فى مشهد صاغه العبقرى الراحل رأفت الميهى ببراعة فى فيلمه «الأفوكاتو» يتحدث عادل إمام فى قاعة المحكمة بحماس عن مصر وحبه لها، يستوقفه القاضى فى محاولة تفكيكية لما يدعيه، قال له: «كل واحد يتكلم يقول مصر الوطن مصر الوطن.. لما كلكم وطنيين أمال الخراب ده كله منين؟».
قفز هذا السؤال أمامى وأنا أتابع ادعاءات الجميع بأنهم يعملون من أجل مصر.
خذ عندك مثلًا قضية الفساد، وهى القضية المزمنة التى يبدو أنها أصبحت قدرًا يطاردنا ليل نهار، لن تجد مصريًا واحدًا إلا ويدين الفساد ويلعن الفاسدين، بل لن يكون لديه مانع إطلاقًا أن يطالب بإعدامهم فى مكان عام، وبقليل من التأمل، لا بد أن تسأل نفسك: إذا كنا جميعا ندين الفساد ونلعنه، فمن يصنع كل هذا الفساد الذى يحيط بنا من كل مكان؟
يلعن المصريون جميعًا هؤلاء الذين لا يعملون، يعتبرونهم مقصرين فى حق البلد، ينظرون إليهم على أنهم عالة عليه، وعندما تنظر حولك لن تجد أحدًا يعمل على الإطلاق، هذا فى الوقت الذى نطالب فيه بحقوق فى الغالب لا نستحقها، يدعى كل منا أنه يعمل لكن لا يحصل على ما يستحقه، وستسأل مرة ثانية: إذا كنا جميعًا نعمل، فلماذا نعانى كل هذا العناء اقتصاديًا وماديًا؟
جميعنا يتحدث عن الأخلاق، للدرجة التى ستعتقد فيها أننا شعب ينتمى إلى كوكب آخر غير كوكب الأرض، وسمت تعجب أن هذا الشعب الذى يوصف بأنه متدين بطبعه أو صاحب أخلاق بطبعه، ليس إلا شعبًا من الأوغاد، فإذا كنا جميعًا على خلق، فمن أين يأتى كل هذا الانحطاط والتدنى؟
الجميع يشكو من سوء الحال، ومن انهيار أوضاعنا الاقتصادية، ومن حافة الهاوية التى نقف عليها، دون أن نمنح أنفسنا فرصة للسؤال عن مسئوليتنا عما يحدث، وكأن هناك شعبًا آخر يأتى من الفضاء يرتكب كل الخطايا والذنوب والموبقات، ثم يعود مرة أخرى من حيث أتى، وعندما نستيقظ نجد الدنيا خرابة من حولنا، دون أن ندرك أننا وليس غيرنا من تسبب فى كل هذا الخراب.
لا أمارس نوعًا من جلد الذات، رغم أننا فعليًا نستحق ما هو أكثر من الجلد، حاول فقط أن تطل فى وجوه من حولك، ستجدهم نموذجًا مكتملًا للطاقة السلبية، اكتئاب وإحباط وسوداوية مطلقة، لا أمل فى شىء، الكل يتحدث عن أزمات متلاحقة، وضيق حال، وفشل فى كل الاتجاهات، دون أن يفكر من يتحركون بيننا بهذه الروح فى الدور الذى يحب أن يقوموا به لتغيير أوضاعهم، ينتظرون معجزة تأتيهم من السماء، فى زمن لا معجزات فيه.
هل أقول لكم إننا أصبحنا شعبًا يستعجل الخراب؟
نحن كذلك بالفعل، ولا حل إلا بأن يعرف كل منا دوره فى حل المشكلات التى نمر بها، ويقوم به على الفور دون إبطاء.
ستسأل عما يجب أن نفعله؟
سأعطيك مثالًا واحدًا.. أنت تشكو مثلًا من ارتفاع سعر الكهرباء، تقول إن الحكومة تمص دمك، لا تساعدك فى زيادة دخلك، وفى الوقت نفسه تطالبك بأن تدفع أكثر.
ارتفاع الأسعار أصبح واقعًا لا مهرب منه ولا مفر، لا أتحدث عن الكهرباء فقط، بل عن كل السلع، فما رأيك أن تقلل أنت استهلاكك، وساعتها ستعلم فارق الزيادة، الحسبة بسيطة جدا، كل ما تستطيع أن تستغنى عنه ارفعه من قائمة استهلاكك، ساعتها ستجعل من ارتفاع الأسعار شيئًا لا قيمة له.
الأمر ليس صعبًا، لأن البديل هو ضياع وقتك فى الشكوى التى لن تفيد، وضياع عمرك فى إلقاء التهم على الآخرين، رغم أنك أحد المتهمين فيما يحدث من حولك.