وقعت الولايات المتحدة الأمريكية وثيقة لمنح إسرائيل مساعدة عسكرية غير مسبوقة بقيمة ٣٨ مليار دولار على مدى ١٠ سنوات. فى دعم قياسى جديد بالرغم من التوتر الشديد القائم بين الحليفتين بشأن إيران وعملية السلام مع الفلسطينيين. وتم توقيع بروتوكول الاتفاق للفترة ٢٠١٩-٢٠٢٨، الأربعاء ١٤ سبتمبر فى مقر وزارة الخارجية الأمريكية من قبل مساعد وزير الخارجية الأمريكى توماس شانون ومستشارى الأمن القومى للبلدين، الأمريكية سوزان رايس والإسرائيلى جاكوب نيجال.
وقال الرئيس باراك أوباما فى بيان للخارجية الأمريكية إن توقيع هذه الوثيقة «يشكل أكبر التزام بتقديم مساعدة عسكرية ثنائية فى تاريخ الولايات المتحدة». وتتمسك الإدارة الديمقراطية الأمريكية التى ينتقدها جمهوريو الكونجرس بالتأكيد أن إسرائيل لم تتلق دعمًا متينًا من قبل يوازى ما نالته أثناء رئاسة أوباما، رغم الخلافات بين الطرفين. كما يكرر البيت الأبيض بانتظام التأكيد على أن إسرائيل حليفة ثابتة للولايات المتحدة وأنها تتلقى الحجم الأكبر من مساعداتها العسكرية.
لا تواجه الولايات المتحدة علاقة أكثر تعقيدًا من العلاقة، التى تحافظ عليها مع إسرائيل، وتقوم تلك العلاقات بين الإمبراطورية الأمريكية وإسرائيل على مصالحهم القومية، وعلى ما يعتقده العقل الأمريكى بأن دعمه لإسرائيل هو دعم أخلاقى لأنظمة شبيهة به وأن إسرائيل واحة الديمقراطية فى بحر من النظم الاستبدادية العربية.
يقول المفكر الاستراتيجى الأمريكى جورج فريدمان: «إسرائيل فى الوقت الراهن آمنة استراتيجيًا، فقد أصبحت القوة المهيمنة بين الدول الواقعة على حدودها بخلق توازن قوى إقليمى بين جيرانها، يقوم على العداء المتبادل وكذلك اعتماد بعضهم على إسرائيل. ولا يمكن للإسرائيليين هزيمة مصر، كما لا يمكنهم تحمل حرب استنزاف مطولة، فلكى يفوزا لا بد أن يفوزا بسرعة، لأن إسرائيل لديها جيش دائم صغير، ولا بد أن تسحب القوة البشرية من احتياطيها من المدنيين، الأمر الذى لا يمكن استدامته لفترة ممتدة.
إن الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الإمبراطورية الوحيدة الآن، لها مصالح عالمية، أهملت بعضها خلال الفترة الراهنة بالانشغال بالإرهاب، ولا بد لها من فصل سياستها الخارجية عن تركيزها على الإرهاب، فى الوقت نفسه هناك قوى إقليمية عديدة كروسيا وأوروبا، لها تأثير هائل على إسرائيل، وليس بمقدور إسرائيل تجاهل مصالح تلك القوى. وما لم تعد إسرائيل تقديم رؤيتها للإرهاب والفلسطينيين، فمن الممكن أن تجد نفسها معزولة عن كثير من حلفائها التقليديين، بما فى ذلك الولايات المتحدة، ولن يدمر هذا إسرائيل، ولكنه قد يكون شرطًا مسبقًا لدمارها.
الأشياء التى كانت الولايات المتحدة تريدها من إسرائيل فى الماضى لم تعد موجودة، فالولايات المتحدة لا تحتاج من إسرائيل أن تتعامل مع الأنظمة الموالية للسوفيت فى مصر وسوريا بينما الولايات المتحدة مشغولة فى أماكن أخرى. ومع ذلك، فإسرائيل لها قيمتها بالنسبة للمشاركة فى المعلومات الاستخباراتية، وفى العمل كقاعدة إمدادات لدعم القتال الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، ولا تواجه إسرائيل احتمال حرب تقليدية كبيرة فى أى وقت قريب، ولا يحتاج الأمر إلى توصيل واسع ومفاجئ للدبابات أو الطائرات كما حدث فى عام ١٩٧٣، كما أنه لا يحتاج إلى المساعدات المالية التى تقدمها الولايات المتحدة منذ عام ١٩٧٤.
ويرى جورج فريدمان، أن توازن القوى العربى الإسرائيلى ليس على ما يرام، فقد خرجت مصر والأردن من التوازن، وإسرائيل حرة فى خلق الواقع على الأرض. وليس من مصلحة الولايات أن يكون لدى إسرائيل، أو أى بلد، حرية العمل فى المنطقة، لا بد أن يكون توازن القوى هو مبدأ الولايات المتحدة الحاكم، ولا بد أن تعيد الولايات المتحدة صياغة توازن القوى الإقليمى بالاقتراب أكثر من الدول العربية من ناحية، والابتعاد عن إسرائيل من ناحية أخرى، فإسرائيل ليست معرضة لخطر السقوط ولا تعتمد على الولايات المتحدة فى البقاء، والولايات المتحدة بحاجة إلى مسافة بينها وبين إسرائيل.
العامل المعقد فى هذا التحليل الذى طرحه جورج فريدمان، هو بقية العالم الإسلامى، خاصة إيران وتركيا، فالأولى تسعى بكل قوة بأن تصبح دولة نووية، والثانية تريد أن تكون قوة اقتصادية، وتبقى أجنحة الصقور الأمريكية التى تسعى إلى ترسيخ عالم أحادى القطبية، هو من يدعم بقاء إسرائيل على النحو الذى جعل رئيس الوزراء الإسرائيلى غير راضٍ تمامًا عن مبلغ ٣٨ مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل وأن ما يرضيه فى حده الأدنى نحو ٥٠ مليار دولار دعمًا للجيش الإسرائيلى، خلال العشر سنوات المقبلة فقط . والتحالف الاستراتيجى بين واشنطن وتل أبيب يعمل على الحيلولة دون قيام نظام إقليمى عربى يحمى مصالح الشعوب العربية.