أرست محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة عدة مبادئ قانونية وفلسفية تحدد مفاهيم حديثة للولاية التعليمية للحاضن متضمنا إعلاء دور الام ومستقاه من أحكام الشريعة الغراء لم تبلغها علوا أكثر الامم تمدينا وتحضرًا في قصة اليمة تجسد قمة الصراع والتناحر بين الاباء والامهات على اختيار النظام المدرسى للابناء بعد الطلاق كان بطلها الاب والام والجدة للاب والجدة للام وحصول كل منهم على احكام متلاحقة بالحضانة والولاية التعليمية تغاير الاخرى وكان ضحيتها طفلين محمد بالمرحلة الابتدائية وإسراء بالمرحلة الاعدادية.
وأصرت المحكمة ببصيرة على ضرورة سماع الطفلين وفى موقف درامى بكى الطفلان أمام المحكمة طالبين من عدالتها وضع حدا لهذا الصراع الذي كان من نتيجته عدم تمكنهما من دخول الامتحانات السابقة بسبب قسوة الاب وقالا للمحكمة: نريد حلا ؟ على غرار ماعانته المرأة من قبل مع الرجل، فماذا قالت المحكمة في هذه القضية الاليمة التي تعد نموذجا دراميا لصراع العائلات على الابناء في ظل اصرار الاب والام والجدة لاب والجدة لام على اختيار نظام مدرسى يغاير الاخر!
أكدت المحكمة على مجموعة من المفاهيم الجديدة لصالح الأم المصرية الحاضنة أهمها أن النظام المدرسى من الحقوق اللصيقة بالطفل وحاضنته وليس وفق هوى الاب وان انتزاع حق الرعاية التعليمية للصغار من الأم التي تعايشه دقائق الحياة مظلمة للصغير واخلالا بصفائه النفسى وأمنه واطمئنانه واستقراره.
وكشفت المحكمة عن ثمانية أحكام متلاحقة من محكمة الأسرة عن الحضانة والولاية التعليمية بين الاب والام والجدة للاب والجدة للام تجسد قمة الصراع والتناحر على الطفلين مما اضطر الطفلين بالدفاع عن حقوقهما بانفسهما أمام للمحكمة قائلين لها نريد حلا ؟ ولم ندخل الامتحانات السابقة ؟واشتكا كلاهما من قسوة الاب عليهما، وبكى كلاهما طالبين العيش مع امهما، وأشارت المحكمة في حكمها أنه لاتوجد قوة تفصم عرى الامومة عن أطفالها وتعليمهم.
ونرصد أهم ما جاء بحيثيات الحكم التاريخى مجموعة من المفاهيم المستجدة منها: أن الرعاية التعليمية ترتبط بمصلحة المحضون في البقاء عند أمه لأنها أكثر رحمة وشفقة للأولاد وتعلم أمور النساء للبنات وان الاباء عقب الطلاق يختارون نظام تعليمى اقل جودة للصغار نكاية في الام أو اشعارها بالذل والهوان مما يعرض حياته التعليمية للخطر وان تطور الحياة كشف عن أن الام الحاضنة أكثر من الرجل سدادًا وكفاية لتعليم الأطفال وهى أمور تتعلق بمنافع محضة للمحضون وان استخدام المشرع للفظ "الولاية "للحاضن اثار اللبس والادق أن يستخدم "الشئون التعليمية "وهى من مستلزمات الحضانة وان شطط الاباء وقسوتهم على الامهات واشتعال تدخل عائلتهما يصيب الأطفال بأمراض نفسية وفقدان الثقة والتخلف الدراسى أكبر مأساة! وختاما ناشدت المحكمة الرجال بان العقيدة الإسلامية سلوكا متساميا فلا تستبدوا بالزوجات حتى لا يستجير الأطفال من بأسكم ونار الحيرة تعصف بنفوسهم ولن يكون غير قلب الام ركنا للاحتماء والاحتواء.
وبعد النطق بالحكم ارتمى الطفلان إسراء ومحمد في احضان الام زغلولة زكى أبو شنب في موقف مؤثر واسدلت المحكمة الستار عن أغرب دعوى جسدت بشكل درامى صراع العائلات في اختيار النظام المدرسى للأطفال.
