السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

العذراء.. الصوم الوحيد الذي فرضه الشعب على الكنيسة

اهتمت به العذارى والمتنسكات ثم أصبح صومًا عامًا اعتمده الكهنة

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأ المسيحيون أمس صوم العذراء مريم، وهو صوم له تقدير كبير لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويندر أن يفطر فيه أحد من المسيحيين، كما تصومه الغالبية بزهد وتقشف زائد كإطالة فترة الانقطاع حتى الغروب أحيانا، ويصومه الأتقياء بالماء والملح دون زيت وبدون سمك، رغم أنه من أصوام الدرجة الثالثة أو الرابعة ويؤكل فيه السمك، ومدة هذا الصوم ١٥ يومًا فقط، تبدأ في الأول من شهر مسرى والذي يوافق ٧ من شهر أغسطس ويستمر حتى ١٦ مسرى أو ٢٣ أغسطس، وهو يوم صعود جسد السيدة العذراء.

لماذا صوم السيدة العذراء
هناك عدة آراء حول صوم العذراء، أولها أن السيدة مريم هي أول من أسست لهذا الصوم، لأنها خاصة بعد صعود المسيح إلى السماء، نالها كثير من التعب والمضايقات والمنغصات من قبل اليهود، الذين حاولوا أن يصبوا عليها غضبهم وضيقهم من المسيح، بعد أن قام من بين الأموات، فالعذراء نالتها متاعب كثيرة جدا، وهى المرأة الرقيقة التي يجب ألا تعامل بقسوة كما عاملها اليهود، كانت العذراء مقيمة في بيت يوحنا حتى تنيحت، نحو أربع عشرة سنة حسب وصية المسيح إليه عندما قال له خذ هذه أمك وقال للعذراء مريم خذى هذا ابنك.
وكان يوحنا رسولًا يكرز ويبشر وينتقل في كل أرض فلسطين، وكانت العذراء مريم تباشر العبادة من صلاة وصوم. وكانت تذهب إلى قبر المسيح له المجد، ومعها صويحباتها من عذارى جبل الزيتون، لقد اتخذن العذراء مريم رائدة لهن وقائدة لهن، وتمثلن بسيرتها فكن يتبعنها، وتألفت منهن أول جمعية للعذارى، وهو نظام العذارى السابق على نظام الرهبنة بالنسبة للبنات. لأن في العصور القديمة قبل القرن الرابع للميلاد، كان هناك نظام اسمه نظام العذارى، لمن نذرن عذراويتهن للمسيح، وكان لهن خوروس أو قسم خاص في الكنيسة، ومذكور هذا في كتاب الدسقولية وهو تعليم الرسل، لم يكن هناك نظام للراهبات، إنما كان هناك صف العذارى.
وعندما صار البابا ديمتريوس الكرام المعروف بطريركًا، وكان في حياته الأولى رجلًا متزوجًا، وظل متزوجًا سبعًا وأربعين سنة قبل أن يدعى إلى البطريركية، غير أن زواجه كان من نوع الزواج الذي نسميه الزواج البتولى، مثل زواج آدم وحواء قبل السقوط في الخطيئة، وكزواج يوسف النجار ومريم العذراء، عندما صار ديمتريوس الكرام البابا الثانى عشر من باباوات الإسكندرية، ضم زوجته إلى خوروس العذارى في الكنيسة، أما نظام الرهبنة للبنات فبدأ من القرن الرابع، في عهد الأنبا باخوميوس المعروف بأب الشركة.

