الخميس 26 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اليوم الأخير لناصر.. الأسطول الأمريكي يتحرك "7"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نكمل اليوم تفاصيل مجزرة الأردن أمام الصحفى الأمريكى «جون بيولوشي» فقد كان فى عمان وكتب تقريرًا صحفيًا يقول فيه:
لقد حولت المعارك ضد الفدائيين مدينة عمان المزدهرة الجميلة إلى مدينة للجثث والجماجم والقحط والمجاعة والرعب أيضًا.
طلقات النيران كانت مستمرة، وأنا فى طريقى خارج المدينة مع أول مجموعة من الصحفيين الأجانب تغادر عمان.. مئات المبانى انهارت.. ومئات أخرى احترقت عن آخرها.
القتلى بالمئات فى الشوارع.. والجرحى يصرخون طلبًا للنجدة دون مجيب!.
ولا أحد يستطيع أن يقدر بدقة عدد الجرحى الذى وصل الى ١٥ ألفًا بعد تقدير قريب من الدقة.
والأهالى لا يجدون الطعام.. وإذا خرجوا يطلبونه تصرعهم الرصاصات المنطلقة فى كل جانب وإذا نجوا من الرصاص وجدوا محلات الطعام قد نهبت فهى خاوية تمامًا.
لا كهرباء.. لا ماء.. لا طعام.
وخطر الأمراض ينتشر. والأوبئة قد تهاجم الأردن فى أى وقت، والفدائيون ما زالوا فى أول مكان، إنهم يقاتلون بشجاعة وعنف وشراسة، رغم وجود بندقية ١٠٦ مللى فى أيدى جنود الحكومة، الفدائيون يسيطرون تمامًا على المناطق الوسطى من عمان، ذخيرتهم كافية، والكثيرون منهم وضعوا مناديل على وجوههم حتى يغيروا رائحة الموت فى عمان.
والمدفعية مستمرة ليلاً ونهارًا..
إنها تملأ الجو دمارًا بالنهار.. وتشعله نارًا بالليل!
كانت أحداث عمان بالفعل جرحًا عربيًا داميًا..
ولم تكن هذه فقط هى كل خطورة الوضع.. فقد كان الشرق الأوسط يشهد فى نفس الوقت أحداثًا أخرى كان لها مغزاها ومعناها.. وخطورتها أيضًا..
فقد أقلعت من إسرائيل طائرة تحمل رئيسة الوزراء جولدا مائير إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتطلب شحنات جديدة من الأسلحة الأمريكية لمواجهة ما أسمته «خطر القوة العربية المحتملة».
والتقت جولدا مائير الرئيس الأمريكى نيكسون ووزير خارجية ويليام روجرز، وقالت الخارجية الأمريكية إن اللقاء خصص لبحث «الموقف المتفجر فى قناة السويس وخط المواجهة مع العدو مصر».
وشارك الكثيرون: هل كان تفجير الأحداث فى الأردن محاولة أو مؤامرة لتوريط مصر فى حرب أخرى؟
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تحريك أسطولها وقواتها الجوية المحمولة لتأييد موقف إسرائيل، وإذا لزم الأمر بالتدخل الفعلى فى عملية عسكرية لضرب المقاومة الفلسطينية وتصفيتها بالتنسيق مع القوات البريطانية فى قبرص التى وضعت فى حالة تأهب.
وفى نفس الوقت..
عقدت الحكومة الإسرائيلية سلسلة اجتماعات وحشدت إسرائيل قواتها على الحدود، تحسبًا لكل ما يمكن أن يطرأ فى أحداث الأردن، وأن ترجح كفة على أخرى، بما ليس فى صالح إسرائيل!
وكانت أبعاد هذه الصورة واضحة بكل تفاصيلها عند جمال عبد الناصر. وكان فى البداية حريصًا على الحفاظ على الأردن بعيدًا عن الأحداث.. وخاصة حلف بغداد، كان حريصًا على الحفاظ على الكيان الأردنى والأرض الأردنية، وعندما تفجرت الأحداث والحوادث فى عمان، لم يملك عبد الناصر سوى أن يعطى كل فكره وجهده لموقف القتال فى الأردن، وإنقاذ الرجال والنساء والكبار والأطفال فى مواجهة الموت.
وتجسد الضمير العربى فى مؤتمر القاهرة للملوك والرؤساء العرب لإنقاذ الموقف اليائس..
وكان عبد الناصر قد قطع إجازته فى اليوم الثانى فى مرسى مطروح. وعاد إلى القاهرة، وكان يذهب إلى مطار القاهرة لاستقبال الملوك والرؤساء القادمين.
وكان يعقد اجتماعات ثنائية مطولة مع كل ملك ورئيس عربى.
كان يكتب الرسائل إلى الملك حسين ينبهه فيها إلى خطورة استمرار القتال.
