الفرار إلى الفن ضرورة فى زمن التلبد، وسنوات الغبش، الاستقطاب المُتبادل لجمهور المُثقفين بين السُلطة وخصومها يُهدر الطاقات ويئد الإبداع، مَن يؤيد ويُساند يُتهم بالنفاق، ومَن يُعارض ويختلف يُتهم بالخيانة والعمالة.
من هُنا وقفت كثيرًا عند كتاب «بيت حافل بالمجانين» الذى أعده المبدع والمترجم أحمد شافعى حاشدا لحوارات عديدة أجرتها مجلة «باريس ريفيو» مع عدد من أدباء ومبدعى العالم الرواد حول الكتابة والفن.
المجموعة تضم حوارات مع أرنست هيمنجواى وهنرى ميلر وبورخيس وكارلوس فوينتس وميلان كونديرا ونجيب محفوظ وإمبرتو إكو وبول استر، النصائح التى قدموها للمُبدعين ناضجة ولذيذة ويُمكن من خلالها رسم خارطة طريق للمُقبلين على قطف عناقيد الإبداع مثل:
سؤال هيمنجواى عن التمرين الأهم للكاتب الناشئ فيرد «أن يخرج فيشنق نفسه ثم يقطع المشنقة بلا رحمة ويرغم نفسه على الكتابة إرغاما».
وهُناك سؤال آخر وُجه لنجيب محفوظ حول أهم الموضوعات التى تقترب من قلب الروائى فقال «الحرية الإنسانية»، وتقول سوزان سونتاج ردا على سؤال حول تفكيرها فى الجمهور خلال كتابتها «أنا لا أكتب لأن هناك جمهورًا، أنا أكتب لأن هناك أدبًا». ويقول إمبرتو إكو عندما يُسأل عن حجم ما يكتبه كل يوم «الكتابة لا تعنى بالضرورة وضع كلمات على الورق، يمكنك أن تكتب فصلا كاملا وأنت تتمشى أو وأنت تأكل».
ويُسأل الكاتب الجميل هنرى ميلر إن كان يُبالى بالسياسة فيجيب فى اتزان «إطلاقًا.. أعتبرها عالما كامل الفساد والعفن، لا نصل من خلاله إلى شيء، السياسة كُلها هينة فى نظرى». ويقول كارلوس فوينتس مقولته الخالدة «الأشياء عندما تكون ممنوعة لا بد أن يأتى من يكتبها وبمنعها تصبح الأشياء لذيذة ومرغوبة».
المجد للإبداع، ذلك الجمال اللذيذ الذى نُنهل منه فى أيام اللامبدأ واللاقيم والتردى الأخلاقى، ما أحوجنا إلى الانشغال بالفن والإبداع والتصاوير الجميلة، وشُكرًا لكُل مبدع وأديب ومُترجم.
والله أعلى وأعلم.