الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

انهيار القيم يساوي وطنًا على المحك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انهيار القيم فى أى مجتمع يؤدى إلى تفككه وضياع مستقبله، مهما كان ماضى هذا المجتمع فى الرسوخ، ونحن الآن نعيش فى عالم المصالح بكل أسى، بعد أن أصبحت تتحكم فى الجميع، وسيطرت الحياة المدنية على المجتمع المصرى والمجتمعات العربية والغربية عمومًا.
لقد أصبحت المادة هى المتحكم الرئيسى فى علاقات البشر، بينهم وبين بعض، وبين المواطن ووطنه، وحتى بين الدول وبعضها، كل واحد يبنى علاقته مع الآخرين على أساس مصلحته المادية ومدى استفادته من هذه العلاقة، الكل يقيس تعاملاته الإنسانية بميزان المصلحة، حتى علاقات الحب بين الشاب والفتاة، التى من المفترض أن تنتهى بالزواج، غالبا ما يقيسها كل طرف ماديًا، فالشاب يفكر أولًا: هل هذه الفتاة أهلها أغنياء أم لا؟ ونفس الأمر بالنسبة للفتاة التى تطير فرحًا إذا كان خطيبها يمتلك فيلّا وسيارة ورصيدًا فى البنك، وليس مهمًا أن يكون لديهما رصيد من التعليم أو الأخلاق والتدين وغيرها من القيم الحميدة.
وقد طالت الانهيارات الأخلاقية والقيمية كل شىء، فى التجارة، وفى الصناعة، وحتى الرياضة، فالتجارة أصبحت شطارة، يبيع فيها ويشترى التاجر على حساب المواطن الغلبان، فيرفع سعر السلعة أضعافًا مضاعفة رغم أنه يعلم أن المواطن الغلبان لا يستطيع دفع ثمن هذه المبالغ فيها. وكذلك انهارت القيم فى الصناعة، بعد أن ضربها الفساد وانعدمت جودة المنتجات، حتى صناعة الدراما المصرية أصبحت بلا قيم، وخير دليل ما شاهدناه فى شهر رمضان الماضى من انهيار القيم فى الأعمال الفنية الهابطة، التى أصبحت تنشر الرذيلة بيننا، بدلًا من ترسيخ الفضيلة والأخلاق الكريمة، فأصبحت الأسر بكل أعمارها وطبقاتها تتعلم من المسلسلات فنون البلطجة وتدخين السجائر، وكل ما هو غير أخلاقى، ونادرًا ما تجد مسلسلًا واحدًا يدعو إلى القيم والأخلاق، رغم أن رسالة الفن هى الدعوة إلى إعلاء القيم الإنسانية وسموها فى المجتمع، إلا أن الواقع غير ذلك للأسف. إن تجارة الأعمال الفنية أصبحت هابطة لا يهمها إلا المكسب المادى فقط بغض النظر عما تتركه من آثار سلبية على السلوك المجتمعى.
لقد تربينا على كلمات كانت تزلزل وجداننا حينما نسمعها من كبارنا، تلك الكلمات اختفت من قاموسنا اليومى للأسف الشديد، واختفى معها مصطلح «عيب» من حواراتنا وتعاملاتنا.
لقد انتشرت اليوم بيننا كلمات كنا نستحى أن نقولها فى الماضى أيام شبابنا، لقد أضاعت الحرية المطلقة الكثير من روحنا المجتمعية، فكل واحد فينا يفعل ما يشاء بدعوي الحرية، رغم أن الحرية هى فى الأساس مسئولية، وفكرة إطلاقها بلا أطر تحددها تذهب بنا إلى الجحيم، فالاعتداء على الغير وخدش حيائه ليس حرية! إن الحرية المطلقة جعلت الآخرين، صغارًا وكبارًا، أكثر جرأة وتداول الكلمات الخارجة عن الذوق العام يروج لها على أنها «موضة»، وكل تلك التصرفات لا تتفق مع قيمنا وديننا.
نحن فى أشد الحاجة للعودة إلى قيمنا الأصيلة، وإلى أخلاقنا التى عرفنا العالم بها، وهذا لن يتم إلا إذا أعدنا تقييم مؤسساتنا الدينية والتعليمية والتربوية والأسرية. فالأسرة المصرية فى حاجة لأن تعيد وتقيم دورها تجاه تربية أولادها، وأن ترسخ تعاليم ومفاهيم القيم والأخلاق الكريمة، وأن تعيد زرع حب الآخر فيهم، وتغليب المصالح العامة للوطن على المصالح الشخصية. 
كذلك المدرسة، فوزارة التربية والتعليم فى أشد الحاجة لأن تعود إلى القيام بمهامها التى تحمل اسمها، وهى «التربية» فى المقام الأول قبل أن تكون وزارة «للتعليم». 
إن الطالب تحول إلى آلة يتلقى دروسه حتى يضعها فى الامتحان، ثم ينسى كل شىء بعد أن ينتهى، هذا فى إطار غياب مفاهيم التربية، لذلك لم تكن مفاجأة أن تتحول امتحانات الثانوية العامة إلى أكبر ظاهرة غش للامتحان فى مصر، بعد أن فقد الطالب التربية والأخلاق وفقد معها القيم النبيلة التى لم توفرها له الأسرة أو المدرسة.
مصر محتاجة لأن يعود الأخصائى الاجتماعى فى المدارس إلى دوره الحقيقى، محتاجة لأن تعود وحدة الشئون الاجتماعية والأسرية، وأن يكون لها دور فى إعادة تقويم الأسرة المصرية، وقبل كل هذا وذلك، محتاجون جميعًا أن نحاسب أنفسنا وأن نراجع أنفسنا من جديد من أجل تقدم وطننا وازدهاره، وإلا أصبح وطننا على المحك.