مريم أنشأت نظام العذارى
العذراء مريم هي التي أنشأت نظام العذارى، لأنها كعذراء بدأ يلتف حولها البنات العذارى، بنات جبل الزيتون، وكن يتبعنها وكن يصلين معها وكن يذهبن معها إلى القبر المقدس، حيث كانت العذراء تسجد وتتعبدوتصلى وتصوم أيضًا.
ولقد كانت العذراء مريم تقضى كل وقتها في العبادة والصلاة، وكانت تمارس الصوم، مكرسة كل طاقاتها لحياة التأمل الخالص، ولم يكن لها عمل آخر غير تقديس ذاتها، بعد أن نالت مع الرسل، موهبة الروح القدس في يوم الخمسين (أع ١: ١٣-١٤)، (أع ٢: ١-٤). والمعروف أن العذراء مريم لم تمارس عملًا من أعمال الكهنوت، كما جاء في الدسقولية (تعاليم الرسل): النساء لا يعمدن. ونحن نعلمكم أن هذا الفعل خطيئة عظيمة لمن يفعله، وهو مخالف للشريعة... لأنه لو كان يجب أن يتعمد أحد من امرأة لكان السيد المسيح يتعمد من أمه (باب٢٠).
وقد أحبتها نساء وبنات أخريات، منهن صويحباتها اللائى عرفنها في حياتها، وأثناء وجود المسيح ابنها على الأرض، منهن: مريم المجدلية، وحنة زوجة خوزى أمين خزانة هيرودس وسوسنة وأخريات كثيرات (لوقا٨: ٢، ٣)، (لوقا ٢٣: ٤٩-٥٥)،(لوقا ٢٤: ١٠)
(لوقا ٨: ٢-٣) ٢ وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِى تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِى خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ. ٣وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِى وَكِيلِ هِيرُودُسَ وَسُوسَنَّةُ وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ.
مريم المجدلية ويونا زوجة خوزى وكيل هيرودس، وهى من النساء الشريفات الغنيات، ومريم أم يعقوب خالة المسيح أخت العذراء مريم ومعهن مجموعة من النسوة التابعات للمسيح؛ هؤلاء قد استرجعن كل تعاليم المسيح عن آلامه وموته وقيامته، فصدقن كلام الملاكين، وأسرعن إلى تلاميذ المسيح وكل تابعيه المجتمعين في بيت مارمرقس.
ثم انضم إليهن عدد آخر من العذارى ممن عشقن حياة البتولية، والعفة الكاملة، تبعن العذراء مريم، واتخذنها رائدة لهن في حياة التأمل، والعبادة والتكريس التام بالروح والنفس والجسد. وقد تألفت منهن بقيادة العذراء مريم، أول جماعة من النساء المتبتلات المتعبدات، عرفن بعذارى جبل الزيتون، عشن حياة الرهبنة بغير شكل الرهبنة، وكن يعتزلن أحيانا في أماكن هادئة بعيدة عن صخب الحياة وضجيجها، رغبة في الانصراف إلى الله، في تعبدخالص.

العذارى يمتنعن عن الزيت
ولقد صارت هذه الجماعة معروفة في الكنيسة الأولى، حتى أن المعجبات من النساء والبنات بمثل هذه الخلوات الروحية، كن يلحقن بالعذارى العفيفات، ويمارسن صوم العذراء، بالتقشف والنسك، في تلك الأماكن الهادئة. ولربما كان هو السبب في أن صوم العذراء، تصومه الكثيرات إلى اليوم، بزهد ونسك كثيرين. ويمتنعن فيه عن أكل الزيت، رغم أن صوم العذراء ليس من أصوام المرتبة الأولى. بل وكثير من الرجال أيضًا صاروا يصومون صوم العذراء صومًا نسكيًا بالامتناع حتى عن الزيت أي يصومونه على الماء والملح، نظرًا لما للمرأة من أثر البيت المسيحى على أولادها وزوجها.
فصوم العذراء مبدأه بالعذراء نفسها، العذراء هي التي صامت وظل هذا الصوم مقدسًا على الخصوص بين البنات، وفى عصور الكنيسة التالية بدأت البنات يخرجن من البيوت ويذهبن إلى أماكن خلوية كالأديرة لكى يمارسن هذا الصوم بالصلوات وبالعبادة.
وبفترات الخلوات الروحية الجيدة التي ترفع من المستوى الروحى. ولعل لهذا السبب أن الأقباط اليوم يقدسون هذا الصوم، أكثر من أي صوم آخر. وذلك بفضل المرأة، لأن المرأة عندما تهتم بهذا الصوم تقنع زوجها ثم أولادها، فيتربى الأولاد والبنات على احترام صوم العذراء مريم، لدرجة أننا نرى أن كثيرًا من الأقباط يصومون صوم العذراء بالماء والملح، رغم أنه يجوز فيه أكل السمك.
وأيضًا عندما أراد المسيح له المجد أن يضع حدًا لآلام العذراء مريم، فظهر لها وقال أنا أعلم ما تعانينه من الآلام، وقربت الأيام التي فيها تخرجين من هذا الجسد وتكرمين، لأن جسدك هذا يصعد أيضًا إلى السماء، ونزل المسيح له المجد بذاته ليتسلم روحها بعد أن مرضت مرضًا خفيفًا، وكانت قد بلغت نحو الستين من عمرها، أو على الأدق ٥٨ سنة و٨ أشهر و١٦يومًا.
وبعد أن تمكن الآباء الرسل من أن يذهبوا ويدفنوا العذراء مريم في الجثسمانية، وهى موجودة بجوار جبل الزيتون وبجوار بستان جثسيمانى، ظلوا يسمعون تهليل وترتيل الملائكة، فخجلوا من أن يتركوا الجثمان إلى حال سبيله فظلوا موجودين بجوار القبر ثلاثة أيام، إلى أن اختفت أصوات الملائكة فرجع الآباء الرسل في طريقهم. وهم في الطريق إلى أورشليم رأوا توما الرسول أنزلته سحابة على الأرض، قالوا له أين كنت، لماذا تأخرت، العذراء مريم تنيحت، فطلب توما أن يعود إلى القبر ليتبارك من جسدها، فذهب معه الآباء الرسل إلى القبر الذي دفنت فيه العذراء مريم. 

