الخميس 26 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اليوم الأخير في حياة جمال عبدالناصر "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مساء يوم ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.. 
خرج صوت أنور السادات عبر الإذاعة المصرية، ينعى إلى مصر والعالم العربى والعالم أجمع الرئيس جمال عبد الناصر، الذى رحل عن الدنيا فى الساعة السادسة والربع من مساء نفس اليوم. كان صوت أنور السادات متهدجًا رغم عمقه، مجروحًا رغم صلابته.
وقال أنور السادات:
«فقدت الجمهورية المصرية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها، رجلًا من أغلى الرجال وأشجع الرجال وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبد الناصر، الذى جاد بأنفاسه الأخيرة، فى الساعة السادسة والربع من مساء اليوم ٢٧ رجب ١٣٩٠ الموافق ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، بينما هو واقف فى ساحة النضال، يكافح من أجل وحدة الأمة العربية ومن أجل يوم انتصارها». لقد تعرض البطل الذى سيبقى ذكره خالدًا إلى الأبد فى وجدان الأمة والإنسانية، لندبة قلبية، بدت أعراضها عليه فى الساعة الثالثة والربع بعد الظهر. وكان قد عاد إلى بيته، بعد انتهائه من آخر مراسم اجتماع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب الذى انتهى أمس فى القاهرة، والذى كرس له القائد والبطل كل جهده وأعصابه، ليحول دون مأساة مروعة دهمت الأمة العربية. إن اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى ومجلس الوزراء قد عقدا جلسة مشتركة طارئة على أثر نفاذ قضاء الله وقدره، ولا يجدان الكلمات التى يمكن له تصوير الحزن العميق الذى ألم بالجمهورية العربية المتحدة، وبالوطن العربى وبالإنسانية، إزاء ما أراد الله امتحانها به، فى وقت من أخطر الأوقات. إن جمال عبد الناصر كان أكبر من الكلمات.. وهو أبقى فى كل الكلمات.. ولا يستطيع أن يقول عنه، غير سجله فى خدمة شعبه وأمته والإنسانية، مجاهدًا عن الحرية، مناضلًا من أجل الحق والعدل، مكافحًا من أجل الشرف، حتى آخر لحظة فى العمر. ليس هناك كلمات تكفى عزاء فى جمال عبد الناصر.. إن الشيء الوحيد الذى يفى بحقه وبقدره، هو أن تقف الأمة العربية الآن كلها وقفة صابرة صامدة شجاعة، قادرة، حتى تحقيق النصر الذى عاش واستشهد من أجله، ابن مصر العظيم، وبطل هذه الأمة ورجلها وقائدها..
«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِى عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي». كانت الساعات الأخيرة فى حياة جمال عبد الناصر ساعات مثيرة درامية، وهى تعد جمال عبد الناصر للحظة الرحيل الأخير، لحظة انتهاء حياة رجل عظيم، ونهاية حياة بطل مصرى حتى النخاع. كانت القاهرة – عاصمة الأمة العربية – قد شهدت خلال الأيام السابقة. الأحداث الساخنة لوقائع مؤتمر الملوك والرؤساء العرب، بعد أحداث مروعة دموية فى الأرواح انطلقت فيها رصاصات عربية ضد صدور عربية، وسال الدم العربى على الأرض العربية. وانتهى مؤتمر الملوك والرؤساء العرب بعد أحداث مثيرة، وبدأ الرئيس جمال عبد الناصر، يودعهم فى مطار القاهرة واحدًا بعد الآخر. وعلى أرض المطار.. وبعد أن انتهى جمال عبد الناصر من توديع أمير الكويت وبينما هو واقف فى انتظار تحرك طائرة الأمير، أحس