كنت بين الحاضرين مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أسيوط، عندما أعلن من هناك ما اعتبره البعض مبادرة لتوسيع معاهدة كامب ديفيد، وتحويل السلام البارد إلى علاقات من لحم ودم مع تل أبيب، تحدث السيسى ببساطة عن قضية ليست سياسية ولا اقتصادية فقط، ولكنها نفسية فى المقام الأول، لم يكن استقبال ما قاله الرئيس يليق بأهمية الحديث وخطره، أحد الموجودين قال جازمًا، بأن السيسى يضع إسرائيل فى خانة اليك، وأنه أبدًا لا يقصد كلامه، بل يضع تل أبيب فى حرج أمام العالم، فهو يطالبهم بالسلام الذى لن يبذلوا جهدًا فى تحقيقه.
نتنياهو وفى افتتاح اجتماع حكومته أمس وهو يخبر وزراءه بقدوم سامح شكرى وزير الخارجية إلى تل أبيب أشار إلى أن الزيارة تأتى تأكيدًا على تطور العلاقات بين مصر وإسرائيل، بعد دعوة الرئيس السيسى لدفع عجلة السلام إلى الأمام، ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلى فى حاجة للتأكيد على أن هذه الزيارة جاءت بدعم من الرئيس السيسى شخصيًا، فلا شىء يتم فى مصر الآن إلا بموافقته ودعمه.
يمكنك أن تفتح قوسًا كبيرًا، وتضع فيه ما تريد من تساؤلات عن هذه الزيارة، توقيتها، كواليسها، ماذا سيدور فيها، أهدافها، ما سيعقبها من أحداث، يمكنك أيضًا أن ترفض ما يحدث على الأرض، تدينه، تلعنه، لكن وبمنطق عملى بحت تعرفه السياسة جيدًا يجب أن يكون السؤال الأهم هو: ما الذى ستحققه مصر من مكاسب خلال هذه الزيارة؟ ما الذى ستأخذه القاهرة من السلام الدافئ؟ ما الذى سيعود به سامح شكرى من هناك؟
لا عواطف ولا مشاعر فى السياسة، هى لعبة المصالح المطلقة، وإسرائيل لا تخطو خطوة واحدة، إلا إذا كانت تعرف جيدًا أنها المستفيد الأول منها، وعليه لا مانع من هذه الزيارة المفاجئة، التى جاءت فى أعقاب زيارة تعتبرها تل أبيب تاريخية إلى دول حوض النيل، تم خلالها استقبال نتنياهو استقبال الملوك، لكن لابد أن تتخلى الإدارة المصرية هذه المرة عن لغة البيانات الرسمية الصماء، التى لا معلومات فيها تشفى الصدور، لابد من المكاشفة الكاملة والتعريف الشامل والعام بكل ما يجرى فى الكواليس.
وإذا قلت إنه ليس من الطبيعى أن يتم الإعلان عن كل شىء، فكثير مما يدور يتعلق بالأمن القومى المصرى، سأقول لك: لسنا مضطرين لأن ننقل كل ما حدث فى هذه الزيارة عن الإعلام الإسرائيلى الذى ينقل كل شىء للمواطن الإسرائيلى، وقارن حتى الآن بين ما ينشر هناك وما ينشر هنا عن هذه الزيارة، ستجد فرقًا شاسعًا.
لا أشكك فى مسار العلاقات بين مصر وإسرائيل الآن، ولا يمكن أن أتجاهل تقلبات السياسة ومقتضياتها، وأعرف أننا لسنا فى المكان الذى نستطيع من خلاله أن نصيغ نحن شكل علاقاتنا بالآخرين كما نحب ونهوى، ولكننى أحذر فقط من الدخول فى صيغة لا نحصل من خلالها على ما نريد، خاصة أن إسرائيل لا تزال تمثل الخصم الذى لا يريد أن يتنازل أبدًا عن شىء يعتقد كذبًا وزورًا أنه حقه.
تبالغ إسرائيل الآن فى الاحتفاء بوزير الخارجية المصرى، تعتبر أن زيارته نقلة مهمة فى العلاقات بين البلدين، ونعرف أن هذه الزيارة لابد أن تعقبها زيارة علنية لنتنياهو إلى القاهرة، أو على الأقل إلى شرم الشيخ، ورغم أن زيارته كريهة، إلا أنها ستحدث، ساعتها يجب أن نعرف لماذا سيأتي، وما الذى سيفعله على وجه التحديد؟ ما الذى سيحصل عليه؟ وما الذى سنستفيده؟ فالمنطق يقول إنه إذا اضطرتك الظروف إلى أن تجلس مع عدوك، فعلى الأقل لابد أن تخرج مستفيدًا.