لم تفارقنا ابتسامتهم طوال رحلتنا إلى
هضبة الجلالة، عمالنا القادمون من الصعيد، من المنيا وأسيوط وسوهاج، العاملون في
مشروع هضبة الجلالة، حماسهم وتفانيهم في العمل بمنطقة شديدة الوعورة يعطيك أملًا أن
هناك مصر أخرى تعمل بجِد، واجتهاد بعيدًا عن إحباط السوشيال ميديا، أو تناحر
الفضائيات.
أكثر ما لفت نظري درجة صبرهم وقوة
احتمالهم وقدرتهم على العمل في هذه الظروف الصعبة وسط جبال تنفجر وطرق ترصف، إصرار
وصلابة تشعرك بالخجل، بل تدفعك إلى معرفة أسرار ذلك، وكان السؤال: لماذا لا تتحول تلك
الحالة من التحدي إلى حالة عامة يشارك فيها كل الشعب المصري الذى يرغب فى تحسين
وضعه وتقوية دولته بدلًا من الرضوخ لحالة فقدان الأمل؟
ولعل أكثر لحظات الرحلة بهجة كانت
فرحة أحد العمال البسطاء بالتصوير مع الرئيس مذكرًا اللواء كامل الوزير بأنه وعده
بذلك من أيام حفر قناة السويس الجديدة ، وحينما سمعه الرئيس جذبه من بين الحراس
للتصوير معه.
كانت الرحلة رسائل متبادلة بين الرئيس
والشباب، الرئيس يكشف الحقائق والشباب يعرض بشكل مباشر مشاكل مصر وحلولها
ومقترحاته التي قبلها الرئيس بل ودوَّنها في دفتر ملاحظاته، وهو مشهد يعكس رغبة
حقيقية لدى الدولة في جذب الشباب للمشاركة في معارك البقاء والبناء كما أطلق عليها
الرئيس.
"انتو لسه مشفتوش دولة"، إشارة
قادمة من الرئيس أنه يعلم جيدًا أن الدولة ما زالت غائبة، ولم تظهر بكامل قوتها
بعد، وتعكس أيضا يقين مبنى على ما يقوم به من عمل فى المشروعات والاتفاقيات التي
يقوم بتوقيعها مع المسثمرين العرب والأجانب.
الحوار امتد لـ3 ساعات، وشارك فيه
شباب المشروع الرئاسي لإعداد القيادات وشباب الإعلاميين، وعدد من قيادات مراكز
الشباب من بينهم محافظات الصعيد وشمال سيناء حول كل قضايا مصر، لكنى أحسست بضيقة
حينما تساءل: لماذا يتجاهل الإعلام أكثر من 200 مشروع يجرى فيهم العمل على قدم
وساق؟ ولماذا هناك إصرار على نشر الإحباط واليأس؟ محذرًا من نهاية هذا الطريق وهو
انتحار أمة -أو كما أسماه الانتحار القومي- بتدمير
معنويات الدولة، وتدمير نسيجها الاجتماعي ، وقال: أنا لا أقلق من محاولات الخارج
لهدم مصر، ولكن ما يقلقني هو الداخل، وظهر وعي الرئيس بفكرة الشرخ الذى يتصاعد بين
الشباب والدولة مؤكدًا أن الشباب هم أمل ومستقبل مصر، وبدونهم لا يمكن إنجاز شيء
لأنهم الأكثر قوة ورغبة في العمل.
وكانت رسالته للمصريين أن الدولة حريصة على الحفاظ على النسيج الواحد للمصريين، وأنه لا يحب تصنيف المصريين على أساس الدين وطالب الجميع بالحفاظ على هذه الروح.
واحتلت قيمة العمل جزءًا كبيرًا في حديث الرئيس الذى انقسم إلى جزأين خلال عرض ما تم إنجازه من مشروع هضبة الجلالة، ثم الجزء الثاني وهو حوار مفتوح استمر إلى ما يقرب إلى 3 ساعات بين الرئيس والشباب بلا حواجز أو خطوط حمراء، الرئيس يرى في قيمة العمل طوق النجاة لمصر مما ألم بها خلال السنوات الماضية موضحًا أن تدهور عمليات التنمية صاحب نكسة عام 1967، وما تم بعدها لا يُعتد به إذا ما تم مقارنته ببلاد أخرى.
قال الرئيس: إن الخدمات في مصر سواء على مستوى الطرق والصحة والتعليم لا تتناسب مع الشعب المصري الذى كان يستحق ما هو أفضل من ذلك، ثم انتقل إلى شرح رؤيته للاستفادة من المشروعات القومية قائلا: إن الدولة تحاول من خلال مشروعات البنية الأساسية تقديم خدمات أفضل للمواطن، وجذب الاستثمارات والتركيز على العاصمة الجديدة ومشروع هضبة الجلالة هدفه زيادة أسعار الأرض التي تملكها الدولة، ومن ثم بيعها للمستثمرين بما يضمن زيادة موازنة الدولة بما يدعم قيامها بدعم قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم بالإضافة إلى توفير فرص عمل للشباب.
وتناول الرئيس قضية التعليم، وأكد على أهمية الارتقاء بقطاعيّ التعليم والصحة والارتقاء بأوضاع المُعلمين باعتبارهم محورًا أساسيًا من محاور إصلاح العملية التعليمية، ونوَّه الرئيس إلى أن الدولة تواصل بناء مدارس جديدة لاستيعاب الزيادة المضطردة في السكان، بالإضافة إلى إيصال خدمات الصرف الصحي للقرى وزيادة نسبة توفير تلك الخدمة من 15% إلى 50% خلال عامين.