أهم الحيثيات الواردة بهذا الحكم التاريخى:
- الدستور الزم سلطات الدولة بتحقيق مصلحة الطفل الفضلى:
قالت المحكمة، إن الحق في تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق في صونها، بما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم وتحمل مسئولياتهم صحيًا وتعليمًا وتربويًا لذا حرص المشرع الدستورى على النص بان الاسرة أساس المجتمع قوامها الدين والاخلاق والوطنية وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها وجعل التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية وجعله الزاميا حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها كما الزم الدولة بان تعمل على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كل الإجراءات التي تتخذ حياله وتنفيذا لذلك نص المشرع العادى على كفالة الدولة لحماية الطفولة والامومة ورعاية الأطفال والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كل النواحى في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية.
- حق الطفل في الحياة والنمو في كنف اسرة متماسكة ومتضامنة والاستماع اليه من اخص حقوقه:
وأضافت المحكمة، أن المشرع حرص على الزام الكافة بحماية الطفل فقرر من ناحية الزام الوالدين أن يوفرا الرعاية والحماية الضرورية للطفل والزم من ناحية أخرى الدولة بكفالة المبادئ والحقوق المقررة للطفل على القمة من اولوياتها حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو في كنف اسرة متماسكة ومتضامنة، وفى التمتع بمختلف التدابير الوقائية وحمايته من كل اشكال العنف أو الضرر أو الاساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من اشكال اساءة المعاملة أو الاستغلال واوجب حق الطفل في الاستماع اليه في جميع المسائل المتعلقة به، بما فيها الإجراءات القضائية والإدارية وفقا للإجراءات التي يحددها القانون ورسم المشرع معيارا للافضلية اوجبه على الكافة لا محيص عنه ولا تبديل بان تكون لحماية الطفل ومصالحه الفضلى الاولوية في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة بالطفولة ايا كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها.
- أسوء حالات تعرض الطفل للخطر النابع من أسرته ذاتها:
وذكرت المحكمة، أن المشرع لم يكن بمعزل عما يتعرض له الطفل من خطر فاعتبر الطفل معرضا للخطر إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له في عدة حالات اخطرها تلك النابعة من اسرته ذاتها إذا كانت ظروف تربيته في الاسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها من شأنها أن تعرضه للخطر وكذا إذا حرم الطفل من التعليم الاساسى أو تعرض مستقبله التعليمى للخطر، ونظرا لأن الواقع العملى للحياة أسفر عن تناحر بعض الاسر المصرية عند حدوث اختلاف بين الزوجين بما يؤديه ذلك من رغبة كل من الزوجين في استلام ملفات الأطفال من مدارسهم لالحاقهم بالمدرسة التي يرغب كل منهما في الالتحاق بها ودون نظر عما ينجم عن هذا التناحر من تأثير سلبى على نفوس الأطفال من ناحية وتعريضهم للخطر من ناحية أخرى فقد نص المشرع على أن تكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن ورسم المشرع طريق الخلاف بين الزوجين واسرة كل منهما فاوجب عند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى أن يرفع أي من ذوى الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الاسرة بصفته قاضيا للأمور الوقتية ليصدر قراره بأمر على عريضة، مراعيا مدى يسار ولى الأمر وذلك دون المساس بحق الحاضن في الولاية التعليمية.
- الرعاية التعليمية ترتبط بمصلحة المحضون في البقاء عند امه لأنها أكثر رحمة وشفقة للأولاد وتعلم أمور النساء للبنات:
وأوضحت المحكمة، أن مدى الولاية التعليمية المعقودة للحاضن ترتبط بمصلحة الصغير وان أحقية الحضانة يجب أن يراعى فيها مصلحة المحضون وما مريه فيه أن المصلحة للمحضون غالبا أن يبقى عند أمه لأنها أكثر رحمة وشفقة وكونها أكثر تفرغا من الأب لرعاية الأطفال ولن يكون لغير الام عطفا وحنانا ورعاية بالصغار خاصة البنات اللاتى يحتجن لتعلم أمور النساء ولا يفصحن في أمورهن الخاصة إلا لأمهاتهن ولكثرة ما يحصل من اعتداء وتعنيف من قبل زوجات الآباء تجاه أطفال المطلقات وبالتالي فالأم أحق بالحضانة ومستلزماتها بشئون التعليم ما لم يطعن في عقلها أو أخلاقها وعفتها طعنا مثبتا.