وكان يتابع فى نفس الوقت وكل ساعة التقارير عن آخر تطورات الأحداث فى عمان.
وكان كل ما يشغل عبد الناصر ضرورة ألا يقتل إنسان سواء فى المقاومة أو من الجيش الأردنى أو من الشعب الأردنى، كان يريد إنقاذ الجرحى والثكالى.
وكان لا يفتأ يردد نفس العبارة: المهم أن يوقف القتال فورًا.
ولم تكن محادثات مؤتمر القاهرة سهلة على الإطلاق.
لكن جمال عبد الناصر تمكن بعد جهد شاق سريع من أن ينقذ الموقف.. وأن يوافق الملك حسين وأن يوافق ياسر عرفات.. وأن تتكون لجنة عربية برئاسة باهى الأدغم.. ولجنة إغاثة برئاسة الملك فيصل.
بل إن جمال عبد الناصر أمسك ورقة وقلما وبدأ يضع تخطيطًا لعمل اللجنة التى سافرت إلى الأردن.. ويحدد ميزانيتها وطريقة عملها.
ووضع جمال عبد الناصر القلم..
وذهب إلى مطار القاهرة ليودع الملوك والرؤساء العرب.
وجاءت النهاية.
بعد أن قام بتوديع أمير الكويت!
كانت الصحف المصرية قد ظهرت صباح يوم ١٨ سبتمبر ١٩٧٠ وهو نفس اليوم الذى توفى فيه الرئيس جمال عبد الناصر تحمل العناوين التالية:
«نجح مؤتمر القاهرة فى حقن الدماء العربية».
«وقع الرؤساء اتفاق القاهرة فى الساعة التاسعة من مساء أمس».
«إنهاء كافة العمليات العسكرية فى الأردن».
«لجنة متابعة تنفيذ اتفاق القاهرة تسافر إلى عمان».
وقالت الصحف:
نجحت اجتماعات القاهرة التى رحب بها رائد العروبة الرئيس جمال عبد الناصر.. عندما اعترضت تونس أن تكون القاهرة مقرًا لها، ثم أسس توقيع اتفاق القاهرة من الملوك والرؤساء الذين تابعوا اجتماعاتهم ٧ أيام متصلة.
الاتفاق مكون من ٢٤ بندًا، وينص على إنهاء كل العمليات العسكرية فى الأردن، وانسحاب كل القوات المسلحة الأردنية والقوات الفدائية من عمان، وإطلاق سراح جميع المعتقلين من الجانبين، وتكوين لجنة عليا لمتابعة التطبيق.
وكانت اجتماعات الملوك والرؤساء قد بدأت صباح أمس بعد وصول الملك حسين إلى القاهرة، وعقد الرئيس جمال عبد الناصر أكثر من اجتماع مع العقيد معمر القذافى والرئيس جعفر النميري وياسر عرفات، قبل الاجتماع المغلق للرؤساء الذى بدأ فى الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، واستمر حتى الرابعة مساء. وتكلم فى هذا الاجتماع كل من الملك حسين وياسر عرفات، وعرض كل منهما وجهة نظره فى الأحداث، ورأيه فى طريق الوصول إلى حل، وتدخل الرئيس جمال عبد الناصر فى المناقشات أكثر من مرة، ومنع تشعبها حتى يمكن أن تحقق الهدف الأولى، وهو حقن الدماء الفورى، وإنهاء الوضع القائم فى الأردن فى أسرع وقت.
ثم استؤنف اجتماع الرؤساء المغلق فى الساعة السابعة مساءً.. وتم البدء فى إعداد صياغة الاتفاق.
وكان راديو عمان قد أذاع فى الساعة السادسة بتوقيت القاهرة بيانًا من الحاكم العسكرى العام، بأنه استجابة لتوجيه الملك حسين، طلب من الحكومة إعادة التوكيد على وقف إطلاق النار فى كل المناطق، وكرر الحاكم العسكرى فى بيانه تأكيده على ضرورة التزام جميع رجال القوات المسلحة والأمن العام بوقف إطلاق النار بشكل مطلق.
وقال مؤيد عمانى إنه وردت برقية من الملك حسين إلى نائب الملك وولى العهد تضمنت أن الاجتماع الأول للملوك والرؤساء العرب عقد فى جو من الأخوة والتفاهم والإيجابية، وأن عشرة ضباط سعوديين سيصلون إلى عمان للانضمام إلى بقية أعضاء اللجنة العسكرية العربية الذين وصلوا عمان فى الصباح.
وفى نفس الصحف ظهرت عناوين تقول:
«الملوك والرؤساء يعودون إلى بلادهم»..
«غادر القاهرة مساء أمس الرئيس الليبى معمر القذافى».. «من المقرر أن يغادر القاهرة صباح اليوم الرئيس اللبنانى سليمان فرنجية..
ثم الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية.. ثم الرئيس السودانى جعفر النميرى.. ثم أمير الكويت!