الخميس 03 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

عملية تدمير سوريا وليبيا واليمن والعراق بـ"الحروب العبثية"

دراسة خاصة ترصد «نكبة العرب» فى ٤ دول

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ دمشق أصبحت «دمية» فى يد إيران.. والجيش العربى تمزق بسبب «الحرب الأهلية»
■ «داعش» يتمدد داخل سرت والميليشيات المسلحة تسيطر على معظم الأراضى فى طرابلس
■ صنعاء تعرضت للتدمير بالقصف والاقتصاد انهار تمامًا

يبدو أن العرب أدمنوا تلقى الهزائم والنكبات، حتى أن البعض قد يظن أنهم يحبون الهزائم ويكرهون الانتصارات، ربما يطربون كلما حقق أعداؤهم انتصارًا عليهم، كى يتفرغ المحللون والمعلقون والكُتَّاب لتفسير، أو لتبرير الهزائم والنكبات، وليس من المستبعد أن يحتفل العرب فى المستقبل بذكريات الهزائم دون الانتصارات، ربما لوفرة الأولى وندرة الأخيرة.
ومن الواضح أن عرب القرن الواحد والعشرين لا يختلفون، من حيث الجوهر، عن أجدادهم الأقدمين منذ حرب البسوس وحرب داحس والغبراء، حتى حروب سوريا واليمن والعراق وليبيا المستعرة منذ «الربيع المزعوم»، مرورًا بكوارث عدة أضحى إحصاؤها عسيرًا، لكثرتها وتكاثرها.
وبعد النكبات المتتالية، لم يعد من الممكن استخدام كلمة «النكبة» دون تحديد، بعد أن كانت «النكبة» تستخدم، حتى وقت قريب، للإشارة إلى نكبة فلسطين، فقد تعددت النكبات على العرب من كل جانب.
تقف جميع الأطراف الإقليمية والدولية فاغرة أفواهها استعدادًا لالتهام ما يمكن من الفريسة العربية الشهية، بينما ينخرط العرب فى حروب تسهم فى إعداد الفريسة، كى تلتهمها الوحوش الإقليمية والدولية ثم ينكب العرب كالعادة فى تحليل أسباب النكبة، ويختلفون حول هذه الأسباب، وقد يتقاتلون فيما بينهم، ثم تتحول هذه النكبة إلى فصل فى كتاب النكبات العربية الممتدة منذ الثورة العربية الكبرى، أى قبل مائة عام وحتى الآن.
لقد تسبب الربيع المزعوم فى اندلاع حروب عبثية فى أربع دول عربية، وهى سوريا وليبيا واليمن والعراق، وأسهم فى اندلاع أعمال إرهابية فى مصر وتونس ولبنان والجزائر والأردن والبحرين والكويت والسعودية، ويمكن إيضاح هذه الرغبة الجامحة فى تلقى الهزائم من خلال عرض تطورات الحالات السورية والليبية واليمنية والعراقية.

الحالة السورية
تشارك أطراف عربية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فى حرب عبثية منذ أكثر من خمس سنوات، ومن الغريب أن يتباكى بعض من هؤلاء على مقتل عشرات أو مئات الألوف من السوريين وتشريد الملايين والقضاء على سوريا، وطنًا وشعبًا وحضارة وثقافة واقتصادًا.
وتنقسم مواقف الدول العربية من الأزمة السورية إلى ثلاثة مواقف، يتبنى أصحاب الموقف الأول استمرار الحرب حتى القضاء على نظام بشار الأسد، ويدعم الموقف الآخر استمرار النظام مع بعض التعديلات حفاظًا على الدولة السورية، بينما لا يبدى أعضاء الموقف الثالث والأخير اهتمامًا بالأزمة، أو لا يوجد لديهم موقف محدد من الأزمة.
وبعد أكثر من خمس سنوات من اندلاع الحرب الأهلية السورية، لا يبدو لدى الأطراف العربية أى رشادة فى التعامل مع هذه الأزمة، بل لعل بعض المواقف العربية قد أسهم، عن قصد أو عن جهل أو عن كليهما، إلى إطالة أمد هذه الحرب الطاحنة التى لا توجد أى مبررات منطقية لاستمرارها.