- الالتحاق بالمدارس من مستلزمات الحضانة لأن الصغير خلالها ملتصق بحاضنته:
وأشارت المحكمة أن الام أحق بالحضانة وما يتفرع عنها من تربية الصغير وحفظه ورعايته ومن وعائها الولاية التعليمية مراعاة لما قرره الفقهاء من أن العبرة هي تحقيق مصلحة المحضون أولًا قبل مصلحة الحاضن ومن المقرر أن وجود الصغير، ذكرًا كان أو أنثى، في يد الحاضنة لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما، فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبيرأمورهما، وولايته عليهما كاملة، وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية ولها القيام بالضروريات التي لا تحتمل التأخير، وعلى قمتها الولاية التعليمية وما ينجم عنها من الالتحاق بالمدارس والعلاج بمراعاة إمكانات الأب. فالالتحاق بالمدارس من مستلزمات الحضانة لأن الصغير خلالها ملتصق بحاضنته ومن ثم تكون الولاية التعليمية للحاضن من ضرورات القيام بشئون الحضانة.
- على الآباء والأمهات أن يهيئوا للصغير من أمره رشدا ولا يتخذوا منه وسيلة ليكيد بعضهم لبعض ظهيرا متخذين من هوى النفس نفيرا فتتحول حياة الصغير عوجا:
وذكرت المحكمة إلى أن الأصل أن المتنازعين على حضانة الصغار وما يتفرع عنها من ولاية الحاضن التعليمية يتعين أن يهيّئوا للصغير من أمره خيرًا ورشدًا، لا أن يتخذوا منه وسيلة لتحقيق مآرب لهم لا صلة لها بمصلحة الصغير يكيد بعضهم لبعض ظهيرا، متخذين من هوى النفس نفيرا، فتتحول حياة الصغير في ظلها عوجًا وأمتًا لذا فإن تحقيق مصلحة الصغير تقتضى أن تكون شئونه التعليمية بيد من التصق به في كل دقائق حياته اليومية وهى حاضنته رعاية وتربية بحكم الرابطة الإنسانية الفياضة التي اختصها الله عزوجل واودعها قطبا للرحى بين الصغير وحاضنته.
- استخدام المشرع للفظ الولاية التعليمية للحاضن اثار اللبس والادق أن يستخدم الشئون التعليمية وهى من مستلزمات الحضانة:
وقالت المحكمة، إنه قد جاء بالآثار الصحيحة بأن النساء أحق بالحضانة ولا مرية في أن القيام بالشئون التعليمية للصغير – والمسماة بالولاية التعليمية - جزء متفرع من تلك الحضانة ومن مستلزماتها لالتصاق الطفل بحاضنته فإنه يروى أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله، هذا ابني، كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثدي له سقاء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينزعه مني، فقال رسول الله " أنت أحق به ما لم تنكحى "، ويروى أن عمربن الخطاب كان قد طلق امرأته من الأنصار بعد أن أعقب منها ولده عاصمًا، فرآه في الطريق وأخذه فذهبت جدته أم أمه وراءه، وتنازعا بين يدي أبي بكرالصديق، فأعطاها إياه، وقال لعمر الفاروق " ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك " ( الإمام أبو زهرة – الأحوال الشخصية – الطبعة الثالثة 1957 ) والرعاية التعليمية تتفرع عن حقيقة مفهوم الحضانة، فكيف ينشطر وجدان الطفل في مجال الشئون التعليمية بين حاضنته التي يعيش في كنفها وبين والده الذي لا يعايشه في كل دقائق حياته اليومية، وقد كان المشرع جانبه التوفيق لاستخدامه كلمة الولاية التعليمية مما اثار اللبس لدى كثير من أفراد المجتمع من أن الولاية في اصلها تكون دائما للاب على حين أن غاية المشرع لم تكن خرق احكام الولاية المعقودة للاب وفقا لاحكام الشريعة الإسلامية الغراء وانما كان قصده قيام الحاضن على شئون الصغير التعليمية لذا كان من الاوفق على المشرع أن يتجنب ما قد يثور اختلاطا للمفاهيم بين الولاية وان كانت تعليمية وبين دقة القيام بالشئون التعليمية وهو المعنى الحقيقى الذي رمى اليه سعيا لمصلحة الصغير.
