الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

الوجه الآخر لآلهة العنف| "16" صفوت عبدالغني.. قاتل رفعت المحجوب وفرج فودة

صفوت عبدالغنى
صفوت عبدالغنى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لو كتبوا مئات الكتب عن صفوت عبد الغنى، ما استطاعوا أن يصفوا ما وراء تلك الشخصية مثلما سأكتب وأحكى، لأننى كنت الأقرب له فى فترة الدراسة بالجامعة، وكنت معه لفترة ليست بالقصيرة فى شقة بعزبة شاهين، بمحافظة المنيا، وكنت شاهدًا معه على أخطر الأحداث التى مرت بحياته. عرفت صفوت أحمد عبدالغنى فى بداية عام 84، كان ساعتها خارجًا لتوه من السجن الذى قضى فيه حوالى 3 أعوام فى قضية قتل السادات.
كان صفوت صغيرًا ساعتها وتعرف على كرم زهدى، وعن طريقه أصبح من أشبال الجماعة، الذين تم تجنيد بعضهم فى مجموعات سرية مسلحة، كانت ستقوم بالسيطرة على مديرية أمن المنيا، لذا حكم عليه بـ٣ أعوام سجنًا، انتهت فى عام ٨٤.
صفوت كان فى المرحلة الثانوية، والحقيقة أنه كان متفوقًا، ودخل ساعتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وسألته لماذا لم تكمل الدراسة بها؟ فقال لى: بسبب السجن.
دخل صفوت إلى كلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية، وفى عام ٨٤ كان فى السنة الثانية، وحتى انتهاء دراسته منها كان يحصل على تقدير جيد جدًا كل عام.
ما زلت أذكر صفوت وهو يبدأ أولى الخطوات لإعادة بناء الجماعة الإسلامية بالصعيد، داخل الجامعة، وتقريبًا هى الطريقة المعتادة، التى يتم استخدامها دائمًا (الخروج بعد الصلاة فى مسجد الجامعة وقراءة حديث نبوى من رياض الصالحين، ثم الانصراف مباشرة، وبعد عدة أيام حينما مر الأمر أمنيًا بدأ صفوت فى شرح الحديث، وبعد عدة أيام ترك الحديث وبات يلقى موعظة فى الرقائق والترغيب والترهيب، والحديث عن الجنة والنار، حتى انتهى الأمر للحديث آخر العام عن العمل الجماعى، وضرورة الجهاد فى سبيل الله).
أصبح درس صفوت عقب الصلاة بمسجد الجامعة يجذب المئات من الشباب، وكان عقب الدرس يقوم بعمل حلقة تلاوة، ثم التعرف على الحضور، والتواصل معهم عقب انتهاء اليوم الدراسى، بمساكن الطلبة.. صفوت كان خطيبًا مفوهًا لا يضاهيه أحد من زملائه، وقد تبين ذلك فى مرافعته الشهيرة فيما بعد فى قضية اغتيال رفعت المحجوب، حينما قام وترافع عن نفسه، فى مرافعة مسجلة بالفيديو ومتداولة حتى الآن، لمدة ٣ ساعات كاملة، أطلقوا عليها مرافعة القرن، وساعتها أثبت للقاضى جواز الخروج على الحاكم، ونقل أعضاء الجماعة، «أن القاضى قال له يا صفوت يا ليت ابنى يعرف يتكلم مثلك».
وقام المحامى الدمرداشى العقالى بالدفاع عن صفوت، ولم يتم الحكم بالإعدام على المتهمين، وصدر حكم بالسجن لصفوت ٥ أعوام فقط، رغم أن ٦ من زوجات المتهمين أكدن فى التحقيقات أن أزواجهن هم من قاموا بالحادث، فضلًا عن الأدلة الأخرى، ونهض أحد المتهمين وهو محمد النجار، وأنشد أبياتا فى المحكمة تحمل عنوان (غرباء) وأنشدها من خلف القضبان، فبكى الأستاذ أحمد هلال محامى المتهمين بحرارة.
ومن المفارقات أيضًا أن المتهم الثانى فى تلك القضية صفوت عبد الغنى الذى قد حكم عليه بخمس سنوات سمح له أمن الدولة، بعد مبادرة وقف العنف بالحصول على الدكتوراه، وحصل عليها مع مرتبة الشرف حول التعددية السياسية فى يوم ٩/١٢/٢٠٠٧ أثناء قضائه فترة الحكم، وقد أشرف عليها الوزير الأسبق والفقيه الدستورى ونائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل، وكان أيضا فى الحضور د. أحمد زكى يمانى وزير البترول السعودى السابق الذى دعاه د. يحيى الجمل لحضور المناقشة، مع د. محمد سليم العوا الكاتب.
صفوت كان أول من قام بعمل طوابير تغيير المنكر فى الجامعة، وكان لا يسمح مطلقًا بأى اختلاط بين الطالبات والطلبة، ولو تتطلب ذلك استخدام القوة، كما لم يسمح بعمل حفلات داخل الحرم الجامعى، أو حتى دخول فرق جماعة الإخوان بالدفوف.