وتسببت الحرب الأهلية السورية، وما تزال، فى خسائر هائلة لمعظم السوريين، باستثناء أعداد محدودة من مناضلى الفنادق السوريين ومن النخب العربية المرتبطة بأعداء العرب الدائمين.
وكان بعض من أبرز مناضلى الفنادق السوريين من أركان النظام السورى قبل اندلاع الأزمة وبعدها.
بينما حققت كل من تركيا وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة والدول الغربية، وما تزال تحقق، كثيرًا من المكاسب، مع استمرار الأزمة وتصاعد القصف والقصف المضاد.
فمن ناحية، أصبحت إيران أحد اللاعبين الرئيسيين على الساحة السورية، إن لم تكن اللاعب الرئيسى، ووصل نفوذها حدًا لا سابق له.
ولم تتردد طهران فى الإعلان عن مشاركتها المباشرة فى القتال إلى جانب الجيش السورى، إلى جانب المشاركة الواسعة من مقاتلى حليفها الرئيسى، حزب الله اللبنانى.
وكانت دمشق بالطبع إحدى العواصم العربية الأربع التى تشدق أحد المسئولين الإيرانيين بأنها تدار من طهران.
ومن ناحية أخرى، إذا كانت إيران قد عززت نفوذها على الساحة السورية من خلال الدعم غير المحدود للنظام السوري، فقد آثرت تركيا الاضطلاع بدور مماثل من خلال مساندة معارضى النظام واستضافة معظمهم فى أراضيها، والترويج لهم لدى الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين، إلى جانب تقديم دعم عسكرى لبعض الفصائل المقاتلة ضد النظام.
ومن ثم، أصبح استمرار النظام مزيدًا من تبعية دمشق لطهران، بينما يعنى سقوط النظام تبعية دمشق لأنقرة.
ومن ناحية ثالثة، ترقب إسرائيل الأوضاع عن كثب، وهى ترى الجيش السورى يتمزق وفى سبيله للحاق بنظيره العراقى، وهما الجيشان العربيان اللذان كانا العمود الفقرى لما سمى الجبهة الشرقية والشمالية بالنسبة لإسرائيل.
وتحتفظ إسرائيل بما تعتبره حقها فى شن غارات داخل الأراضى السورية، فى حالة تحريك أو نقل أسلحة أو قوات تمثل - من وجهة نظرها - تهديدًا لأمنها القومى، سواء كانت هذه القوات سورية أم تابعة لحزب الله اللبنانى.
وتعتقد إسرائيل أن إطالة أمد القتال يمثل مكسبًا صافيًا لها، حيث يحقق أهدافها دون أن تطلق طلقة واحدة. وبغض النظر عن النتائج التى ستنجم بعد نهاية هذه الحرب، إن انتهت، فلن تقوم للدولة السورية، حال استمرارها، قائمة لعقود قادمة.

أوضاع ليبيا
كانت القوى الغربية قد استغلت قرار مجلس الأمن المدعوم عربيًا بحماية المدنيين الليبيين وقامت بغزو الأراضى الليبية وأسقطت نظام القدافى وقتلته، وشهدت ليبيا منذ سقوط القذافى تحولات «درامية» تتسق مع تداعيات «الربيع الأمريكى المزعوم».
فقد دعمت الولايات المتحدة والقوى الغربية جماعات ليبية محددة، منذ سقوط القذافى، وأبت إلا أن يحكم هؤلاء، سواء رغب الشعب الليبى فى ذلك أم لا.
وقد سيطرت شراذم من ميليشيات استولت على بعض أسلحة الجيش الليبى الثقيلة على المدن الليبية الرئيسية، بما فى ذلك طرابلس العاصمة، وبدا المشهد وكأن الجيش الليبى قد انقسم إلى عدد من الجيوش المتحاربة مع افتقار معظمها، إن لم يكن كلها، لأى درجة من درجات الانضباط العسكرى.
وقد شهدت المدن الليبية الرئيسية على يد الميليشيات مشاهد مرعبة لا تحدث فى الدول. وبعد سنوات خمس من «الربيع»، اختفت الدولة الليبية، ووجد فى ليبيا برلمانان وحكومتان.
