كتبت من قبل مُطالبًا وداعيًا إلى إعادة قراءة التاريخ الإسلامى بوعى مُحايد، خاصة تلك الحوادث التي اختلطت بالإسلام نفسه وصارت ضمن أحكامه. قُلت إن خطورة تجميل أعمال وسياسات الصحابة والخلفاء الراشدين تحديدًا باعتبارها الإسلام الصحيح تكمن في تلويث المُقدس بسلوك البشر، خاصة أن الصحابة أنفسهم عليهم رضوان الله جميعًا اختلفوا فيما بينهم في كثير من أمور الدُنيا.
من هُنا يجب النظر لحروب الردة والفتوحات الإسلامية وأحداث الفتنة الكبرى والخلافات حول اختيار الحاكم باعتبارها أمورًا دُنيوية بحتة، لا علاقة لها بالدين، الذي أطلق حرية الفرد في الاجتهاد فيما يخص أمور السياسة.
ولاشك أن ذلك يُبرهن بقوة وبوضوح على علمانية الدين الإسلامى، تلك المقولة التي جهر بها يوما توفيق الحكيم فحاربه المحاربون وكفره المكفرون، ومعنى ذلك أن الإسلام أقر بفصل أمور السياسة تماما عن الدين، وتفضيله لاختيار الحاكم القوى العادل، الذي قد يكون فاسقًا، على الحاكم الضعيف حتى لو كان مُتدينًا.
إن علم التاريخ الصحيح يجب أن يفصل تمامًا بين أفعال العباد وأحكام رب العباد، فكثير من الخلفاء ألبسوا أفعالهم وسياساتهم رداء التقديس، وكُنا نرى البعض يساوى بين الناس في المنح والعطايا باعتبار أن ذلك هو حكم الإسلام بينما يفاضل آخرون بين الناس بعضهم البعض ويرون أن ذلك هو الإسلام. نفس الأمر فيمن يتولى الخلافة فالبعض أخرج كُل من هم ليسوا من قريش، وهكذا لويت النصوص، ووضعت الأحاديث لدعم سياسات ومواقف أشخاص بعينهم، وهو ما مثّل اختطافًا للإسلام من قبل أهل الحُكم ورجال السياسة.
ولاشك أن معضلة ما يعرف بالإسلام السياسي التي تضرب مجتمعاتنا الآن تعود في الأساس لمأساة كتابة التاريخ الخاطئة، التي مزجت بين الرجال والنصوص، وخلطت بين السياسة وأحكام الدين.
وتصورى، أن كتابة تاريخنا ترس هام في مواجهة أفكار الانقلاب والثورات وإشاعة الفوضى التي بدأت تسود، وأدت إلى ميلاد ميليشيات وعصابات دموية شوهت الدين، ورصّت شواهد القُبح إلى جوار بعضها تحت لافتة نصر دين الله.
تلك حلقة يجب الالتفات إليها، فالتاريخ هو وعاء الثقافة العربية، وتنقيته، ومحو القداسة عن رجاله، مع كامل تقديرنا واحترامنا للصحابة، ضرورة في زمن تحديث الإسلام، ورده إلى أصوله الداعية للخير والمنتصرة لمصالح العباد وسلامهم.
والله أعلى وأعلم.