تقدم جعفر
النميري ليقدم كوب ماء لأنور السادات.
وأسرع إلى
المكان محمد حسنين هيكل وعلى صبرى للاطمئنان على أنور السادات.. وصل فريق من الأطباء
لإسعافه وإسعاف على صبرى أيضًا بعد أن أجرى رسم قلب لكل منهما.. وقرر الأطباء نقلهما
إلى قصر القبة للاستراحة.. لكن تم نقلهما إلى منزليهما.
وفى الجنازة..
كان حسين
الشافعى الذى سار خلف النعش يردد عبارة «الله أكبر» قد رفض اقتراحًا بأن يركب سيارة
مصفحة.. وسقط الدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة مغشيًا عليه.
■ ■ ■
كان من المقرر
أن يكون لجنازة الرئيس جمال عبد الناصر أن تسير فى شوارع القاهرة فى شكل مهيب يناسب
الموقف الجلل.
وكان من المفروض
أن تتقدم الجنازة قوة من فرسان الشرطة العسكرية. وخلفها فرقة موسيقيات الجيش الراكبة.
ثم فرقة خيّالة وموسيقيات الجيش المترجمة.
وكان من المقرر
أيضًا أن يسير خلفهم طابور من القوات الرمزية من طلبة الكليات العسكرية والقوات الحربية.
ثم مجموعات من ضباط القوات المسلحة.
ثم تتقدم
عربة المدفع التى تحمل النعش سيارة الفريق محمد فوزى. وعلى جانبى عربة النعش يسير صفان
من قادة القوات المسلحة من ٤٤ لواء.
وكان مقررًا
أن يسير خلف عربة المدفع التى تحمل نعش عبد الناصر طابور من الجنود، يحملون وسادات
صغيرة فوقها ٦٥ وسامًا ونيشانًا منحت للرئيس الراحل.
ثم فى النهاية
يسير رجال الحرس الخاص للرئيس الذين عملوا معه طول مدة الرئاسة، ثم فى النهاية كبار
المشيعين.
كان ذلك هو
المرسوم..
لكن ملايين
المصريين الذين احتشدوا فى كل شوارع القاهرة منذ المساء.. كالطوفان الهادر. لم تكن
هناك أى حواجز أو موانع مهما كانت تستطيع منعهم من التعبير عن مشاعرهم. إنهم كانوا
الشعب. وكان الشعب يريد أن يحمل فوق أكتافه زعيمه الراحل فى رحلته الأخيرة!
وصفت الصحف
هذا المشهد قائلة:
منذ الفجر
الذى أطل على القاهرة فى تردد..
صبغ أبنيتها
بلون أحمر قان.. كان الهواء باردًا وثقيلًا.. ولكن لم يكن كأى نهار عرفته القاهرة..
فقد أشرق
الصباح على وجوه.. أعياها الحزن.. وعيون محمرة من شدة البكاء.. تنتظر لتلقى النظرة
الأخيرة على الزعيم. وكانت المظاهرات التى تضم أبناء الوطن العربى فى كل مكان.. تطوف
بالقاهرة وهى تردد فى حزن عظيم.
الوداع يا
جمال يا حبيب الملايين.. الوداع!
■ ■ ■
كانت عشرات
الآلاف من البشر قد غطت كل موقع قدم..
وتسلقوا الأشجار
وأعمدة الكهرباء والعربات المصفحة.
ووسط هذا
الجو المفعم بالألم والتوتر.
ظهر موكب
من السيارات فى الطريق الصغير بين فندق هيلتون ومبنى الاتحاد الاشتراكى.. واندفعت الجماهير
نحوه وهى تعتقد أنه موكب أنور السادات.
لكن الجماهير
أصيبت بما يشبه الجنون..
عندما اكتشفوا
أن السيارة تركبها السيدة الجليلة قرينة الرئيس جمال عبد الناصر وكريمتاه هدى ومنى..
فأحاطوا بالسيارة وهم يبكون وكادوا يرفعونها من على الأرض!
وألقى بعض
المواطنين أنفسهم أمام السيارة!
وألقى العشرات
بأنفسهم على السيارة نفسها.. يتحرقون من الأسى. وكأنهم يحاولون استنفار قرينة عبد الناصر..
لكل ما بذله الزعيم، من أحبهم حتى اللحظة الأخيرة من عمره.
كانت لحظات
حرجة مؤلمة..
وأخيرًا تمكنت
السيارة من أن تشق الزحام الهائل.. حتى مدخل مبنى الاتحاد الاشتراكى، وفى أعلاه شهدت
قرينة الرئيس وكريمتاه الجنازة ودموع الشعب على قائده.
وأغمى على
قرينة الرئيس عبد الناصر..
وأسرع إليها
محمود فهيم، سكرتير الرئيس، الذى كان يصاحبها رغم وفاة والدته فى الصباح، وأسرع باستدعاء
أطباء الرئاسة، وإعطائها بعض الحقن المهدئة.
وظلت قرينة
الرئيس عبد الناصر فى مبنى الاتحاد الاشتراكى حتى الثالثة والنصف. عندما استطاعت أن
تستقل السيارة إلى منزل الرئيس فى منشية البكرى.
■ ■ ■
كانت هناك
ثلاث سيارات مدرعة تحاول أن تشق طريقًا أمام عربة المدفع التى تحمل جثمان الرئيس عبد
الناصر..
لكن العربات
المدرعة لم تستطع الصمود أمام مشاعر المصريين الذين اندفعوا نحو عربة النعش كموج لا
يرده شيء، وبدأ النعش يختفى وسط الأيادى التى امتدت نحوه.. تقبله وتحتضنه وترفعه ولا
تفترق عنه.
واشتد جنون
الجماهير..
وامتدت الأيادى
لتحصل على علم مصر الذى كان يلف النعش. وراح العلم ينتقل من يد إلى أخرى.. فى انفعال
شديد.. وأصبح استمرار النعش على عربة المدفع التى تجرها الخيول شيئًا مستحيلًا، فتقرر
سحب عربة المدفع إنقاذًا للموقف.. وأن تحمل النعش عربة مدرعة.
ولم تشهد
مصر جنازة زعيم كما شهدت وعاشت جنازة الرئيس جمال عبد الناصر..
ومن مسجد
جمال عبد الناصر كانت لحظة الوداع الأخيرة..
كانت عشرات
الآلاف من الجماهير قد أحاطت من كل ناحية بالمسجد.
وأخيرًا وصلت
السيارة المدرعة التى تحمل نعش الزعيم ملفوفًا بعلم مصر.
وارتفعت صرخات
الآلاف.. فى جنة الخلد يا جمال..
وبجهد خارق،
استطاع رجال الحرس الجمهورى أن يحملوا الجثمان عبر طوفان البشر إلى داخل المسجد، وقد
استغرقت هذه العملية وحدها حوالى ٤٠ دقيقة.