كان صفوت يقوم بتحطيم محلات الخمور بالمنيا، واعتراض الحافلات التى تقل الطلبة إلى أى رحلات للغردقة، أو للأقصر أو أى مدينة أخرى، ويعتبرها جريمة، وفى مرة لا أزال أذكرها، أثناء مظاهر عارمة داخل الجامعة، جاء شاب وفى يده فتاة، وبينما صفوت يلقى كلمة، قال له الشاب إخوانك ضربونى لأنى أمشى مع هذه الفتاة رغم أنها أختى، وهذه هى شهادة الميلاد!
أدت مثل هذه الأمور، إلى تدخل الأوقاف والأزهر بتنسيق مع أمن الدولة، وعقدت ندوة كبيرة بين الشيخ محمد سيد طنطاوى، ممثلًا عن الأزهر، والدكتور محمد على محجوب ممثلًا عن الأوقاف، وصفوت عبد الغنى ممثلًا عن الجماعة، بمسجد الجمعية الشرعية بالمنيا، وساعتها لم يعط صفوت للمشايخ أى فرصة للرد، فهو لديه براعة غريبة فى مثل هذه المناقشات.
أذكر أن صفوت أحرج قائد السلفيين إبراهيم زكريا فى مناقشة عامة حضرها الآلاف حول تكفير الحاكم، حينما تكلم فى البداية، ولما انتهى وبدأ زكريا الحديث قال له: «كلامك فى الصفحة اليمنى أم اليسرى من كتاب مدارج السالكين لابن القيم»، فلما تلجلج زكريا، قام صفوت وانصرف على الفور، وقال له ذاكر أولًا، رغم أن إبراهيم زكريا معروف أنه يحفظ أمهات الكتب.
قاد صفوت مناقشات الجماعة مع الأزهر أيضًا فى مسجد آدم بعين شمس، فقد انتقل للقاهرة، بعد طلب القبض عليه بالمنيا، وأصبح هو لدى الجماعة أميرًا للتنظيم بالقاهرة، واشتعلت الأحداث فى أغسطس من عام ١٩٨٨م بهذه المنطقة، وكان يقوم بالخطابة وتوجيه الشباب هناك فى منطقة عين شمس، أثناء قيادة زكى بدر لوزارة الداخلية أيامها، وتم إغلاق منطقة مصطفى حافظ وشارع آدم، وتم ضم مسجد آدم بحى عين شمس إلى وزارة الأوقاف، وحدثت مواجهات دامية بين الجماعة الإسلامية والدولة متمثلة فى أجهزة الأمن فى ذلك الوقت، راح ضحيتها العشرات، وأصيب ضابطان وأربعة جنود، وتوفى الضابط محمد زكريا متأثرًا بإصابته بحجر فى رأسه، قذفته به سيدة من أعلى سطح منزلها، كما أحرق الأهالى سيارتين للشرطة انتقامًا للاعتقالات التى قامت بها الشرطة ضد مواطنى المنطقة.
قبل هروب صفوت للقاهرة، كان يعيش بمنطقة أبوهلال بالمنيا، هو وشقيقه عبدالغنى، وأمه العجوز، التى كانت تنفق عليه وعلى إخوته وهو طالب، ولما توفيت تأثر بموتها، وموت شقيقه تأثرًا بالغًا.
فى مرة كان يجلس فى شقة عزبة شاهين، وكان بيده شريط مسجل اسمه (لا لمبارك) تحدث فيه طلعت فؤاد قاسم، وناجح إبراهيم، وكرم زهدى، فرأيته وهو يبكى، فلما سألته قال: «تأثرت بما قاله الشيخ ناجح»!!
الغريب أن صفوت كان يذهب للجامعة من السابعة صباحًا ولا ينصرف إلا بعد صلاة المغرب، وأذكر أننى سألته، فقال لى إن أهل الباطل يبذلون المجهود من أجل ما يقتنعون به، ألا تريدنى أن أبذل مجهودًا من أجل الحق.. كان صفوت لا يتصور قيد (أنملة) أنه يمكن أن يكون على باطل، وكان يحب ناجح وكرم جدًا لكنه بعد الثورة انقلب عليهما، وقاد انقلابًا كبيرًا داخل الجماعة، أدى إلى استقالتهما، وتولى عصام دربالة قيادة التنظيم.
فى عام ١٩٩٠ تم اغتيال المتحدث الرسمى باسم الجماعة علاء محيى الدين فى الطالبية بالهرم، واتهمت الجماعة وزير الداخلية عبدالحليم موسى بقتله، وقررت الانتقام، وخطط صفوت وممدوح على يوسف للعملية، ونصبا كمينًا للوزير لكن شاء الله أن يمر موكب رفعت محجوب، رئيس مجلس الشعب وقتها، بدلًا منه فوقع فى الكمين وقتل.