- لا يجوز ترويع الصغير بانتزاعه من حاضنته واختيار النظام التعليمى وفق هوى الاب يخل بأمنه واطمئنانه ويهدد استقراره
وأضافت المحكمة إن الحضانة – في أصل شرعها- هي ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه في الفترة الأولى من حياته وعلى قمتها شئونه التعليمية، والأصل فيها هو مصلحة الصغير، ولا ينشطر وجدان الصغير بعيدا عن حاضنته بما تنتزع عنها عنوة أمر ولاية تربيته وما يتصل بها اتصالا وثيقا من تعليمه وعلاجه، لعلة هي ارتباط الصغير بالحاضن فان ذلك لايعدو أن يكون تقريرًا لأحكام عملية في دائرة الاجتهاد أملتها التغيرات التي طرأت على المجتمع والأسرة في ظل التناحر بين الاباء والامهات على اختيار النظام المدرسى للصغير ورغبة كل منهما في التحاق الطفل بمدرسة تغاير رغبة الطرف الاخر وقيام كثير من الازواج بالانتقام من طليقاتهم متجسدا ذلك الاضرار بالصغير وهو مازال في كنف حاضنه، فان عقد الولاية التعليمية للحاضن لا يصادم الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة ومبادئها الكلية، وذلك الأمر لم يصدر عن نظرة تحكمية لصالح الحاضن بل غايته أن مصلحة المحضون تقتضى عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته واختيار النظام التعليمى وفق هواه بما يخل بأمنه واطمئنانه ويهدد استقراره اتساقًا مع المستجدات الاجتماعية والثقافية، فان المشرع عقد الولاية التعليمية للحاضن والحاضن اورده المشرع على سبيل الحصر من المحارم من النساء ثم العصبات من الرجال فلم يحرم الرجال منها وانما لجأ إلى تفضيل النساء لالتصاق الطفل بحاضنته التي تقوم على تربيته ورعايته.
- بعض الاباء عقب الطلاق يختارون نظامًا تعليميًا اقل جودة للصغار نكاية في الأم أو إشعارها بالذل والهوان مما يتعارض مع الصفاء النفسى للطفل ويعرض حياته التعليمية للخطر
وقالت المحكمة، أن الأمومة والطفولة صارت قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتها ضرورة حتمية لتقدمها، ولما كان الاصل أن كل قاعدة قانونية لا تحمل ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة، تكفل في مضمونها المصالح الحقيقية التي يتعين أن تشرع الأحكام لتحقيقها، فإذا كان المشرع قدر أنه بما أورده من النص على جعل الولاية التعليمية للحاضن فإنها يرمى إلى تحقيق المصالح المشروعة للمحضون وبما يتلاءم مع ما طرأ على المجتمع من تغير وتطور في ظروفه وثقافته دون أن يضيق على الناس أو يرهقهم والحاصل أن بعض من الاباء يتناحرون بعد الانفصال عن زوجاتهم بشأن اختيار النظام التعليمى للصغار إما نكاية في الحاضنة أو إشعارها بالذل والهوان لإرغامها على التنازل عما يكون لها من حق فيتصارعون على سحب الملفات الدراسية للصغار – على نحو ما كشفت عنه الدعوى الماثلة - إما لنقلهم في مدارس تقع خارج نطاق المحافظة المقيدين دراسيا بها لتكون بعيدة عن اعين الحاضنة لتعجيزها واما لالحاقهم بمدارس اقل مستوى في تقديم خدمة التعليم وإما لتغيير مسار النظام التعليمى بأكمله بنظام تعليمى آخر اقل جودة ولا ريب أن هذا التصارع والتناحر فيه ما يؤثر على نفسية الطفل وتعريض حياته التعليمية لخطر الرسوب والتشتت والضياع، لذا فان بقاء الصغير مع حضانته للقيام بتربيته ورعايته وعلى القمة من تلك الرعاية شئونه التعليمية هو ما يحقق الصفاء النفسى للطفل.
- استحكام الخلاف بين الزوجين وتهادم بنيان الاسرة يحيل حياتهما سعيرا فلا يجوز للزوج النكاية بمطلقته عندا ونفيرا ولا يمتد أوزاره إلى الأطفال:
وأشارت المحكمة أنه إذا اضحى الخلاف بين الزوجين مستحكما واصبح الشقاق بينهما عميقا وصار بنيان الاسرة متهادما وصرحها متداعيا ورباطها متأكلا يكاد أن يندثر وكان وقوع شقاق استفحل أمره بين الزوجين انحرافا من احدهما أو كليهما عن مقاصد الزواج الذي كان من ثمرته انجاب الأطفال ووقع الطلاق بينهما فان صدعهما مازال غائرا يقيم بينهما جفوة في المعاملة لا يكون العدل والاحسان قوامها بل يذكيها التناحر والتصارع فلا تكون حياتهما الا سعيرا يمتد اوزاره إلى الأطفال، ولا يؤول أمر الاسرة الا هشيما ولا يكون الفها ووفاقها الا حسيرا، وكان خلافهما وان صار عميقا ونزاعهما مستحكما لا يحول دون جهد يبذل من جانبهما أو من قبل عدول من اهلهما يسعيان بينهما معروفا بشأن استكمال النظام المدرسى لهؤلاء الأطفال كما كان قبل الطلاق أو التصدى لرغبة الاب في تبديل هذا النظام بعد حدوث الطلاق مما يجعله غير خالص النية في مصلحة الصغير بقدر النكاية بمطلقته عندا ونفيرا، وكان على المشرع أن يفاضل بشأن الولاية التعليمية للصغير وعقدها بيد الاب الذي لا يعيش في حضنه أو للحاضن الذي يرتكن اليه الصغير في همساته وسكناته وحركاته، لإن الحضانة – في أصل شرعتها – هي ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه في الفترة الأولى من حياته واهمها شئونه التعليمية، والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهي تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التي لها الحق في تربيته – إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه، وأحرص على توجيهه وصيانته.