وبالرغم من الاعتراف الدولى ببرلمان بنغازى وبالحكومة المنبثقة عنه وبالجيش التابع لها، فقد آثرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون استمرار البرلمان المنتهية مدته فى طرابلس والحكومة المنبثقة عنه الرافضة الاعتراف ببرلمان وبحكومة وبجيش بنغازى، مع استمرار قرار حظر تصدير السلاح إلى ليبيا الذى يعنى استمرار ضعف الجيش الليبى الرسمى لصالح الميليشيات المسيطرة على مدن الغرب الليبى وفى مقدمتها العاصمة.
وقد ترتب على هذه الأوضاع تمدد لمقاتلى داعش فى مدينة سرت وبعض المناطق الليبية الأخرى.
ومن الواضح أن بعضًا من القوى الإقليمية والدولية حققت وتحقق مكاسب هائلة - وكما هى العادة على حساب العرب - على الساحة الليبية هذه المرة.
فقد كانت القوى الغربية صاحبة اليد الطولى على الساحة الليبية منذ سقوط القذافى. وقد سعت إلى ترتيب الأوضاع بما يضمن تعزيز مصالحها فى هذه الدولة العربية الغنية بالنفط وذات الساحل الطويل جنوب المتوسط فى مواجهة القارة الأوروبية.
وقد نجحت القوى الغربية مؤقتا خلال المرحلة الانتقالية التى أعقبت سقوط القذافى، حيث سيطرت القوى الإسلامية وحلفاؤها على البرلمان المؤقت والحكومة المؤقتة بدعم من، أو بتنسيق مع، الميليشيات المسلحة، وبتأييد لا محدود من القوى الغربية ومن بعض الحلفاء الإقليميين والعرب، وعندما أجريت انتخابات للبرلمان، ولم يحظ حلفاء الغرب بأغلبية تمكنهم من تشكيل الحكومة، تظاهرت القوى الغربية وحلفاؤها الإقليميون بالاعتراف بهذا البرلمان الشرعى وبالحكومة الشرعية المنبثقة عنه، لكنها أعاقت قدرة هذه الحكومة المعترف بها دوليا على بسط سيطرتها على كامل الأراضى الليبية عن طريق حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى الشرعى فى الشرق، ليستمر المجلس المنتهية مدته والحكومة المنبثقة عنه فى ممارسة سلطاتهما فى العاصمة طرابلس مدعومين من الميليشيات المسيطرة على المدن الليبية فى الغرب.
وبعد فترة طويلة من عدم الاستقرار، تمدد خلالها تنظيم داعش فى الأراضى الليبية فى ظل وجود برلمانين وحكومتين وجيش وعدة ميليشيات، دعمت القوى الغربية ما سمته «حكومة الوفاق»، بحيث تحل محل الحكومة المنتهية ولايتها فى طرابلس والحكومة المنتخبة، والتى لم تستطع ممارسة سلطاتها، فى بنغازى.
ومن الواضح أن الأطراف الليبية المقربة من القوى الغربية هى الأقوى تمثيلًا فى حكومة الوفاق الجديدة.
ومن ثم، سعت القوى الغربية منذ سقوط القذافى، وما تزال، إلى تعزيز نفوذها فى ليبيا الغنية بالنفط، معتمدة على أطراف ليبية وعربية، كما هى العادة على الدوام.
لقد فقدت ليبيا سمات «الدولة» منذ أكثر من خمس سنوات، وثمة معارك طاحنة تدور بين أطراف متعددة تمتلك ترسانة من الأسلحة الثقيلة، وتحدث بعض هذه المعارك داخل المدن.
ولا يوجد أى مظهر من مظاهر الدولة التى توجد بها سلطة تمارس سيادتها على إقليم الدولة، كما تقول كتب السياسة.
لقد فقدت السلطة التى تتمتع بالسيادة، وهى أحد أركان الدولة القومية الحديثة، ولم تستطع لا الحكومات المؤقتة ولا الحكومتان المتنازعتان على السلطة فى بنغازى وطرابلس، ولا ما تسمى بحكومة الوفاق ممارسة هذه السيادة على إقليم الدولة الليبية.
وها هى دولة عربية نفطية أخرى تنضم إلى العراق فى المعاناة من أوضاع اقتصادية سيئة، وتتسم بكونها أحد أمثلة «الدول الفاشلة».
