طول عمرهم بيقولوا.. الفاضى يعمل قاضى.. وكان لما جدى حاجة ماتعجبهوش من عيال الجيران.. أو من واحد قاعد يهلفط بالكلام وخلاص يقول.. «ف الهايفة وبيتصدر».. ولأن الصعيد سنينه مالت عليه ياما.. واضح إن «الفضا» سرح بعقول بعض البنات.. وفى الهايفه واتصدروا..
قوم يعملوا إيه.. يعملوا مسابقة لملكة جمال الصعيد.. هتتعمل فيه وإزاى.. ولمين.. ومين اللى يقدر يخشها.. مش مهم المهم إنه بقى عندنا فى الصعيد ملكات جمال.. يعنى هيه جات علينا!
وعشان فكرك مايسرحش.. أنا مش مع الفكرة ولا ضدها.. ولا ناوى أحاكم أصحاب الفكرة أخلاقيا - على الأقل لأن عندهم ما يدافعون به عن أنفسهم.. هما بيقولولك فيه جمال تانى.. غير جمال الشكل.. الثقافة والعلم.. إلخ وده اللى احنا قاصدينه.. طيب ماشى!! هنشوف.
ما يعنينى فى الأمر حتما.. هو ذلك المجهول الوحشى الذى يتنازع أرواح شباب صعيد مصر الآن.. رجالا ونساء ولا شىء يستطيع أن يشغل تلك العقول التى تعودت على «النوم من المغرب».. لأنها تعبانة طول النهار من «البناء» و«الزرع».. لم يعد لديها زرع.. ولا عمل.. ولا بناء.. وربنا ابتلانا بشوية مسئولين مش سايبين الناس فى حالهم.. ولنا فيما حدث بإحدى مدن سوهاج مؤخرا عبرة.
شوف يا سيدى.. سوهاج دى الظهير الصحراوى بتاعها بيوصل لحد ليبيا من جهة الغرب.. ولحد السعودية من جهة الشرق.. يعنى الصحرا على مدد الشوف.. والأماكن اللى الحكومة تقدر تخصص فيها «مجمع خدمات شرطية» على قفا مين يشيل.. طب تسيب كل ده. وتروح بقواتك وجنازيرك وبلد وزرائك تهد ٢٠٠ فدان مزروعة من ٥٠ سنة وأكثر عشان تبنى عليها المجمع الشرطى.. آهه ده اللى ما حدش فاهمله وش من قفا.
الحكاية من أولها.. إنه فى نجع «السقرية» بسوهاج.. جنب الجبل.. أو تحته بالأصح ومن ييجى ٤٠ سنة.. بعض الأهالى لما ضاقت أرزاقهم طلعوا الجبل يصلحوه.. حطوا القرش على القرش لحد ما كل واحد فيهم استصلح حته.. ولأن الفلاح السوهاجى بطبعه ما بيحبش «يرازى» مع الحكومة.. راحوا للإصلاح الزراعى- جهة حكومية حتى الآن على ما أعلم تتبع وزارة الزراعة - وربطوا الأرض اللى صلحوها.. واستمروا فى دفع ما قدرته هذه الجهة الحكومية مقابل الانتفاع بالأرض تمهيدا لتقنين أوضاعهم بالتملك.. وطول السنين دى وهما بيزرعوا وبيقلعوا وبيدفعوا.. فجأة ومنذ أيام هل عليهم مندوب من «المحافظة» ليخبرهم أنه تم تخصيص مساحة ٢٠٠ فدان من هذه الأرض- صارت جنة.. وبيوت.. وعيال.. وطيور.. ومواشى.. وأخبرهم الموظف المسئول بضرورة إخلاء منازلهم، تمهيدا لنزع الأرض المزروعة بالذرة والبرسيم وخلافه، لتحويلها إلى مجمع خدمات.. طب لمين يا جماعة الخدمات دى.. خدمات إيه فى الصحراء ديه.. ولو عاجباكم الصحرا ما هى - على مدد الشوف.
الغريب أن الحكومة التى اكتشفت المكان فجأه.. سبق وأن قامت بتوصيل كهرباء لهذه البيوت، واستلمت منهم ما يقرب من المليون جنيه.. طب والكهربا دى كما هندوها.. أيوه يا سيدى.. هايهدوها.. ما هى دى ناس ما بتشوفش غير فى الضلمة.
الغريب إنه عندما تذهب بقدميك بمستثمر ما يطلب أرضا لمشروع ما.. سيقولون لك.. لا أحد يستطيع أن يخصص أرضا لا لمدرسة.. ولا لغيرها، لأن المجالس الشعبية المحلية مش موجودة.. طب مين اللى خصص هذه الأرض فى نجع السقرية للخدمات الشرطية.. مين وامتى إذا كان التخصيص واقف من ٢٠١٠.. يعنى من ست سنين.
لا أحد فى المحافظة التى يحكمها السيد أيمن بعدالمنعم سيرد.. وسيفعلونها ويشردون الأهالى.. ليضاف بشر جدد إلى قائمة المتعطلين والناقمين على البلد ومن فيها.. ممكن حد منهم يشوفله مركب غير شرعى ويهاجر بعياله.. وممكن برضه يعمل زى الشاب اللى كان يبيع كبده.. وقرفوه فى عيشته.. وانتحر تحت عجلات قطر السكة الحديد - فى سوهاج برضه من أسبوعين.. ليضطر السيد القائم بأعمال السكرتير العام كمال بك شلبى إلى إنشاء صفحات على «فيسبوك»، لينشر فيها «مبرراته» لما حدث للرجل.. بأن المحافظة ما عملتش حاجة غير إنها عملت حملة.. وإن محله مخالف وإنهم ماطلبوش منه حاجة.. بل إدوله مهلة يقنن أوضاعه.. وكلام فارغ كثير فى محاولة فاشلة لإثبات أن الراجل «انتحر لوحده» وليس من غباء الروتين الإدارى بتاعهم.
أو ربما.. يتفرغ هؤلاء الرجال لمتابعة حلقات مسابقات ملكة جمال الصعيد.. اللى كان ناقص.. ودمتم.