- انتزاع ولاية الشئون التعليمية عن الام مظلمة للصغير ولا يجوز أن يعهد به إلى من يأكل من نفقته، ويطعمه نزرًا، أو ينظر إليه شزرًا:
قالت المحكمة إن انتزاع ولاية شئونه التعليمية منها – وهي أشفق عليه وأوثق اتصالًا به، وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبرًا – مظلمة للصغير إبان الفترة الدقيقة التي لا يستقل فيها بأموره، والتي لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى من يأكل من نفقته، ويطعمه نزرًا، أو ينظر إليه شزرًا ولا تقيم الشريعة الإسلامية – في مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها – للاب حال طلاقه لزوجته وحصول الام على حضانة الصغير تخوما لما يدخل في نطاق الحضانة تغاير نطاق قيام الحاضن على شئون الحياة اليومية للمحضون واللصيقة به واللازمة للتربية كالتعليم والعلاج انطلاقا من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها وان تطرق الخلل اليها - ولو في بعض جوانبها – مدعاة لضياع الصغير، ومن ثم تعين أن يعهد بالولاية التعليمية على الطفل للحاضن بما يكون كافلا لمصلحته وادعى لدفع مضرة النزاع بينهما عنه وعلى تقدير أن مدى ولاية الحضانة على نفع المحضون وان رعايته التعليمية والنفسية والاجتماعية والتربوية والاخلاقية مقدمة على اية مصلحة لغيره حتى عند من يقولون بان الحضانة لا تتمخض عن حق للصغير وانما يتداخل فيها حق من ترعاه ويعهد اليه بأمره.
- قيام الاب بتغيير النظام المدرسى للأطفال بعد الطلاق القصد منه الانتقام من زوجته التي انفت العيش معه وليس مصلحة الطفل:
وقالت المحكمة انها تشير إلى أن واقع الحياة العملية كشف أنه بعد الطلاق بين الزوجين تحدث الكثير من المشكلات الاجتماعية حيث يتصارع الكثير من الآباء والأمهات بعد الانفصال على رعاية الأبناء الذين يتم توظيفهم في بعض الأحيان لانتقام أحد الطرفين من الآخر مما يتسبب في تدمير حياة الأطفال، فضلا عن التعسف والجفوة والمساومة من بعض الأزواج في أمور تتعلق بمصالح الأطفال في سحب ملفاتهم الدراسية من المدارس والذي يؤدى إلى حرمان بعض الأطفال المحضونين من حقوقهم المدنية وسيق ببعضهم إلى التأخير والرسوب الدراسى وحيق الخطر بمستقبلهم العلمى على إثر التناحر بين كل من الزوج والزوجة وامتد ذلك التناحر إلى عائلة كل منهما وذلك كله بقصد الضغط على ارادة الأم الحاضنة لتسليم الأطفال ليس لرغبة الأب في الاعتناء بهم وبقدر ما هي رغبة في الانتقام والتشفي من الزوجة التي انفت العيش معه، لذا فان مصلحة الصغير هي المعيار الذي يجب مراعاته في جميع الإجراءات والقرارات التي تخص الصغار وكان لتخفيف المعاناة على المرأة الحاضنة أن استن المشرع حكما قانونيا بجعل الولاية التعليمية للحاضن وهو حكم يساهم في علاج المشكلات التي تهدد المطلقات وأطفالهن نظير تعسف بعض الأزواج وتحكمهم غير المبرر بمصير الأبناء من خلال التهديد بعدم استكمال الإجراءات اللازمة في الاستمرار بالمدارس التعليمية التي استقروا بها والعمل على سحب ملفاتهم لالحاقهم بمدارس أخرى في أماكن بعيدة واقل في المستوى التعليمى مما يؤثر على مستقبلهم واستقرارهم النفسي والاجتماعي.
