لا أعرف إذا كانت الملاحظة التالية مجرد مصادفة خاصة بي، أم أنها عامة ولاحظها غيري، ولذلك فمصير هذا المقال بين يد القراء.
خلال العام الماضى كان صوت أم كلثوم يملأ شوارع مصر. فى معظم سيارات التاكسى والسيارات الخاصة والمقاهى والمحلات وبيوت الأصدقاء والمعارف، لاحظت أن الاستماع إلى أغانى «أم كلثوم» له الصدارة.
لم تكن الوحيدة طبعًا، ولكن الأكثر انتشارًا قبل أصوات وأغانى المطربين الآخرين. الملحوظة خطرت ببالى فى بداية العام، وقضيت الشهور التالية، وأنا أتأكد كل يوم تقريبًا أنها صحيحة، وربما يكون الأمر صدفة خاصة بى أو ظاهرة فعلًا.
هذا الحضور الطاغى للـ«ست» التى رحلت منذ ٤٣ عامًا، وأغانيها التى يعود بعضها إلى ثلاثة أو أربعة عقود أخرى قبل رحيلها، أمر مدهش، فكرت أكثر من مرة فى التفرغ لرصده وتحليله، ولم أفعل.
المزاج العام بدأ يتغير فى الشهور الأخيرة، وصوت «الست» انسحب قليلًا ليترك المجال لأغانٍ فردية، حديثة، شعبية، تستحوذ الواحدة منها على الشارع لأسابيع، قبل أن تحل محلها أغنية أخرى.
هل لاحظت الانتشار الكبير الذى حققته أغان مثل «رد الباب وراك» لآمال ماهر، أو «يا عم سلامة» لحكيم، أو أغنية «آه لو لعبت يا زهر» للمغنى أحمد شيبة، التى ذاع صيتها وصوتها خلال الأسابيع الأخيرة، وهى مثل كثير من أغانى هذه الأيام، تنطق بلسان شباب الطبقة الشعبية، وتشكو من حال الدنيا التى عز فيها المال، وغاب عنها الصاحب وتسيدها الطماع والمخادع وابن الحرام!
تقول بعض كلمات أغنية: «آه لو لعبت يا زهر» التى كتبها ناصر جلال:
«ملعون أبوك يا فقر يا حاوجنى للأندال
ذليت عزيز النفس عشان عديم المال»
وبعد الشكوى من ضيق الحال يبدأ صوت المغنى والموسيقى التى ألفها بنفسه فى الصعود ليصل إلى المقطع الرئيسى الذى يتكرر بين فقرات الأغنية:
«آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الأحوال
وركبت أول موجة فى سكة الأموال»
يشكو المغني، مثل كثير من المصريين الآن، من الأزمة الاقتصادية وانهيار الجنيه وأزمة الدولار، ويتمنى أن يتخلص من الضائقة المالية، لا من خلال العمل وكسب الرزق الذى يستحقه، ولكن من خلال ضربة حظ ولعبة زهر. وهذه الفقرة تحديدًا هى مفتاح نجاح الأغنية، وكلماتها المصحوبة بالإيقاع الراقص والموسيقى المرحة، على عكس باقى الأغنية، يرددها المستمعون بابتسامة عريضة، وقد استمعت إلى إحدى حلقات برنامج إذاعى اتخذت من اسم الأغنية عنوانًا لها، وراح المستمعون يتسابقون على الاتصال للإعراب عن أحلامهم وأمنياتهم الشخصية إذا لعب معهم الزهر.
... لكن أحدًا من المتصلين لم يذكر «الأموال» طبعًا، وتحدثوا عن أمانٍ عامة من نوعية انتشار الخير والأخلاق ونعمة الصحة وراحة البال!.