الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فيلم أمريكي عن ناصر الفقراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مركز سينمائى بالعاصمة الأمريكية واشنطن دُعيت قبل أيام لمشاهدة فيلم تسجيلى أخرجته مُخرجة أمريكية عن جمال عبدالناصر بعنوان «ناصر بانى مصر الحديثة». وعلى مدى ٦٠ دقيقة تداخلت الشهادات والحكايات لباحثين معظمهم من الناصريين يصورون عبدالناصر بطلًا عظيمًا، ويرون أن بداية مصر الحديثة كانت معه. 
كان من الغريب أن يُقدم الرجل باعتباره صانع النهضة الصناعية ومُحقق العدل الاجتماعى وداعم حركات التحرُر ومُعلم المرأة ومحررها. حاول الفيلم رسم مصر كأن لم تكن قبل الرجل، ثُم بُعثت من ممات، الناس حفاة وعراة، والجوع سمة عامة للمصريين، والأعيان يستعبدون الفقراء، وأصحاب الثروات يسيطرون على الأحزاب التى تُصر على استمرار الأوضاع المترهلة تحقيقا لمصالحهم. الملك شاب عابث فاسد يكرهه الناس ويمقتونه ولا يتورع أن يتورط فى شراء أسلحة فاسدة للجيش المصرى الذى يحارب فى فلسطين. وتولدت الثورة من شباب غاضب يرفض الأوضاع ويتطلع لبعث مصر الجديدة. ويحقق «ناصر» انتصارات متتالية فى التعليم والصحة والاقتصاد والسياسة ليصبح بطلًا متوجًا للعرب جميعًا.
ورغم غرابة مسار الفيلم فإنه تضمن عدة أخطاء دفعتنى دفعا إلى طلب الكلمة والتعليق على التناول الانتقائى للتاريخ المصرى. أبديت اعتراضا على العنوان الذى صوّر مصر «لا شيء» قبل ١٩٥٢ رغم أنها كانت دولة متحضرة لديها مفكرون وعلماء وساسة وحياة برلمانية وفنون وآداب ونماذج رأسمالية عظيمة أسست لاقتصاد حديث. 
كما لفت نظرى أن تُذكر جماعة الإخوان فى الفيلم باعتبارها جماعة قامت لمواجهة ومحاربة الاحتلال البريطانى، وصححت ذلك بأن السلطات البريطانية هى التى أنشأت الجماعة نفسها، وأن عمليات الإرهاب التى مارستها كانت موجهة ضد ساسة وقضاة مصريين وليس جنود الاحتلال كما أشار الفيلم. 
وهالنى أن يحتفى مُنتجو الفيلم بقرارات التأميم للممتلكات والأراضى والشركات القائمة فى مصر ويعتبرونها تحقيقا للعدالة، وقُلت إن الفيلم لم يعرض لمآسى المؤممة ممتلكاتهم والذين تحولوا فى يوم وليلة إلى متسولين ومات بعضهم كمدا وحزنا مثل المطرب والملحن الشهير محمد فوزى، فضلا عن أن ذلك أدى إلى قتل القطاع الخاص المصرى وحجبه عن مصر لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمن. 
كما كان من الخطايا التى وقع فيها الفيلم تحميل المشير عبدالحكيم عامر كافة المسئولية عن الهزائم والخسائر وتصوير حادث مقتله بعد هزيمة يونيو بأنه انتحار، وقلت إن ذلك مازال حتى الآن موضع شك من باحثى التاريخ. 
والغريب بعيدا عن تصوير الأمر على كونه مؤامرة أن دولة قطر كانت من الجهات الراعية للفيلم، والذى اجتزأ التاريخ المصرى ودفعه دفعا غريبا فى استرجاع فكرة «البطل» القومى، والزعيم ذى الشعبية الطاغية، وكأنها تدفع فى مسار تفضيل الحاكم الشمولى، والقائد الاشتراكى المعادى للاقتصاد الحُر، الناقم على الرأسمالية الوطنية. 
إن أخوف ما أخافه على مصر تعظيم الأبطال الوهميين، وسحب الناس سحبا نحو الماضى. وهذا ما لم أقله. 
والله أعلم