- تطور الحياة كشف عن أن المرأة الحاضنة أكثر من الرجل سدادًا وكفاية للأطفال وهى أمور تتعلق بمنافع محضة للمحضون:
وأوضحت المحكمة أن تقرير الولاية التعليمية للحاضن يوافق تطور الحياة بعد أن وجد في المرأة الحاضنة سدادًا وكفاية وتقوم على هذه الأمور من تلقاء نفسها ذلك أن الحضانة تتعلق بأمور خطرة للغاية وهي التربية والتنشئة وحفظ مال الصغير وهى أمور تتعلق بمنافع محضة له، فالأم الحاضن هي المسئولة عن التعليم ولا ضير في ذلك بالنسبة للاب ذلك أن المشرع عند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى اجاز أن يرفع أي من ذوى الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الاسرة بصفته قاضيا للأمور الوقتية ليصدر قراره بأمر على عريضة، مراعيا مدى يسار ولى الأمر وذلك دون المساس بحق الحاضن في الولاية التعليمية وهذه الرقابة القضائية هي الضابط الذي يوازن بين تناحر الاب والام لما يحقق مصلحة الطفل الفضلي الولاية التعليمية للحاضن باعتبار أن الام التي لا تتزوج هي الأقرب إلى حياة الطفل من أبيه وبهذه المثابة فان المذهب الصحيح لمصلحة الصغير يقتضى أن تكون الولاية التعليمية للحاضن والقول بجعل الولاية التعليمية للاب حين أن الأطفال في حضانة الام يضر بالصغير اذ كيف تكون الولاية للاب على أطفال لا يعيشون معه وهم في كنف امهم ! وتكون النتيجة في النهاية الاضرار بمصلحة الأطفال وتدمير كيانهم النفسى وتهديد مستقبلهم الدراسى وتعريضه للخطر.
- الشئون التعليمية من الحقوق اللصيقة بالطفل وحاضنته ولا يجوز انتزاعها إعناتا أو ترويعا أو اغفالا للفروق الجوهرية لذكورتهم وأنوثتهم بما يضمن وقايتهم مما يؤذيهم:
وقالت المحكمة إن مصلحة الصغير تقتضى أن تكون الولاية التعليمية عليه للحاضن باعتبار أن الشئون التعليمية من الحقوق اللصيقة بالطفل الملتصق بحاضنته ومن المسائل اليومية الجوهرية التي تدخل ضمن أوليات الحاضن فلا يجوز انتزاع الولاية التعليمية للصغير أو الصغيرة من حاضنته اعناتا أو ترويعا أو اغفالا للفروق الجوهرية بين المحضونين تبعا لذكورتهم وانوثتهم وخصائص تكوينهم التي تتحدد على ضوئها درجة احتياجهم إلى من يقوم على تربيتهم ووقايتهم مما يؤذيهم وغاية ذلك اعدادهم لحياة افضل ينخرطون فيها بعد تهيئتهم لمسئوليتها وكان تعهد المحضون – صغيرا كان أو صغيرة – بما يحول دون الاضرار بهما مؤداه أن تكون الولاية التعليمية للقائم على حضانته اذ النفس البشرية التي جبلت عليها المراة تجاه صغيرها تقوم على الايثار والعطف والتضحية الخالصة وتأبى الاضرار به ايا كانت الأسباب بخلاف الاب الذي يمكن أن يبدر منه ما يضر بالصغير عن غير قصد للوصول إلى النكاية والاضرار بالام التي استنكفت العيش معه، فلا تكون نفسه راضية تجاه ما عساه أن يراه استكراها لحياتها معه وان كان ذلك لا ينال من حق الاب في أن يباشر عليهم اشرافا مباشرا بحكم ولايته الشرعية التي لا يجب أن تتعارض مع مصلحة الصغير وحقه الطبيعى لدى حاضنته وعند الخلاف بينهما على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى فلم يمنع المشرع الاب – كما تقدم - أو أي من ذوى الشأن أن ينازع الحاضن في الولاية التعليمية ولم يغلق الباب في وجه أن راى سبيلا مشروعا، بل اجاز له أن يرفع الأمر إلى رئيس محكمة الاسرة بصفته قاضيا للأمور الوقتية ليصدر قراره بأمر على عريضة، مراعيا مدى يسار ولى الأمر وذلك دون المساس بحق الحاضن في الولاية التعليمية، ولا يعدو ذلك أن يكون تقريرًا لأحكام عملية في دائرة الاجتهاد، أملتها التغيرات التي طرأت على المجتمع والأسرة والتي اصبحت الأم عنصرا فاعلا فيها .
