السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شعب هستيري في عيادة طبيب نفسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكأننا لا نعرف أنفسنا جيدًا، لا ننظر فى مرآتنا كل صباح، ننكر ملامحنا، ولا نقر لمن يواجهنا بحقيقتنا. 
تعجبنا بشدة من مسلسلات رمضان وبرامجه، تساءلنا بعفوية وبراءة، عن كل هذا العنف، وكل هؤلاء المعقدين نفسيًا، وكل هؤلاء الغارقين فى بحر الخرافة، وكل هؤلاء التائهين بلا طريق، ضباط داخلية بلا قلب، تجار سلاح ومخدرات، داعرات وقوادون، متآمرون فى كل مكان؟.
نشاهد كل ذلك بشغف ولهفة، وبعد أن ننتهي منها نقول: هل هذه مصر؟ نتحسر على ما جرى، ونتهم الذين وضعونا وجهًا لوجه أمام حقيقتنا بأنهم يشوهون مصر، ويسيئون إليها. 
أخرجوا مصر من الموضوع نهائيًا، لا تقتربوا منها، ولا تتحججوا بها، ولا تجعلوا منها ساترًا يحول بيننا وبين أن نرى واقعنا وما وصلنا إليه. 
ستقول لى الدراما تبالغ، فكل هذا السقوط الذى نراه ليس موجودًا فى الحقيقة، أو على الأقل ليس موجودًا بهذه الصورة، سأوافقك تمامًا، ولن أتحجج بأن الدراما لا تنقل الواقع كما هو، تزيد هنا بعض الشىء، وتنقص من هناك بعض الأشياء، تسعى وراء الحبكة والتشويق، تبتز مشاعرك أحيانًا، وتدغدغ غرائزك أحيانًا، المهم أن تحولك إلى رقم تستفيد منك بعد ذلك، فأنت لست إلا مشاهدًا تزيد حصيلة الإعلانات للقنوات التى تعرض المسلسلات، حتى تتمكن من شراء المسلسلات، عملية تجارية بحتة أنت فيها مجرد زبون. 
لكن هل تريد الحقيقة القاسية، الدراما لا تبالغ فيما تقدمه، ورغم أنها تلجأ إلى الخيال أحيانًا، إلا أن ما نقترفه فى الحقيقة يتجاوز الخيال بمراحل، وإلا قل لى من هم الذين يرتكبون كل هذه الجرائم؟ من يتسبب فى كل هذا الفساد؟ من خلف وراءه كل هؤلاء الفقراء والمحتاجين والضائعين؟..الواقع فعليًا أكثر قسوة من الدراما، أكثر عنفًا، وأكثر انحطاطًا، وأكثر ضياعًا. 
هل تتعجبون من كل هؤلاء المرضى النفسيين على الشاشة؟.
كلنا مرضى نفسيون حتى لو ثبت العكس بالمناسبة.
كلنا ضحايا أوهام كثيرة، نعتقد أننا قادرون على الانتصار، رغم أن الهزيمة تنتظرنا طوال الوقت فى آخر الطريق، وبدلًا من أن ننظر فى أنفسنا، نبحث عن تعويض لعجزنا وفشلنا عند الآخرين. 
ليس عليك إلا أن تبحث عن نفسك فى أبطال الدراما، هؤلاء الذين أعلنت غضبك عليهم، ليس لأنهم يشوهون صورتك، ولكن لأنهم ببساطة شديدة كشفوك أمام نفسك، تسمع منهم أحيانًا ما تقوله أنت بينك وبين نفسك، يتصرفون كما تتصرف، ولأنهم فاسدون كما نحن، فإننا لا نطيقهم أبدًا، نرجمهم حتى نقول لأنفسنا إننا الأجمل والأنقى والأفضل والأكثر أخلاقًا. 
لا تخدعوا أنفسكم، اعترفوا أنكم هؤلاء جميعًا القوى المتجبر والعاجز، الصالح الذى يشعر بالغربة والفاسد، الساذج والمتآمر، المعقد نفسيًا والمقبل على الحياة، تاجر المخدرات وتاجر السلاح، ومن يحلم بتغيير العالم إلى الأفضل، المنحرفة والمغلوبة على أمرها، الضائع بلا هدف، والذى يعافر فى الحياة.
هذه هى حياتنا تمامًا، عيشوها كما هى، ولا تتمردوا عليها، ولا تلعنوا من يكشفون وجوهكم، اشكروهم لأنهم يفعلون ذلك، فلن ينصلح شىء إلا إذا اعترفنا أنه مكسور، ونحن مكسورون بما يكفى.