لم يكن ما تصدينا له بالأمس عن كراهية الإعلامي يسري فودة للجيش المصري وتشكيكه فى انتصاره بحرب 56 هى الحالة الوحيدة فى ملفه المتخم بما هو أفدح، فعبر برنامجه "آخر كلام" عرض فيديو قبل سنوات لأطفال يقومون بسبِّ الجيش وإهانته، حتى تتعود الأذن والعين على رؤية مثل تلك المشاهد، وما هو مستهجن بالطبيعة يصبح مقبولًا فى مجتمع يهوى التقليد، والتجويد فيه أيضًا، وأعداؤه يعلمون ذلك جيدًا، ويستغلون مثل تلك الثغرات للنفاذ والتأثير عليه، مستغلين حالة الضعف والهوان التى يعيشها الإعلام المصري فى السنوات الأخيرة.
أما عن إجابة السؤال لماذا يقوم بذلك؟، فالرد المباشر والواضح هو التمهيد أو المشاركة فى عمل يسعى للانقضاض على الرئيس عبدالفتاح السيسى ثم التفرغ للقضاء على الجيش المصرى آخر الجيوش القوية الباقية فى الشرق الأوسط بعدما انتهت جيوش العراق وسوريا، وأخيرًا تركيا.
أعتقد أن من يشك فى ذلك المخطط عليه أن يراجع نفسه كثيرًا، فكل ما يتم يخدم بقاء الجيش الإسرائيلى كقوة عسكرية متماسكة وقادرة، لن يبقى فى مواجهتها سوى العسكرية الإيرانية، مما يكشف كل خطوط الأمن الإقليمى العربى والخليجى على وجه الخصوص.
ما يسعى فودة لترسيخه فى مقالتيه الأولى والثانية هو أن الرئيس السيسى كان طامعًا في السلطة، ولسوء حظه أن من يرد على ذلك هو يسري فودة نفسه فى حوار له "بجريدة الشروق" المصرية بتاريخ 6 نوفمبر 2013، أكد فيه ردًّا على سؤال حول شخص الفريق عبدالفتاح السيسى آنذاك "وكان رأيى فيه من أول يوم مثل كثيرين أنه إنسان مهنى وطنى، ولديه القدرة على رؤية عميقة للمجال الذى يعمل به، وأنه استطاع أن يرتفع بمعنويات القوات المسلحة بعد فترة مؤلمة ومرهقة سواء من وجهة نظر المؤسسة العسكرية أو من وجهة نظر الشارع الثورى أيام المجلس العسكرى السابق، وفي نفس الوقت أدرك تمامًا لماذا ارتفعت شعبيته إلى هذا الحد بعد 30 يونيو، وفي اعتقادى أن الأسابيع المقبلة ستفسر لنا الكثير، لكن لديه القدرة على قراءة الموقف بشكل عميق واتخاذ القرار الصائب في اللحظة الصائبة".
وبعد إجابته تلك كيف له أن يتساءل مستفسرًا عن "طمع" في السلطة من شخص اعترف شخصيًّا بشعبيته ورأى المصريين رأي العين كيف طالبه القاصى والدانى من أبناء الوطن بالترشح لرئاسة جمهورية مصر العربية في انتخابات نزيهة وحرة بشهادة الجميع، وبنسبة مئوية بغت 97% من إجمالى نسبة مشاركة 47% من إجمالى الناخبين، ويبدو أنك تناسيت أيضًا أن الرئيس السيسى انتخبه 24 مليون مصري.
المدهش كان وصفه لحدث 3 يوليو بأنه كان إخفاء للرئيس المعزول محمد مرسى، متناسيا أن المعزول تم القبض عليه بإجراءات قانونية طبيعية ناتجة عن ما توفر من معلومات بارتكابه جريمة التخابر مع دولة أجنبية، والتى صدر فيها حكم من محكمة مدنية مستقلة مؤخرا.
ولا أعتقد بأن الرئيس السيسى نادم على ما قام به في 3 يوليو 2013 حين انحاز لإرادة المصريين، وتحمل المسئولية أمام ربه ووطنه، غير عابئ بتكلفة انحيازه، والتى كادت أن تكلفه حياته.. لا أعتقد بأن من اتخذ قرارًا وطنيًّا متجردًا من أي اعتبارات أو حسابات قد يندم على وضع اسمه في سجلات الشرف الوطنى، ووضع له مكانة مرموقة في التاريخ.
المؤكد أن فودة فى ألمانيا يختلف كثيرًا عن فودة العائد للقاهرة من لندن بعد الدوحة، وتقلب بين أكثر من موقف سياسى ما بين تأييد عمر سليمان وأحمد شفيق عقب رحيل الرئيس مبارك وقت ثورة يناير، وصولا إلى تأييد الإخوان ثم الانقلاب عليهم، وأخيرا مهاجمة الرئيس السيسى "بأجر" فى الدوتش فيلا الألمانية، إلا أن المثير كان حديثه المستهجن عن حروب الجيل الرابع، وربما نسى أنه تناول فى برنامجه "سرى للغاية" تاريخ الماسونية، ودورها في إطلاق المؤامرات حول العالم، ولذلك كان من المدهش جرأته فى إنكار وجود حروب الجيل الرابع، والتى يأتى معناها بغض النظر عن المصطلح في فيلم وثائقى أعده وقدمه بنفسه على قناة "الجزيرة القطرية".