الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جنازة عبد الناصر.. نحيب هادر على ضفاف النيل "10"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نكمل اليوم مراسم جنازة الزعيم جمال عبد الناصر..
أقلعت الطائرة الهليكوبتر رقم ١٠٢٩ تحمل جثمان جمال عبد الناصر فى رحلته الأخيرة! 
وخلفها أقلعت طائرتان أخريان..
وبدأ مشهد مدينة قصر القبة كأنه سرادق مأتم. فقد بدأ جنود الحرس الجمهورى يتساقطون على أرض الحديقة وعيونهم معلقة على الهليكوبتر التى تحمل جثمان الرئيس.. وأغمى على عدد كبير منهم.
ثم شهدت السماء مشهدًا أكثر حزنًا! 
فقد حلقت الطائرة التى تحمل جثمان الرئيس فى دورتين فوق منزل الرئيس وقصر القبة.
ثم أخذت طريقها نحو أرض نادى الجزيرة.. وهناك أخذت تحلق على ارتفاع منخفض، يتصاعد إليها صراخ الجماهير ونحيبهم الهادر. وارتفعت أيادى عشرات الآلاف من المصريين تلوح بالمناديل البيضاء للطائرة التى تحمل جثمان حبيب الملايين.
وكان هتاف الملايين: ناصر.. ناصر.
وهبطت الطائرة..
وكانت فى انتظارها سيارات إسعاف وست سيارات جيب.
وحمل الجثمان إلى عربة الإسعاف الأولى.. وفى العاشرة تمامًا بدأ الموكب يتحرك، تتقدمه الدراجات البخارية مخترقًا شارع النيل وميدان سعد زغلول إلى مبنى مجلس قيادة الثورة.
وفى تلك اللحظة..
حلقت ثلاثة أسراب جوية فى تشكيل رباعى على ارتفاع منخفض. وكانت الجماهير لا تزال تصرخ فى هدير حزين: ناصر.. ناصر.
كانت منطقة الجزيرة منذ الصباح الباكر.. ومن مدخل كوبرى قصر النيل حتى مبنى قيادة الثورة قد امتلأت بعشرات الآلاف من المصريين والآلاف من باقات الزهور تلفها الشرائط السوداء. 
ومن داخل مبنى قيادة الثورة..
وعبر مكبرات الصوت ارتفعت أصوات المقرئين مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وغيرهما وهم يتلون آيات القرآن الكريم..
كان المشهد شديد الرهبة والجلال..
وعلى الناحية الأخرى من ضفة النيل، لم تكن فى الاستطاعة رؤية شبر واحد من الأرض خاليًا.. وكأن مصر كلها قد احتشدت لتوديع ابنها العظيم.
وفوجئ رجال الأمن فى مجلس قيادة الثورة بحوالى مائة شاب أمام المبنى.. وعندما سألوا كيف استطاعوا تخطى الحواجز والموانع.. قالوا إنهم باتوا ليلتهم فوق رءوس أشجار حديقة الحرية.. ليكونوا فى انتظار جثمان عبد الناصر.
لحظات حزن لا توصف..
فى الساحة الداخلية لمجلس قيادة الثورة.. كانت الورود الحزينة فى كل مكان.. يطل عليها مكتب عبد الناصر الذى قضى فيه السنوات الأولى للثورة. 
وهناك..
كان محمد حسنين هيكل واقفًا يمسح دموعه التى لا تريد التوقف. وأخيرًا وصلت سيارة الإسعاف التى تحمل الجثمان.. وعندما فتحت أبوابها وتقدم رجال الحرس الجمهورى لحمل النعش.
امتدت نحوه مئات الأيدى..
وكانت لحظة بكى فيها الجميع..
ضباط الحرس.. أعضاء الوفود العربية.. مدير مكتب الرئيس. حارسه الخاص.. عشرات غيرهم.
وتدافع الجميع لنقل النعش الملفوف بعلم مصر.
وفقد الجميع سيطرتهم على أنفسهم..
ألقوا بأنفسهم على المنصة التى وضع النعش عليها..
نحيب.. وصراخ.. بكاء.. ولوعة.. وأسى.
وفى نفس اللحظة، كان أنور السادات وعلى صبرى وزكريا محيى الدين يجاهدون لاختراق كتل البشر المتلاطمة التى ملأت الساحة فجأة حتى يصلوا إلى مكان النعش.. وكذلك فعل الرئيس جعفر النميرى ومعمر القذافى والأسقف مكاروس وكوسيجنى رئيس الوزراء السوفييتى وياسر عرفات.
ثم بدأت محاولات مضنية لإفساح الطريق أمام عربة المدفع لتصل إلى مكان النعش..
لكن العربة لم تستطع سوى الوصول إلى مكان يبعد ثلاثة أمتار عن مكان النعش.. واندفع ضباط الحرس الجمهورى يحملون النعش ويضعونه على عربة المدفع.. التى اصطف على جانبيها حرس الشرف بنحو أربعين ضابطًا برتبة لواء.
وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتثبيت النعش فوق العربة احتياطًا.. وسط محاولات الملايين حمل النعش فوق أكتافهم.
وفى خارج مبنى مجلس قيادة الثورة..
اصطف الملوك والرؤساء الذين حضروا للمشاركة فى وداع عبد الناصر .. الوداع الأخير. 
وأعطى الفريق سعد الدين متولى، كبير الياوران، إشارة بدء تحرك الجنازة.
وكانت قد أعطيت أوامر لجميع مواقع السلام فى أنحاء مصر بأن تطلق فى نفس هذه اللحظة ٢١ طلقة.. ما عدا مدفعية السلام فى القلعة التى أطلقت ١٠١ طلقة، ومثلها مدفعية السلام الخاص بالأسطول البحرى فى الإسكندرية.
وتحركت عربة المدفع التى تحمل نعش الرئيس جمال عبد الناصر..
وخرجت من بوابة مبنى مجلس قيادة الثورة.. وتوقفت أمام الرؤساء والملوك الذين كانوا فى انتظارها. وأمامهم كان يقف أبناء الرئيس وإخوته خلف عربة المدفع.
وبدأ الموكب المهيب..
وتحركت العربة لتخوض فى بحر متلاطم من عشرات الآلاف من المصريين.
وتعالت الأصوات الحزينة الباكية: الله أكبر.. الله أكبر..
وتزايد تدافع الآلاف فى الطريق الضيق.. وكان واضحًا استحالة أية إمكانية لتحرك الجنازة الرسمية. رغم كل الترتيبات.
وكان لا بد من صدور قرار بأن تتوقف الجنازة عند ميدان سعد زغلول. وأن يكون العزاء عند نهاية سور مبنى مجلس قيادة الثورة.
ولم تقطع الجنازة سوى عشرة أمتار فقط!
وكان الإرهاق قد تغلب على أنور السادات.. وبدأ العرق يتصبب بغزارة على وجهه، فطلب من مرافقيه العودة إلى مبنى مجلس الثورة، وسار بضع خطوات.. ثم شعر بهبوط، فحمله أحد المرافقين قبل أن يحضر أحدهم مقعدًا ليجلس عليه.
وأعطى السادات قرصًا منشطًا للقلب والشرايين، ثم نقل بمقعده إلى مكتب أركان حرب مبنى مجلس قيادة الثورة.. ورافقه جعفر النميرى وطبيبه الخاص الذى فحصه، وتبين أنه يعانى من هبوط.