الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل يجب أن يدخل هشام جنينة السجن؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أتمنى لأى إنسان أن يدخل السجن، فلا أقسى على الروح من حبس الحرية، أن تتحول فى لحظة إلى شىء، مجرد رقم فى كشف طويل، هناك يجردونك من ملابسك وألقابك مهما كانت، وحتى لو استطعت أن تحصل على بعض المميزات بأموالك، فلا شىء يعوضك عن حريتك فى أن تفعل ما تشاء فى الوقت الذى تريد.
ولذلك لا أتمنى للمستشار هشام جنينة -أو لغيره- أن يدخل السجن.
لقد أصر على ألا يدفع الغرامة بعد التحقيق معه بتهمة نشر أخبار كاذبة عن الفساد فى مصر، لكنه لم يصمد أمام رغبة عائلته فى أن يدفع ويخرج، لتتواصل التحقيقات معه ومحاكمته وهو حر طليق.. بما يعنى أن مصيره سيكون معلقا بيد القضاء، له وحده الكلمة الأولى والأخيرة، لا يستطيع أحد أن يصدر حكما، أو يتدخل فى أحكامه.
كثيرون يدافعون الآن عن هشام جنينة، يعتبرونه رمزا للحرب على الفساد، يتعاملون معه على أنه بطل مغوار، أزعج النظام، فكان لا بد أن يدخل فى دوامات من التحقيقات والمحاكمات، وحتى لو لم يدخل السجن، فيكفى ما جرى له كرسالة، وقرصة ودن، فهو ليس أكثر من رأس ذئب طائر، لكل من تسول له نفسه أن يتحدث عن الفساد أو يحاربه.
لى فى هذا الكلام نظرة أخرى، قد تكون مختلفة بعض الشىء. 
قد لا تقبل تشكيكا فى ذمة هشام جنينة، وهذا حقك تماما.
لكن ما رأيك إذا قلت لك إن جنينة كان مناسبا لحرب الفساد أيام مبارك فقط، الكتالوج الذى يعمل به يقول ذلك تماما، فى هذا العصر كانت الحرب على الفساد مجرد لعبة، يقوم رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بإعداد تقاريره عن تجاوزات وفساد مؤسسات الدولة المختلفة، يقدمها إلى الجهات المعنية التى تتلقفها بسعادة غامرة، تعلن أنها ستتابعها بدقة، ثم لا يحدث شىء بعد ذلك على الإطلاق. 
لم تكن هذه الجهات المعنية تفزع من ضخامة أرقام الفساد التى يعلنها رئيس الجهاز، بل كانت تثنى عليه، وبعد ذلك تدخل ملفاته أدراجها المظلمة، ولا يظهر منها إلا ما تريده هى، وفى الغالب لا يكون ذلك إلا من أجل الانتقام والتنكيل بالخصوم، وكم من قضية فساد تفجرت فى عصر مبارك، ليس لأنها كذلك، ولكن لأن هناك من أراد أن يفضح أحدهم على الملأ، ويمكنكم مراجعة ما جرى، فالملفات متخمة بالأوراق العفنة. 
اعتقد هشام جنينة أن النظام الحالى سيمارس نفس اللعبة، يفرح بأرقام فخمة عن الفساد، يتلقاها ليتاجر بها، ثم لا شىء يتغير بعد ذلك.
لم يلتفت الرجل المخضرم إلى أن هناك رغبة حقيقية فى كنس الفساد، حتى لو كان فساد الرجل الذى يحارب الفساد. 
الذى يراقب المؤسسات خضع للمراقبة، فوضح للجميع أنه لم يكن أمينا بما يكفى، ولم يكن رفض تقرير جنينة عن الـ٦٠٠ مليار جنيه فسادا، اعتراف بأنه ليس هناك فساد فى مصر، ولكن كانت هناك رغبة لتقنين الأمر، ورصد الفساد بصورة قانونية وصحيحة، حتى يتسنى التصدى له واقتناعه من جذوره. 
لقد كان رئيس الجمهورية واضحا مع نفسه ومع الآخرين، عندما صرح بأنه لن يتغاضى عن الفساد، حتى لو كان فى مؤسسة الرئاسة، وهو ما حدث بالفعل. 
تذكرون القضية التى أشار إليها الرئيس، قضية الفساد التى قال إنها وقعت فى الرئاسة، هذه القضية لم تكن أكثر من هدية تلقاها موظف كبير فى المؤسسة الكبيرة، هدية لا تتجاوز قيمتها ١٥ ألف جنيه، أصر المحيطون بالرئيس على أنها هدية عادية، وأصر هو على أنها تربح من المنصب، فلو أن هذا المسئول كان جالسا فى بيته ما جاءته هذه الهدية، خضع المسئول للتحقيق، ونال جزاءه.
عقلية تتصرف على هذا النحو، لا يمكن أن نتهم صاحبها بأنه يراوغ فى محاربة الفساد، فقد انتهى زمن المراوغة، ويبدو أن هذا ما لم يدركه جنينة، فوقع فى شر أعماله، ولذلك فإذا دخل هذا الرجل السجن، فلا لوم على أحد، لأن اللوم يقع عليه وحده.