تثبت لنا الأيام كل يوم أن تنظيم داعش الإرهابى، ما هو إلا وهم كبير عشناه طوال السنوات الأخيرة، بعد أن صورت لنا ماكينة «الإعلام الغربى» أن هذا التنظيم ما هو إلا تتار العصر الحديث، عن طريق نشر وإذاعة كل ما يبث الرعب والفزع فى قلوبنا من ذلك التنظيم، خصوصًا فى المناطق العربية والشرق الأوسط عمومًا. وكان سلاحهم فى ذلك نشرهم فيديوهات قطع الرءوس وحرق المواطنين أحياء، وعمليات قتل لأطفال ونساء وشيوخ بشكل عشوائى همجى، بالإضافة إلى إقامة «داعش» أسواق رقيق لبيع النساء والأطفال، ثم يثبت لنا فى النهاية أن التنظيم الذين صوروه لنا أنه لا يقهر ما هو إلا وهم، يسهل القضاء عليه، بل ويمكن أن نمحوه من التاريخ، فقط إذا توفرت الإرادة لدى الشعوب التى يسيطر عليها هذا التنظيم الإرهابى الذى بدأ نشاطه فى العراق وسوريا، ثم انتقل إلى ليبيا وعدد من الدول العربية.
لقد بالغت دول الغرب فى تصوير قوة التنظيم الإرهابى لنا، فداعش من البداية ما هو إلا ظاهرة إعلامية تعتمد أصلًا على الشو الإعلامى، فلو دققنا النظر لوجدنا أن داعش ما هو إلا تنظيم عدد مقاتليه صغير جدا، بالمقارنة مع جيوش الدول التى تكون تحالفات بدعوى محاربته، فى حين أنها هى من تعضده وتمده بالسلاح والعتاد بل وأحيانا كثيرة تحميه أمريكا.
فبالنظر إلى استراتيجية داعش التى يستخدمها فى الحديث للعالم، نجدها إعلامية بجدارة، حيث يستخدمون تقنيات حديثة فى تصوير مذابحهم، ويختارون الزوايا والكادرات التى يظهرون بها الضحايا، كما لو أن الذى صور هذه الفيديوهات مخرج محترف من هوليوود عاصمة السينما، وليس مجرد عضو فى جماعة تكفيرية ظلامية متوحشة ما زالت تستخدم السيوف والخناجر والنار فى لغتها وخطابها للعالم! لقد بالغ الساسة فى الغرب، فى تصوير داعش لنا، حتى أنهم أكدوا فى تصريحاتهم أن محاربة هذا التنظيم تحتاج تحالفًا دوليًا تقوده الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة إنشاء التنظيم فى السر، وتمادى بعض العسكريين بالمنطقة فى تصوير قوة «داعش» إلي حد وصفهم إياه أنه أصبح أمرًا واقعًا والحرب عليه تحتاج إلى عشرات السنوات للخلاص منه، إن لم يكن أكثر من ذلك، وقد تطرف بعض المراقبين الغربيين بقوله إن الحرب على داعش قد تمتد لفترة أطول من الحربين العالميتين الأولى والثانية معًا! لقد صدقنا للأسف كل هذه الأقاويل فى البداية، إلى أن اكتشفنا أن «داعش» تنظيم هش، محدود القدرات والطاقات، تماما مثل «عفريت العلبة».
لقد هُزم داعش فى مواجهاته مع الجيش الحر فى ريف حلب وإدلب فاستطاع الأخير أن يكبد داعش أكثر من ألف قتيل، ودفعه للفرار نحو الشرق، ولولا قلة الإمدادات والسلاح للقوات السورية، لكان بإمكانهم القضاء على هذا التنظيم وانتزاع الرقة معقل تنظيم داعش من تحت سيطرته.
ما فعله الجيش الحر فى سوريا فعلته قوات الجيش العراقى فى بغداد، بعد أن قامت بطرد داعش والقضاء عليه، بل وسحقه فى أهم معاقله وهى مدينة الفلوجة، وهناك مثال آخر أيضًا لا يقل أهمية عن المناطق السابقة وهى المنطقة الكردية، فقد استطاعت قوات الحماية الشعبية الكردية وهى متواضعة فى العدد وفى التسليح أن تهزم التنظيم وتنتزع منه «عين العرب» و«رأس العين» وغيرهما العشرات من القرى الحدودية، كما هُزمت داعش فى معارك أخرى كثيرة مثل «الحسكة»، لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أصبحت اليوم تعول على المقاومة الشعبية فى سوريا لطرد «داعش» من الرقة، خاصة بعد ظهور ما يسمى «قوات سوريا الديمقراطية» التى تشكل قوات الحماية الشعبية نواتها الصلبة لدرجة أن هذه القوات أصبحت تطارد «داعش» فى كل مكان.
كل تلك الملاحم التى يسطرها الأوفياء من أبناء العرب والمسلمين المجابهين للتطرف والمدافعين عن أوطانهم، تكشف لنا كم أن الغرب كان يخدعنا بأوهام «أن داعش تنظيم لا يقهر»، حدث ذلك عندما سلمناهم زمام أمور المعركة مع الإرهاب. فاكتشفنا أنهم يكذبون علينا.
وهذه الأكاذيب وراءها حقائق غائبة عن الرأى العام أولاها، حقيقة عدم توافر إرادة سياسية وعسكرية لدى أصحابها من أجل شن حرب حقيقية على «داعش» وهذا ليس ناتجًا عن عجز سياسى لدى أصحاب القرار، وإنما لاستخدام وجوده فى تبرير سياسات وممارسات تتجاوز فى بُعدها المجال السورى والعراقى والليبى الذى يشغله داعش إلى مجالات أخرى.
الحقيقة الثانية أن بقاء داعش يعطى مبررًا لعدم الذهاب إلى حل حقيقى ما زال غير موجود أو غير متفق عليه للقضية السورية أو الليبية أو العراق.
إن الحل الحقيقى للخلاص من أكاذيب ووهم ما يسمى تنظيم داعش الإرهابى، هو توافر إرادة حقيقية للقضاء عليه، سواء كانت سياسية أو عسكرية، وقتها فقط سوف يتم الإجهاز على هذا التنظيم بكل سهولة ويسر.