، فيما يتم تدبير المبلغ الباقى من خلال التبرعات.
ولقد رأيت بعينى فى سنوات سابقة كيف يقوم الأطباء هناك بجمع جنيهات من جيوبهم لشراء مستلزمات عاجلة.. وكيف أن السيدة الفاضلة آمال فهمى كانت تلعب دورا طيبا من خلال برنامجها «على الناصية» وتوجيه تبرعات كان الأطباء ينتظرونها ربما لشراء حقنة أحيانًا.
الطريف أن وزارة المالية استولت فى العام قبل الماضى على ٩ ملايين جنيه من حسابات المستشفى فى البنوك تبرع بها أهل الخير!! فيما لا يجد الأطباء ثمن كيس دم لطفل قادم فى حالة تستدعى إنقاذه فورًا.. ولو انتظروا مخاطبات «المالية» وروتينها العقيم لمات نصف الأطفال الذين يترددون على المكان.
المهم أن حجم التبرعات التى تصل إلى المكان.. تناقصت كثيرا فى السنوات الأخيرة.. ربما لأسباب نعرفها مثل الأزمة الاقتصادية.. وربما لذهاب جزء كبير من التبرعات للمستشفيات التى تنجح فى الترويح لنفسها عبر إعلانات ضخمة ومكلفة لا يستطيع العاملون فى أبوالريش التكفل بثمنها.. مما أدى فى النهاية إلى كارثة.. المستشفى يكاد لا يستطيع أن يجرى أى جراحات جديدة، وهناك مئات الأطفال الذين يحتاجون إلى إنقاذ عاجل.
٢٠٠ أستاذ جامعى من خيرة الأطباء.. وشباب الأطباء.. وممرضون على غاية من الكفاءة جميعهم يكافحون يوميا بإمكانات بسيطة لمواجهة أوجاع أحباب الله.. لكن أحدا خارج سور ذلك المبنى «الطوبى» لا يعرف أو يسمع بهم.
تبدو كتابتى ركيكة.. أعلم ذلك جيدا.. لأننى «صاحب تجربة» مع هذا المكان.. وأعتقد أن كثيرين منكم مثلى.. وربما لن يجدى لو قلت للدكتور جابر نصار.. ناهيا أقرب من كرداسة يا دكتور.. الحفلات التى بتعملها لمواجهة الأفكار المتطرفة شىء طيب.. لكن إنقاذ مستشفى أبوالريش أهم وأول الآن.. أنت من جانبك وبعلاقاتك وبنفاذ خطوط سيرك تستطيع أن تحصل لهذا المكان على ميزانية أكبر.. وبشكل عاجل لا بد من توفير مبلغ محترم حتى يتمكن هؤلاء الأطباء من ممارسة مهمتهم الجليلة لإنقاذ أطفالنا من الموت.
ومن ناحية أخرى، أسأل الدكتور على جمعة أن يتصرف.. وأن يأمر بتمويل جزء من تبرعات «مصر الخير».. لهذا المكان.. ولشركات الدعاية والإعلان وما أكثرها فى بلادنا.. لو سمحتوا مافيهاش حاجة لو عملتوا حملة مجانية لإنقاذ «أطفال أبوالريش».. فربما احتاج أطفالكم فى يوم ما إلى زيارته.
لا شىء يفوق الألم.. ولا شىء يفوق ألم طفل حديث الولادة.. يصرخ ولا يعرف كيف يشير إلينا بأوجاعه.. لا يعرف سوى أن يصرخ.. عسى أن يسمع أحدنا صرخته.. زميلى وصديقى محمود المملوك كتب على صفحته أن أحد رجال الأعمال المحترمين ذهب بالأمس إلى المستشفى ووفر ما هو مطلوب بشكل عاجل.. شكرًا للرجل الذى أعرفه ولا يريد هو أن نعرفه.. لكن كم رجلا من أصحاب الأعمال والقلوب يستطيع أن يفعل مثله.. الأمر لا يتوقف على مستلزمات تكفى لأسبوع أو أكثر.. الحالة سيئة جدًا.. والموقف حرج.. ويحتاج إلى تكاتفنا جميعًا..
سواء بشراء ما يحتاجه الأطباء هناك.. هم لا يحتاجون إلى أموال أو التبرع عبر الرسائل التليفونية.
المكان يحتاج إلى معدات وأجهزة تمكنه من أداء مهمته بشكل مستقر.. قلوب أحباب الله موجوعة.. لو سمحتم اتصرفوا.