لم يعد خافيًا على أحد، تنامى اتساع الفجوة فى علاقة المواطن العادى، قليل الحيلة، بمؤسسات الدولة، وهى فجوة لم تأتِ من فراغ، بمعنى أنها ليست مصطنعة بضجيج إعلامي وليد ظرف معين، أو ناتجة عن هوس نخبوى مغرض، لكنها حقيقة ملموسة متجسدة على أرض الواقع، بفعل الممارسات القبيحة من ذوى النفوس الموبوءة، هذه الحقيقة، ترسخت فى وجدان الغالبية المطحونة حتى النخاع ممن دهسوا تحت أقدام سياسات حكومة فاشلة ، تسيء لنظام الحكم، وتحرض فئات المجتمع على كراهيته عبر تجاوز بعض أفرادها حدود المسئولية الوطنية، وإن كانت هذه تصرفات فردية، إلا أنها أصبحت مزعجة، وتنذر بتداعيات خطيرة، كافية بأن تجعل سلطات الدولة بأكملها فى مرمى اتهامات المجتمع، حيث يعتقد غالبيته، أن الصمت على التجاوزات، تعبير عن الرضا الفوقى، وعدم الردع السريع، تواطؤ عمدى، هدفه إرهاب المواطنين، ودهس كرامتهم.
مثل هذه التصورات لو جرى إغفالها، أو تجاهلها، فهذا يعنى أننا ندفن رءوسنا فى الرمال مثل النعام ، خاصة إذا علمنا أن القائمين على أمور الدولة، يشاركون بإرادتهم ، في شحن المجتمع بالإحباط ، والوصول به إلى ذروة الغضب، فالتجاهل فى ظنى، سيرسخ، شئنا أم أبينا، لمقولات جائرة، ومفاهيم مغلوطة، والزعم بأن التجاوزات ممنهجة، وليست فردية وتقف خلف مراميها قوى غامضة، تهدف إحراج نظام الحكم، بما يجعل شعبيته تتآكل في أوساط الرأى العام.
أتحدث عن خطأ رجل الشرطة، فهو يختلف عن خطأ أى مسئول آخر في أى جهة أخرى؛ لذا نراه دائما فى مرمى العيون، سواء كان الخطأ، مقصود أو غير مقصود، صغيرا أو كبيرا، تكمن أهمية الالتفات لمرتكب الخطأ أو التجاوز، باعتباره ممثلا لقوة الدولة وهيبتها، ورمزا لسلطة القانون، فضلا عن أن الشرطة أحد أركان منظومة العدالة، ومن هذا المنطق فهى تكتسب هيبتها ومكانتها من احترام ضباطها وأفرادها للقانون، وليس دهسه استقواء بالسلطة والنفوز ، فالسلطة لا تجعلهم فوق القانون أو بمنأى عن المساءلة والمحاسبة ، كما أنها لا تمنح أحدا الحق فى القهر والتلفيق وفرض السطوة، وممارسة التبجح والتعالى على خلق الله، وتجعلهم فى حالة حميمية مع المجرمين والمسجلين خطر لأسباب غير مفهومة، خاصة إذا علمنا أن العتاة من المحكوم عليهم فى قضايا جنائية يتجولون جهارا نهارا تحت بصر وعلم بعض الأمناء الذين يحرضون الضباط على الاحتكاك بمواطنين، يخشون الاقتراب من قسم الشرطة ، بما يجعل دائرة الكراهية تتسع وبصورة موضوعية .
السلطة الممنوحة لهم تبدو فى ظنى مطلقة ، هم يحررون المحاضر ويعدون مذكرات التحريات، بما يجعلهم يتحكمون فى مصائر البشر، لكن هذا لا يمنح أفرادها مهما كانت مواقعهم ، الحق فى اهانة مواطن ، فاذا كانت الأصوات تتعالى بعدم امتهان كرامة المجرمين ، فالمنطق ذاته يجعلنا نجرم المساس بكرامة أى مواطن غير مدان بالأساس .
إن الدولة القوية، تفرض هيبتها على الكافة، بإعلاء القانون، تمنحه السطوة في مواجهة العبث، تنتصر به على الإرهاب والفوضى وقوى الظلام، تطبقه على الجميع، لا فرق بين كبير وصغير، غنى و فقير، صاحب سلطة، ومواطن بسيط "قليل الحيلة"، أما إذا جرى تغييب القانون فهذه كارثة.