- 8 أحكام متلاحقة من محكمة الاسرة بالحضانة والولاية التعليمية تتأرجح بين الأب والأم والجدة للأب والجدة للأم تجسد قمة الصراع على الأطفال ونقلهم لمحافظتين:
قالت المحكمة أن الثابت بالاوراق وفى ضوء ما كشفت عنه الدعوى الماثلة من التناحر بين عائلتى الصغيرين من جهة الاب وجهة الام في مجال الحصول على احكام متلاحقة بالحضانة لدى محكمة الاسرة فثمة حكم أول من محكمة الاسرة بالحضانة لام الأطفال عند طلاقها وحكم ثان لمحكمة الاسرة لحضانة الطفلين للجدة للاب وحكم ثالث لمحكمة الاسرة لحضانة الصغيرين للجدة للام وحكم رابع لمحكمة الاسرة لحاضنة الطفلين للام بعد طلاقها من زوجها الجديد، وقد استمر التصارع بين العائلتين بشأن الحصول على احكام متلاحقة بالولاية التعليمية من قاضى الأمور الوقتية فتارة حكم أول من قاضى الأمور الوقتية بالولاية التعليمية لام الأطفال عند طلاقها وتارة ثانية حكم لاحق من قاضى الأمور الوقتية بالولاية التعليمية للجدة للام عند زواج ام الصغيرين وتارة حكم ثالث من قاضى الأمور الوقتية بالولاية التعليمية للجدة للاب التي طعنت على حكم الولاية للجدة للام استنادا إلى مرضها وتارة حكم رابع من قاضى الأمور الوقتية بالولاية التعليمية للام بعد طلاقها من زوجها الجديد وما تخلل هذه الاحكام الثمانية بين العائلتين من انتقال الطفلين من المدارس المقيدين بها بمحافظة البحيرة ثم العودة بهم إلى مدارس أخرى بمحافظة الإسكندرية ثم محاولة العودة بهم إلى مدارس محافظة البحيرة على نحو اصبح المستقبل التعليمى للصغيرين معرضا للخطر بالفعل وهو ما استبان من رسوبهما وهما في مرحلتى الابتدائية والاعدادية، ومن ثم فان رفضت الجهة الإدارية منح ملفات الطفلين للاب - سعيا منه بتحويلهما مرة ثالثة إلى مدرسة يريدها بمحافظة البحيرة بدلا من محافظة الإسكندرية اذ استقرا مع حاضنتهما الام – وكان رفضها مستندا إلى صدور حكم من محكمة الاسرة بالحضانة التي عادت للام بعد طلاقها من زوجها الجديد واستنادا كذلك إلى صدور حكم من قاضى الأمور الوقتية بالولاية التعليمية لتلك الام فان قرارها يكون موافقا لصحيح حكم القانون
- الطفلان قررا امام المحكمة نريد حلا ولم ندخل امتحانات نصف العام والمحكمة لا قوة تفصم عرى الامومة التي القاها الله عزوجل في قلب الام استنكافا بقسوة الاب عليهما:
قالت المحكمة إنه ازاء اقرار الطفلين امام هذه المحكمة الثابت بمحضر الجلسة بأنهما يريدان حلا ولم يدخلا امتحانات نصف العام ويأنفان العيش مع والدهما ويؤثران الاحتماء باحضان والدتهما فان المحكمة تقر أنه لا توجد قوة تستطيع أن تفصم عرى الامومة عن مجراها الطبيعى التي اختصها الله عزوجل والقى بها في قلب الام استنكافا بقسوة الاب عليهما، اخذا في الاعتبار أن خطاب المشرع الدستورى لكافة سلطات الدولة – ومنها السلطة القضائية - الالزام بالعمل على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كل الإجراءات التي تتخذ حياله، وانه ازاء ما كشفت عنه هذه الدعوى من التناحر بين الاب والام المطلقة من جهة والتصارع بين الجدة للاب والجدة للام من جهة أخرى وحصول كل منهم على احكام متلاحقة من محكمة الاسرة عن حضانة الطفلين ثم احكام أخرى متلاحقة أيضا عن الولاية التعليمية من قاضى الأمور الوقتية وازاء الآثار المدمرة في نفوس الأطفال عن الخلافات الزوجية التي ينجم عنها الطلاق والافتراق والانزعة بشأن الحضانة تارة وبشأن الولاية التعليمية تارة أخرى والتنازع على الالتحاق بمدرسة تغاير الاخرى كل منهما في محافظة مختلفة، كان من نتيجته استلام الملفات والتحويلات عدة مرات بناء على احكام الحضانة المتلاحقة واحكام الولاية التعليمية المتتابعة أنه لم يحضر التلميذين امتحان الفصل الدراسى الثانى عن العام الدراسى 2014/2015 وتعرض مستقبلهما الدراسى للخطر الحقيقى فاذا أصدرت الجهة الإدارية قرارها المطعون فيه ببقاء التلميذين بمدارسهما دون تسليم ملفهما الدراسى للمدعيين الاب والجدة للاب ليقوما بتحويلهما لمدارس أخرى في محافظة البحيرة حال أقامتهما مع حاضتهما الام بعد طلاقها من زوجها الجديد في محافظة الإسكندرية وبالنظر إلى حصول الام على حكمين اخيرين في نهاية الصراع الاسرى بين العائلتين بعد طلاقها من زوجها الجديد، احدهما صادر من محكمة الاسرة بحضانة الطفلين والاخر حكم من قاضى الأمور الوقتية بالولاية التعليمية، فان قرارها برفض تسليم الملفين الدراسيين للطفلين للاب أو للجدة للاب يكون متفقا وصحيح حكم القانون.
