يواجه الاقتصاد المصرى حاليا تحديات ضخمة، فى ظل ظروف صعبة تعيشها الدولة بعد ثورتين متتاليتين خلال عامين فقط، ما أثر سلبًا على عدد كبير من المصانع دفعها للتعثر، وتراجعت معدلات إنتاجها، وتراجعت فرص العمل، وانتقل عدد كبير من عمال المصانع إلى طابور البطالة، بالإضافة إلى الخريجين الذين يبحثون عن عمل، الأمر الذى يزيد صعوبة المرحلة، ويزيد من المشكلات الاقتصادية فى مصر. فارتفاع الأسعار يرجع إلى تراجع الاقتصاد الذى يعانى أمراضًا عديدة أهمها البيروقراطية، والروتين، اللذان جعلا عددا كبيرا من المستثمرين يهربون من البلاد، ويكتفون بما لديهم من استثمارات، وتوقفوا عن زيادتها أو ضخ المزيد منها فى السوق المصرية.
الأمر الذى يُعوق تعافى الاقتصاد المصرى فى هذه المرحلة، هو الضربات المتوالية التى تعرضت لها السياحة، فأصابت الاقتصاد فى مقتل، إلى جانب التلاعب فى أسعار العملة الأجنبية التى دفعت بالدولار للقفز بشكل غير مبرر بالمرة، هذا بالإضافة إلى وجود عمليات استيراد عشوائية زادت من ارتفاع سعر الدولار، لذا فإننا نحتاج إلى قرارات حاسمة من حكومة المهندس شريف إسماعيل بإعادة فتح المئات من المصانع المغلقة التى تحتاج فقط إلى تعويمها، وهو ما يدفع للقضاء على البطالة بعودة العمال إلى مصانعهم مع استقرار صرف الدولار، وتشجيع الاستثمار بكل أشكاله، وتطبيق الضريبة التصاعدية، ووقف الاستيراد الاستفزازى لسلع ترفيهية لا نحتاجها، واستبدال أدوات الدين مرتفعة التكاليف بأخرى منخفضة التكاليف، وتعظيم الموارد وترشيد الإنفاق ومحاكمة المتلاعبين بالدولار والمضاربين فى أسعار السلع الغذائية، مثل أباطرة الأرز والسلع الأساسية. إن مثل هذه الإجراءات الحاسمة مهمة للتخفيف عن الشعب المصرى الذى يواجه ظروفًا معيشية صعبة تحتاج حلولًا عاجلة، منها على سبيل المثال، أن يكون دخل الفرد متساويًا على أقل تقدير مع الظروف الاجتماعية التى يعيشها بعد ارتفاع أسعار جميع السلع، خاصة السلع الغذائية التى لا يستطيع المواطن أن يعيش بدونها.
كلامنا هذا لا يعنى بالمرة إنكار مجهودات الدولة المهمة التى أجرتها العامين الأخيرين، حيث استطاعت القضاء على أزمات ثقيلة عاشها المواطن بشكل يومى، مثل القضاء على انقطاع الكهرباء، ونقص البوتاجاز، واستطاعت الدولة إنهاء ظاهرة طوابير الخبز، واختفاء طوابير السولار والبنزين، فضلًا عن المشروعات التنموية الضخمة التى دشنتها مثل مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع شرق التفريعة، ومشروع استصلاح واستزراع المليون ونصف المليون فدان، بالإضافة إلى الطفرة الكبرى التى تقوم بها الدولة حاليا فى مجال الإسكان الاجتماعى ومجال القضاء على العشوائيات بإنشاء أماكن بديلة آدمية لسكان العشوائيات. إن كل هذه المشروعات والأزمات التى استطاعت الدولة حلها من جذورها مأخوذ فى الحسبان، ونحن نطرح معوقات الاقتصاد المصرى، بل تعرضنا له لنقول إننا نحتاج فقط لإجراءات جريئة وحاسمة للقضاء على مافيا التلاعب بالاقتصاد المصرى. ولنكن مخلصين فى نصحنا لا بد أن تتطرق الدولة إلى وضع يدها على الاقتصاد الموازى الذى يعمل فى السر بعيدا عن رقابتها. فكل الإحصاءات والأرقام تقول إن هناك أكثر من ٤٠ ألف مصنع تتهرب من دفع ضرائب تتخطى قيمتها ١٥٠ مليار جنيه سنويا، هذه المصانع تعمل فى السوق بصورة غير رسمية على هامش الاقتصاد المصرى، ولا تلتزم بسداد أى رسوم أو حقوق عليها للبلد يجب توريدها للخزانة العامة للدولة.
وتضم هذه المصانع آلاف العمال لا يخضعون لرقابة الأجهزة المختصة، التى تلتزم بها قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات الشرعية، ويعد الاقتصاد الموازى ضربًا فى قوة الاقتصاد المصرى، فإذا استطاعت الدولة السيطرة على الاقتصاد الموازى الذى يعمل فى السر، فهى بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد، الأول، السيطرة على السوق وضمها لموازنة الدولة. والثانى، الحصول على حق الدولة من الضرائب ووضع العمال فى هذه السوق تحت مظلة الدولة. فالدول المتقدمة أو التى تريد أن تسير على الطريق الصحيح لا يمكن أبدا أن تكون لديها سوق موازية بهذا الشكل الضخم الذى ينافس بل ويتفوق أحيانا على الاقتصاد الرسمي. الحكومة تحتاج إلى جراح ماهر حتى يعيد الاقتصاد المصرى إلى طريقه الصحيح، وهذا الجراح سوف يجرى للاقتصاد المصرى جراحات بسيطة لكنها مشجعة لا يقوم بها إلا من يريد المواجهة مع أباطرة الاقتصاد الموازى وغيرهم من محتكرى السلع والدولار، وعلى الحكومة أن تلجأ إلى عمليات البتر النهائى حتى يعيش باقى الجسم سليمًا بدلًا من المسكنات التى لا تعالج، بل تساعد المريض على أن يشعر بالراحة لفترة وجيزة ثم يعود الألم مرة أخرى.