داهمتنى إحدى الوقائع المعقدة ، الكاشفة عن علاقة رجل الشرطة بالمواطن العادى وعلاقته بالمسجلين خطر، جميعها يمثل إشكالية لا ينقطع عنها الحديث بصورة يومية فى كافة الأوسط ، وربما يكون ترديدها جزء من الاتهامات الرائجة ضد وزارة الداخلية ، رغم صرامة الإجراءات والجزاءات الموقعة على المتجاوزين سواء ضباط أو أفرادا . أما الواقعة المحفزة على الكتابة ، سأقوم بسردها كما حدثت باعتبارها كاشفة عن جوانب كثيرة .. قبل أيام قليلة وبعد منتصف الليل، سيارة ميكروباص بها أفراد شرطة يرتدون الزى المدنى وسيارة أخرى بها مجموعة يرتدون زى االقوات الخاصة ، عائدون من مأمورية بعد إلقاء القبض على 3 مطلوبين فى قضايا تتعلق بالارهاب ،أثناء عودتهم من المأمورية المهمة بكل المقاييس مهما كانت التحفظات على الأشخاص محل الحديث فى هذا السياق.
أمام المقر المؤقت للسجل المدنى فى حى المطرية ، تواجد سائق توك توك، كانت تحركات مثيرة للاشتباه به، فجأة خاطب ركاب الميكروباص قائلا لهم : اتفضلوا ، أنا لا أستطيع الحكم على هذا التصرف ، سواء كان سماجة او استعراض من سائق التوك توك يوحى من خلاله ،بأنه على صلة بهم ، أيا كانت الأسباب ، توقفت سيارة الميكروباص ونزل منها بعض الأمناء ، قاموا بتفتيشه ، وجدوا معه حسبما تردد " مخدرات" ،ألقوا به فى البوكس . فى أعقاب ذلك دخل أمين شرطة المقهى المجاور للسجل المدنى ، جذب شابا مشهود له فى الحى بحسن الخلق واحترامه للصغير والكبير ، عمره 26 ، تخرج فى كلية التجارة وانهى الخدمة الوطنية ويعاون والده ،قام أمين الشرطة بتفتيشه فلم يجد شيئا ، ثم أخذ منه بطاقة الرقم القومى وألقى به داخل البوكس ، المشهد أثار استياء المتواجدين، ولا أبالغ اذا قلت ،أنهم جميعا من الوجهاء اجتماعيا فضلا عن مراكزهم الوظيفية المرموقة ،قدموا أنفسهم لضابط المباحث ، تحركوا من مقاعدهم باستغراب من المشهد ،تحدثوا معه عن سبب اقتياده بهذه الصورة ، قال لهم ، الأ هاخده أكشف عليه، يقصد ، أنه سيفحص بياناته ، كادت أن تحدث مشادة بسبب العجرفة والغطرسة. ذهب شهود الواقعة خلف بوكس الشرطة الى قسم المطرية " وما أدراك ما قسم المطرية " الذى يسئ بصورة مستمرة لجهاز الشرطة، جراء ما يحدث من ممارسات غير مسئولة يرتكبها بعض الضباط والأفراد" المهم ترك الناس فى القسم حتى الصباح بزعم الكشف عليه ، وفجأة اكتشفوا أن اشاب تم ارساله للنيابة ، بادعاء وجود قضية محكوم عليه فيها حضوريا من 2005 ، استغرب الجميع حكم حضورى إذاى ..حكم حضورى، يعنى أن المتهم بشحمه ولحمه ودمه كان فى المحكمة أثناء الحكم ، وبما أنه كان فى المحكمة، يتم تنفيذ الحكم عليه فى التو واللحظة ، السؤال الذى يليه مباشرة، هل يقصد أنه هرب من السجن مثلا مع اللى هربوا فى 25 يناير ... ماشى بس هو كان عام 2005 عمره 15 سنة يعنى حدث " طفل" وفق القانون ، ولو طفل محكوم عليه ،كان قضى العقوبة فى مؤسسة الأحداث، طيب اذاى أكمل دراسته الجامعية وأنهى الخدمة العسكرية ، وكيف منحته الداخلية صحيفة حالة جنائية لاستخراج رخصة قيادة .
بالمناسبة لم يعترف الضابط بكل هذه الوثائق ، المهم فى النيابة وجدوا أن القضية لاتخص الشاب فأمر رئيس النيابة بخروجه من سراى النيابة الى منزله منبها على الحرس عدم اعتراضه ، أنا لا أريد فى هذا السياق وصف ماجرى له ، الغريب أن سائق التوك توك خرج من القسم ولم يعرض على النيابة العامة ، اذاى؟ الاجابة معرفش أنا هنا لا أعرف الى من أوجه تساؤلاتى هل لرئيس الجمهورية وأعلم أنه يحذر من العبث بكرامة المواطنين ، أم لوزير الداخلية وأعلم أنه شديد الصرامة مع المتجاوزين، أم أوجه تلك التساؤلات المشحونة بـ الفرف" لمن يقومون بهذه الأفعال ، رغم أننى أعلم أن ضمائرهم ميتة.