تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كثيراً ما تعجز الكلمات عن التعبير عما يدور في نفسك .. وفي بلد مثل بلدنا المحروسة مصر دائماً، وليس كثيراً، ما تفشل حروف كل لغات العالم عن تصوير مشاعر العاشقين لها والذائبين حباً في ترابها ولعل هذا هو بيت القصيد فيما نشهده من حالة انسداد في قنوات الحوار المتحضر بين مختلف فئات الشعب والمسئولين وإزاء تلك الحالة يلجأ البعض للصراخ والعويل والتهديد.
تملكتني هذه الأحاسيس وأنا أتابع التناول الإعلامي والشعبي لأزمة جزيرتي "ثيران وصنافير" اللتان ارتأت القيادة السياسية إعادتهما للمملكة العربية السعودية لاعتبارات سياسية واستراتيجية معينة ومراعاة للعلاقات التاريخية الملتصقة التي تجمع الشعبين المصري والسعودي بل ولحسابات اقتصادية واستثمارية أيضاً.
وفي الواقع أنني شخصياً لم أتفاجأ كثيراً برد الفعل الجماهيري الذي عبر في أصدق صوره عن التمسك بكل حبة رمل في هذا البلد الأمين والتي لم يخف الرئيس نفسه إعجابه الشديد بها وتقديره لها .. وفي محاولة لاحتواء ردة الفعل هذه تقرر إحالة الأمر لمجلس النواب الذي من المفترض أنه يعبر عن الإرادة الشعبية للمصريين .. إلا أن ما أدهشني تماماً خطاب "المتحولين" إعلامياً وسياسياً وأي شيء آخر.
حيث أفرزت الأزمة عن كشف واقع "الثبات على المبلغ" وليس المبدأ والتي عبرت عنها مواقف بعض الشخصيات العامة وكثير من الإعلاميين الذين طالما تبوأوا مقاعدهم في أقصى اليمين .. فوجدناهم كلهم "شمال" .. فراحوا يتاجرون بالمشاعر الوطنية البريئة الشفافة لأبناء هذا الشعب ، الذين أعيتهم المتاجرة بأزماتهم ، ليصوروا القضية على أنها خيانة وتفريط ومن ثم يكون الحل، وفق أجنداتهم، العودة للميادين.
وبالفعل لاقت هذه الدعوات تجاوباً من آلاف المصريين الذين تظاهروا الجمعة الماضية كرد فعل تلقائي وترجمة سريعة للتمسك بكل قطعة أرض في مصر والتعبير عن رفض التفريط في الجزيرتين حتى "لو كانوا عضم في قفة"، بحسب التعبير الدارج عن قمة الوفاء والإخلاص والفداء، وإلى هنا أعتقد الرسالة الشعبية الجماهيرية قد وصلت.
إلا أن هواة "النفخ في النار" راحوا يستغلون هذا الحراك الوطني النقي بالدعوة لـ"الخروج الكبير" وحددوا له يوم 25 أبريل كموعد لإطلاق شرارة النهاية، وفق حساباتهم، وهذه الحالة ربما لا يمكن لأحد أن يصادفها إلا في مصر "المحروسة" .. فلا أحد يتصور أن أقول لك سأتشاجر معاك يوم كذا .. أو سأخرج على النظام بعد أسبوعين .. أو سأبدأ الحرب عليك اليوم الفلاني.
وبطبيعة الحال لا يمكن لأي منصف التقليل من نبل وقيمة المشاعر الوطنية، التي لولاها لما بذل جنود مصر البواسل وحماة أراضيها أرواحهم على الجبهة فداء لكل شبر في مصر، كما أنني وبصفة شخصية أتحفظ كثيراً على إعادة الجزيرتين وخصوصاً بهذه الصورة التي لم يتح لنا خلالها التعرف على ضرها من نفعها بل استيقظنا على الخبر وبيان الحكومة "التفريطي" الذي حرمنا، بل وحرم السعوديين أنفسهم، من ممارسة مبدأ "هات وخد" المتعارف عليه منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.
إلا أنني أيضاً أرفض تماماً فكرة توجيه العداء وانتهاز مشاعر الغضب لإعادتنا للمربع صفر .. فعلى الجميع أن يعي طبيعة الحقبة الحاسمة التي تواجه مصر وأن نتخلى عن ممارسة هواية التخوين والتشكيك وإلصاق الاتهامات الجزافية لكل من يخالفنا في الرأي .