كانت الكتب وستظل ليس مجرد باب للمعرفة وكفي، كانت القراءة وستظل أكبر من كونها مجرد عادة، لكنها علاج نفسى وباب مفتوح للهروب من أزماتنا ومشاكلنا الروحية والحياتية أيضًا، لكننا لم نعد أصحاب قدرة، الهموم اللى بتحاوطنا من ناحية وعدم جاذبية معظم ما ينشر وطغيان وسائل جديدة مثل مواقع التواصل جعلت بعضنا لا يراهن على الكتب كبديل مدهش لأيامه الصعبة، ولما كانت الدراما بنت الكتابة استطاعت وعبر روادها الكبار محفوظ عبدالرحمن وأسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وجلال عبدالقوى أن تحل بديلًا عن الكتاب لسنوات طويلة، أحيانًا كانت تمشى بجانبه -الكتاب يعني- لكنها فى النهاية سبقته بخطوات، ثم جاءت الصحف السيارة لتنافسهما، ثم لم تصمد طويلا وسقطت تقريبًا من ذاكرة الجميع.
ثم انشغلنا جميعًا بتقلبات السياسة، بكل مظاهرها وتداعياتها، من مظاهرات، لانتخابات، لجلسات برلمان، لنكت وإفيهات، لمنافسات واشتباكات، حتى وصلنا إلى بوابة الانقسامات والاصطفاف، كل منا فى طريق!! وعلى رأى عمنا صلاح جاهين وصلنا لمفترق الطرق!!
وإحنا فى الحالة دي، تحاصرنا تفاهات السياسة، ولخابيط الاقتصاد، ومطالب العيال والمدارس اللى ماصدقنا تخلص، ويادوب خدنا منها فاصل رجعت لنا تانى، وإحنا فى وسط ده كله لم يعد أمامنا إلا الكتب مجددًا، لكنها هذه المرة مجرد «حصان هروب»، فهل تصمد!! أعتقد أنها لن تصمد لأكثر من يومين ثلاثة.
فى منطقتى التى أعيش بها، مقهى صغير تعودت أن أجلس عليه منذ سنوات، سواء بمفردى أو مع شلة الشارع، وهذه الشلة فيها من كل الأطياف، مأمور ضرايب، رجل محليات، عميد سابق، مقاول، محاسب فى شركة كبرى بالساحل الشمالي، سائق، وكيل وزارة على المعاش، مسئول فى بنك، مدرس، هؤلاء جميعًا دخلوا فى خلاط «التجربة»، اختلفنا، زعلنا إلى حد القطيعة فى بعض الفترات، ثم تصالحنا، واتفقنا أنه لا حديث فى السياسة، ولم نستطع، فعدنا للحديث، ولكن دون خناق هذه المرة، فالجميع اتفقوا أننا خسرنا، وأن أرواحنا لم تعد تحتمل خناقات أخرى، وأن الاكتئاب الذى وصل إلى هذه الأرواح لا حل معه إلا باللجوء إلى الدين، اقترح عم عادل حصة دين تحكى قصة الخلق، كل يوم حكاية يتحلق حولها الجميع بلا أى نية للخناق، فهل صمدت الحكايات وحدها أمام طوفان الأسعار والحال المايل لاقتصادنا، أبدًا لم تصمد، فانبري أحدنا يضيف للفكرة، كتابًا أو كتابين جاءت سيرتهما أثناء حكى عم عادل المدهش لقصة الخلق، وكلما استوقفه أحدنا فى نقطة لها علاقة بأمور حياتية ملحة، لجأنا لكتاب ما، ويقطع الاسترسال استفسار ما عن لقاء القمة واللاعبون الجدد وحديث الصفقات والملايين الضخمة المدفوعة فى هؤلاء اللاعبين، وكالعادة هناك نكتة عابرة من عم إبراهيم -أبو أمين-.
مر أسبوع تقريبًا على هذه الحالة، وأعلنت منذ البداية أن حالة «الدروشة» اللى إحنا داخلين عليها دى ممكن تخلينا نستريح نفسيًا شوية، لكنها حتما لن تذهب بنا إلا لمفترق طرق جديد.
القراءة متعة نعم، والكرة كذلك، والنكتة أيضًا، والمتع كثيرة إذا كانت هدفًا فى حد ذاتها، لكنها إذا كانت مجرد «مخدر للهروب» فقد كانت وسيلة إضافية لزيادة متاعبنا، فلا حل من وجهة نظرى لأى مشكلة من مشاكلنا التى أثقلت كواهلنا سوى المواجهة، المواجهة مهما كان الثمن، والكتب نفسها، كتب التاريخ تحديدًا تؤكد ذلك، فما من أمة هربت من نفسها إلا ووجدت روحها فى الحضيض.