يكره «الإخوان» الجيوش القوية، فهم عبر التاريخ كانوا الصخرة الصلبة التى تكسرت عليها أمواجهم، وما رأيناه فى تركيا من إذلال وتشليح للقوات المسلحة التركية لم يكن انتقامًا بقدر ما هو «كسر» للقوات المسلحة وعقيدتها القتالية، فإما أن تتأخون أو تتبخر وتنتهى.
ومع تسريح أكثر من ٤٣ ألفًا من العسكريين والمدنيين عقب حركة الجيش التركى للإطاحة بحكم رجب طيب أردوغان، بدا واضحًا أن الجيش التركى لن يعود قوة عسكرية يمكن التعويل عليها، وستحول مع الوقت إلى قوة أشبه بالحرس الثورى الإيرانى، أى قوات هدفها الوحيد حفظ أمن النظام الإخوانى و«الخليفة» أردوغان.
وهو ما يعنى أن التعويل عليه إقليميًا قد انتهى، فما نشهده أشبه بتدمير الجيش العراقى عقب الغزو الأمريكى عام ٢٠٠٣، فعمليات التسريح واعتقال القيادات إضافة إلى مشهد القبض على رجال الجيش بواسطة رجال الشرطة التابعين لأردوغان يعطينا مؤشرًا على صراع ميليشيات قادم داخل تركيا، فمن سيتم تسريحه سيحمل السلاح فى مواجهة الآخر.. لقد أضعف أردوغان قوة دولته العسكرية، وعطل أحلامه فى لعب دور شرطى الشرق الأوسط عبر ابتزاز ممنهج لدول الخليج مقابل حمايته لهم فى مقابل حماية عرشه.
حكام الخليج هم الخاسر الأكبر من ذبح وجلد وتشليح عناصر الجيش التركى، فالجيش «المذلول» لن يكون قادرًا على الوفاء بالتزاماته العسكرية تجاه أمن الخليج، ولا يملك القدرة على رفع رأسه فى مواجهة الخطر الإيرانى، كما كان «يتعشم» قاده الخليج الذين فكروا فى إنشاء قواعد عسكرية تركية على أرضهم مثلما فعلت قطر، ووقعوا اتفاقيات عسكرية يجنى منها أردوغان وعصابته المليارات، وهو أمر سيمثل خطرًا فى المستقبل على الخليج مع عملية «أخونة الجيش التركى »، فمن يحمى اليوم سيتحول فى المستقبل إلى خنجر فى الظهر، لأن الإخوان طامعون فى أموال الخليج لإنشاء خلافتهم الكبرى وتحقيق «أستاذية العالم» التى خطط لها إمامهم البنا.
وعلى نفس النمط ستتأثر مشاركة الجيش التركى فى الناتو، فمن المستبعد أن يقبل قادة أوروبا والولايات المتحدة بجيش «متشدد دينيًا» فى تركيا، فدور حماية شرق أوروبا لا يمكن أن تقوم به ميليشيات أردوغان التى شاهدها العالم تذبح الجنود الأتراك كأنهم خراف، وستوضع العراقيل أمام إمداد تركيا بأى سلاح متطور لأنه قد يرتد على أوروبا.
الأخطر أنه مع دمار الجيش التركى وتأثير مشاهد الإذلال على من تبقوا فى الخدمة، سينكشف الداخل التركى أمام تهديدات الأكراد وقطعان داعش العائدة من سوريا بأسلحتها، مما يؤثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية ويكبد الدولة التركية ومؤسساتها خسائر فادحة قد تلتهم تأثير النمو الاقتصادى الكبير التى شهدته فى السنوات الأخيرة.
بخروج الجيش التركى من المعادلة الإقليمية تنتهى أهمية فكرة التحالف السنى مقابل الخطر الشيعى، مما يفرض على الخليج تغيير استراتيجية الاعتماد على تركيا، مقابل وضع نظام إقليمى جديد يضع حساباته على أساس غياب تركيا، وإيجاد بدائل لها، وهو أمر قد يعزز إنشاء القوة العربية المشتركة التى دعت إليها مصر لتكون قوة العرب الحقيقية وسلاح الردع فى مقابل الخطر الإيرانى.
لقد كان القرار الأول من جانب قادة الحركة العسكرية التركية، هو سحب القوات التركية من العراق، وهو أمر بالغ الدلالة على عدم رغبة الجيش التركى فى الانخراط فى الأزمات الخارجية أو لعب أدوار إقليمية كما كان يخطط «أردوغان»، مما يجعل أى قرار بتحرك خارجى مرهون بتغيير عميق فى القنوات التركية كما تصعب المهمة مع عمليات التسريح العشوائية لأفراده .
المؤكد أن الشعب التركى بكل أطيافه ومكوناته خسر قواته المسلحة فى صراع على السلطة، وأصبح «إذلال» الجيش عنوانًا لضعف دولتهم، فظهرهم الآن مكشوف أمام ميليشيات أردوغان وعناصر داعش والأكراد، ومهما حاول أردوغان وجماعته إقناع الناس بأنهم يطهرون الجيش لن يقتنع أحد فعمليات الانتقام الجارية ضد القضاة والمدرسين وطلبة الجامعات والموظفين تؤكد أن أردوغان هو من انقلب على الدولة تمهيدًا لأخونتها بالكامل وليس العكس.