وتحدث أحد الشباب عن الصعيد وعن أزمة
الأقصر تحديدًا، وطالب الرئيس بدعمها على غرار ما حدث مع شرم الشيخ عقب حادث
الطائرة الروسية، وهو ما استجاب الرئيس إليه على الفور، وأعطى توجيهاته لوزير
الشباب بزيادة عدد الرحلات المتوجه ضمن قطار الشباب إلى مدينة الأقصر كما استعرض
الرئيس جهود الدولة لتنمية الصعيد، منوهًا إلى أن التقسيم الإداري الجديد
للمحافظات يراعي أن يكون لكل محافظة من محافظات الصعيد ظهيرها الصحراوي فضلاً عن
وجود سواحل لها على البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن معظم أراضي مشروع المليون ونصف
المليون فدان تقع في محافظات الصعيد، كما تم الانتهاء من حفر ألف بئرٍ من أصل 4 آلاف
بئر لري أراضي المشروع، فضلاً عن مشروعات الإسكان الاجتماعي التي يتم تشييدها في
الظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد، بالإضافة إلى المدن الصناعية لتوفير فرص العمل لأهالي
وشباب الصعيد.
واستحسن الرئيس فكرة أخرى حول قيام
الكليات العملية بتطبيق مشاريع التخرج الخاصة بكليات الفنون الجميلة في ميادين مصر
وتجميلها دون أعباء على موازنه الدولة، ووعد الرئيس بدراستها وتطبيقها في أقرب
فرصة .
تحدث الرئيس عن رؤيته لمكافحة الفساد
والقائمة على الاعتماد على روح الحفاظ على المال العام و"ميكنة" التعامل
بين المواطن، وأجهزة الدولة ضاربًا المثل بما حدث في بطاقات التموين، وما تم
استبعاده في الفترة الأخيرة بعد الكشف عن التكرارات وصدور أكثر من بطاقة لشخص واحد،
وأكد أن ذلك سيتم تعميمه بالإضافة إلى الاجراءات والقوانين التي تكافح الفساد .
وتقبل الرئيس انتقادات الصحفيين، وكان
أبرزها ما قاله الزميل محمود التميمي رئيس تحرير برنامج "البيت بيتك"،
وكان نصه: "أنا محتاج أتوقف عند جملتين حضرتك قلتهم، الأولى: "إحنا
بنعاني من شرخ في مجتمعنا والشرخ ده لازم يلتئم".
وأنا بقول لحضرتك، إن الشرخ ده
مسئوليتك شخصيًا وإصلاحه أولوية كبرى لأن المجتمع منقسم وكل انقسام يجلب انقسامًا،
إحنا كنا يوم 30 يونيو معسكرًا واحدًا، فريقًا واحدًا بيدافع عن مصر، لكن للأسف
الفريق ده أصبح يتصارع بل ويتهم بعضه البعض بالخيانة، الشرخ بيزيد يا فندم وحضرتك
مشغول عنه بمشاريع وبناء ومعمار لدرجة أن حضرتك دلوقت بقيت زي أي متخصص في أعمال البناء
والمقاولات، وبتتكلم في تفاصيلها زي التفاصيل العسكرية اللي هي تخصصك الأساسي
بالضبط، واضح أن ده توجه عندك، لكن لو سمحت الشرخ ده أولوية ومسئولية رئيس الدولة
بالمقام الأول إصلاحه، وإزالة أسبابه، والنهارده شايفين نتائجه،
الحاجة التانية اللي حضرتك قلتها: إن
العالم بيشوفنا بمعاييره هو، علشان كده عايز اسأل سيادتك عن الصورة اللي بياخدها العالم
الخارجي عن مصر من كلام سيادتك، العالم المتحضر يصون الحرية ويعتبرها القيمة
الأولى في المجتمع، إحنا يا فندم ما بنعملش كده، حضرتك في خطاب 24 فبراير قلت: ما
تسمعوش كلام حد غيري، لو سمحتم اسكتوا، تفتكر العالم الحر فهم من كلام زي ده إيه؟ مفردات
خطابك بتوصلنا لإيه؟ يا فندم صورة حضرتك بالخارج أصبحت أنك رجل يريد أن يسمعه
الجميع ولا يريد أن يسمع أحدًا، انا عارف
أنك ما تحبش تكون صورة رئيس مصر كده، طيب هل أكون متجاوزًا إذا طلبت من حضرتك
مراجعة مفردات خطاباتك بعد كده؟!
هل من الممكن أن تعيد مؤسسة الرئاسة
لغة خطابات رأس
الدولة حفاظاً على صورة مصر ورئيسها؟ ومرة
تانية بعيدًا على مسامعك.. الحرية أولوية لبلد زي بلدنا وضمان وجودها في المجتمع
مسئوليتك شخصيا".
وبصدر رحب تقبل الرئيس النقد، وصحح ما
نقل عنه وهو لم ينتقد المعدين والصحفيين في البرامج، ولكن طالبهم بالموضوعية والتثبت
من الأخبار قبل عرضها، وقال: إن الدولة مهتمة بتنمية حقوق الإنسان والحريات جنبًا إلى
جنب مع توفير حق المواطن المصري في العمل والصحة والتعليم
.
ودعا الإعلام إلى عدم جر الدولة
المصرية إلى أزمات مع جيرانها بسبب إثارة قضايا ترسيم الحدود كما حدث مع السعودية،
موضحًا أن تركيز الدولة يجب أن يركز على العمل وليس فض الاشتباك مع الأشقاء في أي دولة
عربية.