بألم فى صدره، وشعر بالعرق يتصبب منه بغزارة.. والتفت عبد الناصر إلى نائبه.. وطلب أن تجيء سيارته إلى حيث يقف، لأنه يشعر بتعب مفاجئ، ولا يستطيع أن يسير بنفسه إلى السيارة كما كان يفعل عادة.. وأسرعت السيارة إلى مكان وقوف الرئيس جمال عبد الناصر.. وركب الرئيس السيارة متوجهًا إلى بيته، حيث دخل مباشرة إلى حجرته.. وخلال دقيقة كان طبيبه المقيم الدكتور الصاوى يدخل الغرفة خلف الرئيس. كانت الساعة قد بلغت الرابعة إلا الثلث.. وكان الدكتور الصاوى قد أجرى فحصًا مبدئيًا على الرئيس، وعندما وجد أن الأمر خطير، طلب استدعاء الدكتور فايز منصور، الذى كان يشرف على علاج الرئيس جمال عبد الناصر، وفى نفس الوقت طلب أيضًا الدكتور زكى على، والدكتور طه عبد العزيز، اللذين لحق بهما الدكتور رفاعى محمد كامل، واجتمع الأطباء حول عبد الناصر فى فراشه.. وكان تشخيصهم الفورى أن هناك جلطة شديدة، أحدثت أزمة قلبية حادة، وأن هناك عدم انتظام فى دقات قلب الرئيس! وفى الحال.. بدأ الأطباء محاولاتهم لإنقاذ حياة جمال عبد الناصر.. وبدأوا الإسعافات الأولية السريعة، واستخدموا جهاز الأوكسجين، وأجهزة الصدمة الكهربائية لتنشيط القلب، وكل ما فى وسعهم من علاجات معروفة، تستخدم فى هذه اللحظات الحرجة فى حياة مريض القلب.
ومن ناحية أخرى.. وبينما شبح الكارثة يحوم حول حجرة نوم عبد الناصر.. كان البيت قد امتلأ بمعاونى الرئيس.. كان جمال عبد الناصر يرقد فى حجرة النوم، والأطباء حوله يصارعون الخطر، ويحاولون السيطرة على الأزمة القلبية. وفى هذه اللحظات العصيبة.. كانت السيدة تحية قرينة الرئيس جمال عبد الناصر تقف على قرب خارج حجرة النوم. وكان الأطباء هم الذين أمروا بذلك! وكانت دموع زوجة الزعيم تتدفق فى صمت.. والتفت حولها بقية أفراد أسرتها، ودموعهم فى عيونهم! كان القلق واضحًا فى كل الوجوه.. وكانت أعصاب الجميع ترتجف. وفى داخل حجرة النوم، بدأت الدقائق الأخيرة فى حياة جمال عبد الناصر تحمل للأطباء النذير المروع! كانت حالة جمال عبد الناصر تتدهور باستمرار سريع! وعلى الناحية الأخرى من الفراش وفى أركان الحجرة.. كان يقف الفريق محمد فوزى، وشعراوى جمعة، وسامى شرف، ومحمد أحمد، والكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، وبعد برهة انضم إليهم حسين الشافعى، وعلى صبرى، وأنور السادات. كانت اللحظات الأخيرة فى حياة جمال عبد الناصر.. الأطباء حوله يبذلون المستحيل وكل ما تعلموه وخبروه من وسائل العلم والطب. وكبار رجال الدولة فى أركان الغرفة.. وعيونهم على الفراش الذى يرقد عليه زميل النضال وزعيم الثورة.. بعضهم كان يبكى فى صمت.. وبعضهم كان يصلى.. وبعضهم كان فى ذهول تام! وكان الدكتور الصاوى مستمرًا فى تدليك قلب عبد الناصر، وكان يضغط على صدره عشرات المرات.. لكن فى الساعة السادسة والربع تمامًا.. أدرك الأطباء الحقيقة الحزينة، أن الأصل قد ضاع، وأن روح عبد الناصر قد فارقت جثمانه المسجى على الفراش. لكن الأطباء رغم ذلك بدوا وكأنهم لا يصدقون.. ما هم متأكدون منه. وبدا أنه لا أحد آخر فى الغرفة قادر على التصديق! لكن الأطباء بدأوا فى الابتعاد عن فراش جمال عبد الناصر.
وعلى باب غرفة النوم.. انفجر الدكتور منصور فايز فى البكاء! وكانت دموعه هى التى فجرت دموع كل الواقفين فى غرفة النوم!
وفى الأسبوع القادم نكمل...