تم القبض على صفوت، فاعترف أن للجماعة حوالى ١٢ مجموعة عسكرية، وأثناء اعتقاله بالقضية أخرج أمرًا بقتل فرج فودة، وضعه فى ورقة صغيرة بعلبة كبريت، خرجت من سجن طرة مع أحد المحامين. اتهم صفوت بالتحريض على قتل فرج فودة، وظهر فى المحكمة، لكنه بعد أشهر، وأثناء ترحيله لسجن المنيا عام ١٩٩٢ لأداء الامتحان فى السنة الرابعة من كلية الآداب، وبينما الضباط ينزلون سجينًا لبنى سويف، قام رمضان جمعة بشغل الضباط حيث هرب وجرى، بينما هرب صفوت للناحية الأخرى، وتمكن من فك الكلابشات الحديدية باستخدام قلم جاف، ثم دخل لصالون حلاقة وحلق لحيته، وبعد عدة أشهر ظهر فى مؤتمرات وندوات الجماعة، حتى تمكن الأمن من القبض عليه مرة أخرى.
استمرت فترة هروبه حوالى ٤ أشهر حتى تم إلقاء القبض عليه، ويقال إن شخصًا من قيادات الجهاد يدعى محمود السيسى كان مكلفًا بترتيب خروجه خارج البلاد، هو من أرشد عنه، وفوجئ صفوت أثناء مقابلته له على كوبرى بكورنيش النيل ببنها بوجود قوات الشرطة التى ألقت القبض عليه. 
خمس سنوات فى قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب، وذلك بحكم محكمة أمن الدولة العليا طوارئ فى ١٥ مايو ١٩٩٣.
قضى صفوت حكمه فى قتل رفعت المحجوب، وحصل على البراءة فى قضية فرج فودة، وبعد أن أطلقت الجماعة مبادرة وقف العنف، فوجئ الجميع على غير المتوقع أن صفوت كان أول من أيدها.
أنا سمعت بنفسى اللواء أحمد رأفت وهو يقول: «صفوت دا حبيبى، وكنت أجلس معه بالعشر ساعات فى المكتب، لذا سأفرج عنه، فاكر يا صفوت لما أخرجت خطة قتل فرج فودة فى علبة كبريت».
تمت مساعدة صفوت للحصول على الدكتوراه، وتم إعطاؤه شقة، وقطعة أرض بشمال سيناء، كما تم التنسيق لتعيينه بجامعة سيناء الخاصة، وأفرج عنه فيما بعد، وظل ممسكًا بمبادرة وقف العنف حتى قامت الثورة، فقاد انقلابًا تمت بموجبه إقالة كرم زهدى وناجح إبراهيم من الجماعة.
تفسيرى بحسب معرفتى به، أن صفوت طموح للغاية، وهذا الطموح أودى به إلى مركز قيادة الجماعة، وأنه يمكن أن يطيح بالجميع من أجل أن يتولى الإمارة، وبالفعل قام بعمل تنظيم داخل التنظيم من المقربين منه، وكلهم كانوا معه فى قضية رفعت المحجوب، ومنهم علاء نصر وغيره، وبعد الثورة كان هؤلاء هم من يسيطرون على التنظيم بالكامل.
فوجئنا أيام الإخوان أن مرسى أصدر قرارا بتعيين صفوت عبد الغنى عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية ضمن المعينين بمجلس الشورى، باعتباره من قيادات حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، كما وعده الإخوان أن يجعلوه وزيرًا.
وظهر عبد الغنى فى الكثير من المقابلات التليفزيونية هو وعلاء أبو النصر الأمين العام لحزب البناء والتنمية فى برامج التوك شو.
وعقب عزل الإخوان سربت الجماعة خبرا لوسائل الإعلام أن صفوت عبد الغنى هرب إلى تركيا هو وعائلته، وفى نفس التوقيت تقريبا كان يستعد هو وخمسة من قادة الجماعة للهرب ناحية السودان، وعلى الحدود تم القبض عليه، فقدم للضابط مليون جنيه كى يتركه يهرب لكن الضابط رفض، وهذا مسجل فى المحاضر، حيث تم تحريز هذه الأموال، التى أشار البعض إلى أن صفوت حصل عليها من جماعة الإخوان فى بعض المراسلات التى دارت بينه وبينها فيما بعد.
أودع صفوت السجن حتى الآن، كما تم القبض على ابنه محمد، وهو ابنه البكر من زوجته الأولى، فيما تبذل الجماعة قصارى جهدها للإفراج عنه، لأنه بالفعل الشخص الوحيد القادر على إمساك الجماعة، وهو من يعرف مداخل التمويل، والعناصر الكامنة، وهو من لديه القدرة على إعادة بنائها من جديد.
عقب موت عصام دربالة، وإيداع صفوت سجن العقرب، تتفاوض الجماعة سرًا مع الأمن للإفراج عن صفوت، وأعتقد أنه سيأتى هذا اليوم الذى سيخرج قاتل المحجوب وفودة ليقود التنظيم، فانتظروه فقد حان...