السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عصام حجي.. مفتي الفضاء والفضائيات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للمرة المليون، أقر وأعترف، أنا كاتب هذه السطور بأن قدرتى على فهم الأشياء كل الأشياء كانت، وما زالت وستظل محدودة، لا ترقى لمستوى قراءة الواقع بصورة حقيقية، أو بمعنى أكثر دقة، لا ترقى لمستوى قراءته هو بصورة علمية عميقة، فلو كنت قادرًا على الفهم على الأقل، مثل الدكتور عصام حجى عالم الفضاء، الفقيه بلا منازع فى كل القضايا الكونية، لتغيرت قناعاتى فى الكثير من الأمور، ولو أننى كنت واحدا من المنتمين لذوى العقول النيرة المستنيرة لأدركت، أن الانحياز لثورة ٣٠ يونيو، لم يكن لصالح هذا البلد بالمرة، واعتبرته مثل رافضيها انحيازا لجريمة نكراء، ارتكبها وباركها، بلا وعى، أمثالى، عديمى الفهم الحمقى الجهلاء، فاقدى الأهلية الوطنية، ارتكبوها، دون دراية، فى حق وكلاء الله على الأرض، ارتكبوها وهم مغيبون، شاردو الأذهان، خرجوا فى ثورة ضد الدين والشريعة، أسقطوا بحماقتهم حكم حماة الدين «الإخوان» الصادقون، الموعودون بالجنة ونعيمها المانحون لصكوكها، دعاة نيل الشهادة فى سبيل حلم الخليفة «أردوغان»، والجهاد بأجر معلوم ضد أعداء الوطن والدين، ضباط وجنود الجيش والشرطة.
أدركت بالصدفة، و«رب صدفة خير من ألف ميعاد»، حقيقة عدم فهمى لكل الأمور الحياتية من السياسة إلى الاقتصاد مرورا بالشأن الاستراتيجى، أثناء متابعتى للحديث التليفزيونى الذى أدلى به الدكتور عصام حجى، لبرنامج بتوقيت مصر فى التليفزيون العربى وحظى بردود فعل واسعة على شبكات التواصل الاجتماعى.
العالم العلامة، رفيع الشأن والمقام، مفتى الديار الكونية، جعله الله ذخرا للبشرية جمعاء، ونصيرا للعلم والعلماء، غمرنى بحالة روحانية حفزتنى على إعلان توبتى عن خطيئتى، كشف بجلاء لأمثالى أن الثورة انتهت بوصول عبدالفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية، بما يؤكد أن الدولة المصرية من وجهة نظره الثاقبة، أصبحت عسكرية بــ«التلاتة»، هذه الحقيقة التى أوردها كانت غائبة عن ذهنى وأذهان الملايين على شاكلتى، نتيجة عدم القدرة على فهم المتغيرات، وطبائع الثورات، لذا كان ضروريا وحتميا ولا بد، من الإقرار والاعتراف، بحقيقة عدم قدرتى على الفهم منذ البداية قبل الغوص فى التفاصيل.
قال عصام حجى الذى عمل ضمن فريق مستشارى رئاسة الجمهورية فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو: «إن مصر ينطبق عليها وصف الدولة العسكرية وعلى الجميع أن يعترف بهذه الحقيقة»، ببساطة شديدة وبتواضع العلماء، دلل الرجل على صدق كلامه، بمعلومات كافية لأن تهزم أنصار ٣٠ يونيو، وأنا منهم بالضربة القاضية، بل تجعلهم يتوارون خجلا من صنيعهم فى حق هذا البلد، قال لا فض فوه، «أثناء فترة عملى مستشارا علميا، كان كل العاملين فى الرئاسة من العسكريين وأننى لم أشاهد سوى ٥ مدنيين فقط»، حد عاوز أدلة على أن الدولة عسكرية أكثر من هذا الدليل القاطع الجازم، البات الحاسم.
ولأن الرجل يريد الاغتسال من ذنوبه والتطهر منها أمام الكافة وعلى الفضائيات، أعلن عن ندمه الشديد لعمله بالرئاسة، مشيرا إلى أن الاستعانة بالعلماء كانت لأغراض سياسية، فى السياق ذاته وجه الاتهامات للأجهزة الأمنية، لأنها كانت تقدم تقارير للرئيس السابق «عدلى منصور» عن النشطاء، مطالبا الدولة بالاعتذار عن تلك الأمور لاكتساب المصداقية أمام الشعب.
