نتوعدها ليلا نهارا، ونلعنها على السبحة، ونحتفل بحرق علمها فى كُل مُناسبة، ونُحملها نتيجة ضعفنا وتعثرنا وهواننا على الناس. هى الشيطان الأعظم والعدو الأول والمتآمر الأكبر والقاتل السرى والكاره الدائم وناثر الشر.
عن بلاد العم سام أكتب. تلك التى نستخدمها «شماعة» دائمة لتبرير إهمالنا وكسلنا واتكاليتنا وترهلنا. يُزعجنى ويُحزننى أن نغلق أبوابنا ونوافذنا أمام الاتصال بدولة تستحوذ على ربع الناتج الإجمالى للعالم، وتعد ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان، وألا نستفيد منها بالقدر المناسب وأن نؤثر بما لدينا من مقومات فى تغيير شكل العلاقة لتتحول من التبعية إلى الشراكة.
إن الدول لا تكره ولا تحب، لكنها تدور سلبا وإيجابا مع مصالحها، ومع تسليمنا بتخبط وعشوائية الإدارة الأمريكية فى السنوات الأخيرة فإن ذلك لا يعنى وقف التحاور والتشاور والاتصال، خصوصا إذا علمنا أن أميركا ليست هى الإدارة وحدها، وإنما هناك عدة مؤسسات مثل الكونجرس، والبنتاجون، ومراكز الأبحاث. وهُناك حزبان رئيسيان، أحدهما مع مصر قلبا وقالبا وهو الحزب الجمهورى، والآخر لا يلتفت كثيرا لدورها وقوتها الناعمة.
وفى ظنى وكثير من الظن ليس إثما، فإن هُناك مصلحة أمريكية مباشرة مع مصر فى مواجهة غول دموى ينهش قيم التحضر والسلام والمدنية هو «داعش». إن الإرهاب الذى قد يبدو للأمريكيين بعيدا، يقترب رويدا، وما جرى مع تنظيم القاعدة من قبل كان أكبر دليل أن خطر الإرهاب يتجاوز الخرائط ويعبر المحيطات ويصل إلى مَن يظنون أنفسهم دائما فى مأمن. وليس أفضل ولا أهم ولا أوعى من دولة مثل مصر للعب دور بارز فى مواجهة خطر الإرهاب الذى يمثل مطبا صناعيا أمام أى تحديات تنمية أو مشروعات بناء. إن كثيرا من الأمريكيين يفهمون ذلك، ويرون أن إدارة أوباما بانغلاقها وتوجهها الانسحابى هى مَن يُعطل التعاون والشراكة فى مواجهة الإرهاب، ومن الغريب أن يحمل دونالد ترامب تصورا إيجابيا للتعاون مع مصر فى هذا المجال.
إن مصر رغم التحديات الصعبة ما زالت تمتلك مقومات فريدة تجعلها قادرة على إدارة القوى الناعمة بما يحقق مصالحها، وحسبنا أن نعلم أن الانتخابات الأمريكية القادمة تحمل فرصا جيدة لمد جسور من العلاقات الاستراتيجية التى تخدم مصر. هى فرصة دون شك للعب دور مهم فى منطقة صارت مشوهة بفعل عصابات دموية تشوه الدين وتنثر الموت، ولا مجال للبشرية من دحرها سوى بالالتفاف والاحتشاد حول قيم التحضر، بعيدا عن موروثات العداء للإمبريالية المزعومة.
قبل سنوات كان صراخ الجيش الثورى الإيرانى الشهير «مر بك أميركا» أى «الموت لأمريكا» لا يكاد ينقطع من شوارع طهران، والآن وجدت إيران أرضا للاتفاق مع عدوها الدائم، فى الوقت الذى اعتبرت فيه الإدارة الأمريكية ذلك انتصارا للدبلوماسية. ونفس الأمر تقريبا جرى مع كوبا. ولا أعتقد أن هناك أعداء دائمين مثلما لا يوجد أصدقاء دائمون. والله أعلم.