الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جحيم الكتابة في أنقرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس أعجب من أن يتهمك بخيل بالبخل أو عنيف بالعنف، أو طاغية بالطغيان. ما يجرى فى عالم اليوم يثير الريبة والدهشة، ويرجرج ثقتنا بكثير من القيم والمبادئ السائدة. 
لقد كان من العجيب أن يخرج رجب طيب أردوغان رئيس تركيا لانتقاد أوضاع حقوق الإنسان والحريات فى مصر خلال العامين الماضيين، بينما يمارس الرجل أعنف وأشد وأسوأ انتقاص لأوضاع الحريات ببلاده. والأعجب أن يمر ذلك دون تعليق أو اهتمام من ساستنا المتهمين دائما بالعدوان على الحرية، وخنقها ومطاردة أصحاب التوجهات المختلفة. 
أتصور أن الأسبوع الماضى كان فرصة سانحة لرد المعروف للرجل الذى طالما أزعجنا ببكائه على حال الحرية فى بلادنا. لقد خرج الرجل مُشمرًا ذراعيه، عاقدًا حاجبيه، مُتقدًا بالشرر ليهاجم المحكمة الدستورية التركية لأنها قضت بالإفراج عن صحفيين هما جان دوندار رئيس تحرير صحيفة «جمهوريات» وإرم جول الكاتب بذات الصحيفة بعد أن اتهمهما الرئيس بإفشاء أسرار الدولة، لأن الصحيفة التى يديرانها نشرت تقريرا عن قيام جهات تركية بنقل أسلحة إلى سوريا. 
تصوروا أن يخرج رئيس دولة تدعى الديمقراطية وتسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى ليقول علانية إنه يرفض حكم المحكمة الدستورية لبلاده، مُهدرًا مبدأ استقلالية القضاء، ضاربًا عرض الحائط بشعارات رنانة ظل لعقود يرددها حول حرية الرأى واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان. 
لقد قال الرجل صراحة فور نشر تحقيق صحفى حول نقل شحنات من الأسلحة التركية إلى سوريا إن الكاتب ورئيس التحرير سيدفعان ثمنا باهظا لما خطته أيديهما من كلمات. وبالفعل قام الرئيس التركى بتحويل الصحفيين للمحاكمة، ولم يخجل أن يوجه لهما تهمة التجسس والمساس بالأمن القومى التركى. 
هكذا، لم ير الرجل فى تحقيق صحفى سوى أنه جريمة خيانة عظمى، رغم أنه سبق أن اتهم مصر بخنق حرية الرأى لأن الدولة المصرية أوقفت بث فضائيات تحرض على الكراهية والعنف. وتلك هى ازدواجية المعايير لدى كثير من الساسة الذين يحولون قيمًا ومبادئ عظيمة إلى سلالم وجسور لتحقيق مكاسب سياسية. 
ليس هناك مجال للأخلاق فيما يفعل هؤلاء، فهم يتباكون على حرية الرأى إن كان فى ذلك ضغط ما على دولة أخرى، ويدوسونها إن تعارضت مع مصالحهم. ذلك هو الدرس الذى لم نتعلمه بعد، فالحرية وحقوق الإنسان أمور لا تخص جغرافيا بعينها، والدفاع عنها لا يجب أن يقتصر على حدود. 
من هُنا كان لابد للخارجية المصرية أن تُعلق على حبس جان دوندار وإرم جول وتتضامن معهما ضد السلطة الغاشمة. هكذا توقعت، لكن خذلنى الناعسون. والله أعلم.