البخور يفوح من قبر العذراء
لما فتحوا القبر لم يجدوا جثمان العذراء مريم، إنما خرجت رائحة بخور زكية، فخطر على فكرهم أن اليهود رجعوا بعد أن تركوا القبر وأخذوا الجثمان، فلما رأى توما حزنهم قال لهم اطمئنوا يا إخوتى، فإن جسد العذراء مريم حمل على أجنحة الملائكة ورؤساء الملائكة، ولقصد حسن سمح الله أن أتأخر، أنا كنت في بلاد الهند وحملتنى السحب لكى آتى فتأخرت، ولكنى رأيت جسد العذراء مريم محمولًا على أجنحة الملائكة ورؤساء الملائكة، وكان ذلك فوق جبل أخميم، الذي بنى فوقه الدير المعروف الآن بدير العين، وأحد الملائكة قال لى تعال وتبارك من الجسد المقدس فتقدمت وقبلت الجسد، وأعطى توما الرسول الزنار الذي كانت العذراء تربط به ملابسها، والزنار كلمة سريانية وهى الحزام.
فالآباء الرسل سعدوا بهذا الخبر خصوصًا أنه من توما، لأن توما له موقف سابق أنه شك في قيامة المسيح، وظهر له المسيح وقال له تعال يا توما وضع يدك في أثر المسامير، وضع يدك في جنبى، ولا تكون غير مؤمن بل مؤمنا، لأنه هو نفسه كان يقول إن لم أضع يدى مكان المسامير فلا أومن، ولكن الرسل طلبوا أن يروا هذا المنظر وأن يتأكدوا وأن يتوثق الاعتقاد عندهم بصعود جسد العذراء فصاموا، وفى نهاية هذا الصوم وعدهم المسيح أن يروا بأنفسهم جسد العذراء مريم. وبر المسيح بوعده فرأى الرسل جسد العذراء مرة أخرى، وكان هذا في اليوم السادس عشر من مسرى.
والكنيسة تحتفل بظهور جسد العذراء في ١٦ مسرى، وهو نهاية الصوم، لكن الواقع إذا أردتم الدقة أن يوم ١٦ مسرى هو يوم ظهور الجسد مرة أخرى الذي بر فيه المسيح بوعده، فرأى الآباء الرسل صعود جسد العذراء، إنما الصعود في الواقع كان قبل ذلك، لأنه إذا كانت العذراء تنيحت في ٢١ طوبة، فالمفروض أن صعود جسدها يكون في ٢٤ طوبة أي بعد ثلاثة أيام من نياحتها، ولكن كما يقول السنكسار: هذا هو اليوم الذي فيه بر المسيح بوعده للآباء الرسل بأن يروا جسدها مرة أخرى. وصارت الكنيسة تعيد في السادس عشر من مسرى بصعود جسد العذراء مريم.
الرأى الثانى فيما يخص صوم العذراء مريم يقول بأن الكنيسة فرضته إكرامًا للسيدة العذراء، المطوبة من جميع الأجيال (لوقا ٢: ٤٨)، وهناك رأى آخر يقول إن الرسل هم الذين رتبوه إكرامًا لنياحة العذراء، ورأى رابع يقضى بأن القديس توما الرسول بينما كان يخدم في الهند، رأى الملائكة تحمل جسد أم النور إلى السماء، فلما عاد إلى فلسطين، وأخبر التلاميذ بما رآه، اشتهوا أن يروا ما رأى توما، فصاموا هذا الصوم فأظهر لهم الله في نهايته جسد البتول، ولذلك دعا بُعيد صعود جسد أم النور.
وإذا كان البعض يرى أن العذراء نفسها هي التي صامته، وأخذه عنها المسيحيون الأوائل، ثم وصل إلينا بالتقليد، فإن البعض الآخر يذهب إلى أنه كان سائدا قديما، فأقره آباء المجمع المسكونى الثالث بالقسطنطينية سنة ٣٨١م، وطلبوا من الشعب ضرورة صومه.
ذكر ابن العسال أنه صوم قديم اهتمت به العذارى والمتنسكات، ثم أصبح صومًا عامًا اعتمدته الكنيسة «المجموع الصفوى/باب ١٥». وهو نفس رأى العلامة القبطى أبوالمكارم سعد الله، وزاد أنه كان يبدأ في أيامه «القرن ١٣م».. من أول مسرى إلى الحادى والعشرين منه. وهذا أيضا هو نفس رأى العلامة ابن كبر في القرن الرابع عشر بأنه صوم قديم اهتمت به العذارى والمتنسكات ثم أصبح صومًا عامًا اعتمدته الكنيسة.