لا أخفى سرا أننى توقفت كثيرا أمام تلك الرؤية الثاقبة فى شكلها ومضمونها، لذلك لم أدخر جهدا فى أن أجرى حوارا مع نفسى، بعد أن تلبستنى حالة التفاعل الروحانية، سألت نفسى طبعا، يعنى إيه أجهزة أمنية تقدم تقارير وكلام فاضى لرئيس الجمهورية؟.. الرجل معه كل الحق فى رفضه لهذه الأمور، ولأنه عالم فى مجال الفضاء فمن حقه أن يتحدث عن أى شىء ويقول ما يريد فى الفضائيات، حيث لا توجد فروق جوهرية بين الفضاء والفضائيات، أما السؤال العميق فهو.. هل توجد دولة ديمقراطية فى العالم يحدث فيها مثل هذا الكلام؟.. دا طبعا لن يجعل الثورة مستمرة، كمان معناه بالبلدى «إننا فى دولة قمعية» والأجهزة الأمنية مش عارفة إن النشطاء بينهم علماء أفذاذ مثل الدكتور حجى والدكاترة اللى معاه فى هيئة مستشارى الرئاسة.
الحديث تطرق إلى مناحى أخرى عن الأوضاع الاقتصادية والمشروعات القومية من قناة السويس إلى شرق التفريعة ومن رصف الطرق إلى استصلاح الأراضى الصحراوية، لكن الأهم هو انتقاد الدكتور حجى لتسليح الجيش.
الدكتور عصام حجى، عالم له مكانته وقيمته فى مجال تخصصه، شئت أنا أم أبيت، فهذه حقيقة لا يمكن لى أو لغيرى إنكارها، لكن عندما يقرر الإفتاء فى غير تخصصه، يصبح من حق أى أحد أن يضعه فى خانة دعاة الفضائيات من شيوخ السلفية، فهو أهان مكانته العلمية وراح ينتقد كل الأوضاع بلا هوادة وبدون فهم.. أؤكد بدون فهم، فكيف لعالم مثله ينتقد تسليح الجيش، فهذا يؤكد أنه لا يدرك حجم المخاطر التى تتعرض لها البلاد أو حجم التهديدات التى ترعاها «الولايات المتحدة الأمريكية» وهى الدولة التى يحمل جنسيتها إلى جانب جنسيته المصرية، وكيف لا يعلم بالأوضاع الملتهبة على الحدود الغربية «ليبيا» وهى الدولة التى ولد فيها «مواليد طرابلس». 
الحقيقة المؤكدة بالنسبة لى أن عالم الفضاء أصيب بشهوة الظهور الفضائى للاستمتاع بالتنظير والتقعير، والـ«هرى»، بادعاء المعرفة فى كل المجالات، أو الزعم بمعرفة ما يجرى فى كواليس السلطة، من ترتيبات وأسرار وصراعات، رغم أنه دخل قصر الاتحادية مصادفة والمدة التى قضاها «٣ أشهر» لا تمنحه الحق فى أن يصبح أبوالعُريف، يفهم كل حاجة فى أى حاجة، يفتى فى الشأن الاستراتيجى وأبعاد الأمن القومى، ويدلى بدلوه فى القضايا المعقدة، ولا حكيم زمانه، وصاحب رؤية ثاقبة، قادرة على رصد أسباب المتغيرات فى السياسة الإقليمية والعلاقات الدولية. 
المصيبة أو الكارثة أن عصام حجى، ليس شخصا عاديا يمكن المرور على ما قاله مرور الساخرين، لكنه شخصا غير عادى، بل محسوب على أصحاب العقول الجبارة ممن يطلق عليهم العلماء أو النخبة العلمية، لعمله فى مجال علوم الفضاء ويعلم أن تسليح الجيش من الأمور الضرورية لبلد مثل مصر، بلد مستهدف ومن المفترض أن لا يكون هذا بعيدا عن درايته هو أو غيره خاصة أنه يعمل بإحدى الجهات المعنية بالشأن الاستراتيجى فما بالنا إذا كانت هذه الجهة هى وكالة «ناسا» لعلوم الفضاء، بالمناسبة هذه الوكالة كان يعمل بها جهبذ مثل حجى سابق عصره وأوانه الحاج محمد مرسى، أما الأخطر من هذا فهو وصف الفضائى لمصر، أنها دولة عسكرية ليس لها مستقبل، لذا أقول له: «خليك فى علوم الفضاء» وكفاية هرتلة فى الفضائيات، فتكرار هذه الآراء المثيرة للغثيان تبعث على الشك، سيادة الناشط الفضائى خليك فى حالك.