ويبدو أن ليبيا قد أصبحت «دولة تحت الوصاية الدولية»، وتتفاوض القوى الدولية (الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية) فيما بينها على أفضل وضع لليبيا يحقق مصالحها، كما فعلت بعد الحرب العالمية الأخيرة، بعد أن أجبرت الإيطاليين على الانسحاب من الأراضى الليبية.
ويبدو أن هذه القوى الغربية لم تتوصل بعد إلى الصيغة التى تضمن لها تعزيز مصالحها. ولذلك، سمحت بالاعتراف بحكومة بنغازى، وتركت حكومة طرابلس تمارس عملها من طرابلس، وأصرت على استمرار حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وغضت الطرف عن ممارسات الميليشيات المسلحة.
وجاءت الطامة الكبرى مع فرض «حكومة الوفاق» من الخارج والطلب من البرلمان الليبى منحها الثقة، وإلا فرضت عقوبات على الأشخاص الذين يعرقلون ذلك!! أكثر من هذا، دخلت «حكومة الوفاق» طرابلس على أسنة رماح الميليشيات، وستظل ممارستها لعملها رهنًا برضا الميليشيات عنها.

الحالة اليمنية
وفى الحالة اليمنية، كان اليمن، الذى كان سعيدًا، مسرحا من مسارح «الربيع الأمريكى المزعوم»، لكن ربيعه كان ربيعا مختلفا.
فقد توافقت أطراف عربية ودولية فاعلة على الساحة اليمنية على تغيير جزئى للنظام فى اليمن.
وقد تمثلت أهم هذه التغييرات فى تنحى رئيس الجمهورية وترشيح نائبه مرشحا وحيدا لرئاسة الجمهورية، وتشكيل «حكومة توافق» نصفها من أعضاء حزب الرئيس السابق، واستمرار البرلمان الذى يسيطر عليه أعضاء حزب الرئيس السابق، والذى استمر رئيسا للحزب.
وقد منحت إحدى «الناشطات» اليمنيات جائزة نوبل للسلام، تعبيرا عن امتنان مانحى الجائزة لنجاح «الربيع اليمنى».
وقد فشلت هذه الصيغة، المدعومة عربيا ودوليا، خلال المرحلة الانتقالية فى تحقيق أى مظهر من مظاهر الربيع.
ووجدت إيران ضالتها فى الميليشيات الحوثية التى اندفعت نحو العاصمة صنعاء وسيطرت عليها وعلى معظم الأراضى اليمنية، متحالفة مع الرئيس السابق وجزء من الجيش اليمنى الذى ظل يدين بالولاء للرئيس السابق ونجله.
وتمكن الرئيس اليمنى من الفرار إلى عدن، وتكوين تحالف عربى لدعم الحكومة الشرعية من خلال شن عمليات عسكرية على قوات الحوثيين والرئيس السابق.
ومرة أخرى، تعرضت المدن اليمنية للتدمير من خلال القصف والقصف المضاد من الطرفين، وازداد تدهور الاقتصاد اليمنى المتداعى أصلًا.
وبعد عام ونصف العام من الحرب، توجد حكومتان فى اليمن تحارب كل منها الأخرى، إحداهما فى صنعاء والأخرى فى عدن.
وتحظى كل منهما بدعم أطراف عربية وإقليمية ودولية.

الحالة العراقية
وفى الحالة العراقية، ظلت معظم الأطراف العربية تسعى لإسقاط نظام صدام حسين منذ ارتكابه خطيئة غزو الكويت عام ١٩٩٠.
وبعد حصار قاس عانى منه الشعب العراقى - وليست النخبة الحاكمة - لثلاثة عشر عاما، أقدمت الولايات المتحدة على غزو العراق وأقامت سلطة احتلال فاقت ما تمتعت به سلطات الاحتلال البريطانى والفرنسى فى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
وكما هى عادة العرب، فقد هلل كثير منهم للاحتلال الأمريكى للعراق، ونسوا أو تناسوا أن القضاء على نظام صدام سيعنى بالضرورة نفوذا طاغيا لإيران فى عراق ما بعد صدام، وما بعد انسحاب القوات الأمريكية الغازية، وهو ما حدث بالفعل.
ولم يتحول العراق إلى «درة للديمقراطية» فى المنطقة، كما زعم المسئولون الأمريكيون وبعض من حلفائهم من العرب «الليبراليين»، بل تحول إلى بؤرة للطائفية وللعنف وساحة لنشأة وتمدد «دولة الخلافة» الذى ارتكب منتسبوه مجازر مروعة فى المناطق التى سيطروا عليها.
وبالرغم من الدعم الأمريكى والإيرانى غير المحدود، لا يزال العراق بعد ثلاثة عشر عاما دولة تخلو من سلطة تبسط سيادتها على جميع أجزاء الدولة.
وتكفى الإشارة إلى اقتطاع تنظيم داعش أجزاء واسعة من الأراضى العراقية، بلغت ذروتها فى احتلال مدينة الموصل، إحدى كبريات المدن العراقية، وإعلانها عاصمة لدولة الخلافة الإسلامية.
وويرسخ إقليم كردستان العراق أقدامه كدولة فى طريقها للانفصال عن الدولة العراقية المركزية، ليكوّن دولة مستقلة.
ومن ناحية أخرى، لم تتوقف أعمال العنف فى معظم المدن العراقية منذ الغزو الأمريكى عام ٢٠٠٣.
وثمة أعمال عنف أقل حدة فى كل من مصر (شبه جزيرة سيناء)، وتونس (على الحدود التونسبة الليبية)، ولبنان (فى الشمال وعلى الحدود اللبنانية السورية)، والسودان (دارفور)، وفى مناطق متفرقة وعلى فترات متباعدة فى كل من البحرين والجزائر والكويت والسعودية والأردن.
بعد أكثر من خمس سنوات من الربيع المزعوم وأكثر من ثلاث عشرة سنة من الغزو الأمريكى للعراق، تحولت المنطقة العربية إلى كتلة من اللهب.
ولا يبدو أن ثمة ضوءا فى نهاية النفق.
وإذا كانت هزيمة يونيو ١٩٦٧ قد ألقت بظلالها الكئيبة وبآثارها شديدة السوء على المنطقة العربية بأكملها لما لا يقل عن ربع القرن، ولم تنجح حرب أكتوبر سوى فى تقليل حجم الآثار الكارثية لها، فمن المؤكد أن الآثار الكارثية للربيع المزعوم ستفوق آثار هزيمة يونيو إلى حد بعيد.
ويكمن الفارق الجوهرى بين النكبتين فى كون الأولى قد حدثت نتيجة دور أساسى وواضح من قبل أعداء العرب من الخارج.
ومن الغريب، ولا أقول من السذاجة، أن يتوقع العرب أن يعمل الآخرون، لاسيما من الأعداء، لتحقيق المصالح العربية.
لقد ضاعت فلسطين، ولا يزال بعض العرب يتحدثون عن «الكيان المزعوم»، الذى يسعى العرب للحصول على موافقته على إقامة دولة فلسطينية على اثنين وعشرين بالمائة من فلسطين التاريخية.
وفى ظل هذه الأوضاع المتردية، يتصارع الفلسطينيون على «الإدارة الذاتية» فى الضفة الغربية وقطاع غزة، فى ظل الاحتلال الإسرائيلى.
وذهبت الصومال أدراج الرياح، وتحولت إلى «دولة فاشلة» منذ أكثر من ربع القرن. وها نحن ننتظر أن تتحول دول عربية أخرى إلى دول فاشلة.
ومن المثير للدهشة أن العرب ما فتئوا يفاخرون بأمجادهم التاريخية، فى ظل هذه النكبات والكوارث.
ولا ريب أن العرب يعيدون بدقة أشد وبعنف أقوى وبدموية غير مسبوقة تكرار حروب البسوس، وداحس والغبراء، وحروب الردة، والفتنة الكبرى، والأمين والمأمون، وحروب الخوارج والشيعة إبان الدولتين الأموية والعباسية، وحروب الأيوبيين فيما بينهم، وحروب ملوك الطوائف فى الأندلس. ومن ثم، لم يكن من المفاجئ أن يطل عليهم من يدعى إنشاء «دولة الخلافة الإسلامية»، كى تكتمل الصورة المظلمة لـ«الربيع المزعوم».