- شطط الاباء وقسوتهم على الامهات واشتعال تدخل عائلتهما يصيب الأطفال بأمراض نفسية وفقدان الثقة والتخلف الدراسى أكبر مأساة:
قالت المحكمة أنه يجب عليها أن تسجل خطورة الماساة التي يثيرها شطط كثير من الاباء وقسوتهم على الامهات ويزيدها اشتعالا تدخل عائلة كل طرف منهما بما يعمق النزاع على الولاية التعليمية تظهر اثاره السيئة من مشكلات اجتماعية نتيجة للتصارع من الوالدين من ناحية والتناحر من عائلتهما من ناحية أخرى ورغبة كل فريق منهما في استلام الملف المدرسى والحاق الصغير بمدرسة معينة تغاير رغبة الاخر إنما ترتبط بالأساس بحضانة الأطفال بعد الطلاق بعد أن اصبح إحصاءات الطلاق في المجتمع المصرى بل والمجتمع العربى – ومصر قلبها النابض - مخيفا للغاية وفى تصاعد مستمر على نحو اضحى معه رعاية الأبناء تعليميا بعد الطلاق في خطر، خاصة أنه يتم توظيفهم في بعض الأحيان لانتقام أحد الطرفين من الآخر مما يتسبب في اصابتهم بأمراض نفسية واضطرابات القلق والاكتئاب والتشتت النفسي والشعور بالضياع وفقدان أحد الوالدين وبعدم الأمان وفقدان الثقة بمن حولهم وهي الثقة التي يصعب استعادتها مستقبلا فضلا عن المشكلة الاهم وهى التخلف الدراسي – وهو ما كشفت عنه الدعوى الماثلة - ويظل مصير هذا التخلف دراسيا هو أكبر مأساة نتيجة للتصارع والتناحر بين الاباء والامهات بعد الطلاق ويؤدى إلى تدمير حياة الأطفال.
- لا عبرة بان الولاية التعليمية للحاضن يخالف المذهب الحنفى لأن اجتهاده ليس بالضرورة احق بالاتباع من غيره، وربما اضعف الاراء سندا أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة:
قالت المحكمة أنه لا يوهن في سلامة ما ذهبت اليه المحكمة، القول بان عقد الولاية التعليمية للحاضن يخالف ارجح الأقوال في المذهب الحنفى وهو المذهب الرسمى للدولة فان ذلك مردود عليه بان اية قاعدة قانونية ولو كان العمل قد استقر عليها امدا لا تحمل في ذاتها ما يعصمها من العدول عنها وابدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكما شرعيا قطعيا ورودا ودلالة وتكون في مضمونها أرفق بالعباد وأحفل بشئونهم وأكفل لمصالحهم الحقيقية التي يجوز أن تشرع الاحكام لتحقيقها بما يلائمها، فذلك وحده طريق الحق والعدل وهو خير من فساد عريض، ومن ثم ساغ الاجتهاد في المسائل الاختلافية التي لا يجوز أن تكون احكامها جامدة بما ينقض كمال الشريعة ومرونتها، ذلك أن أعمال حكم العقل فيما لا نص فيه توصلا لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بين عباده وعلى القمة منهم الصغار مرده أن هذه القواعد تسعها الشريعة الإسلامية، اذ هي غير منغلقة على نفسها، ولا تضفى قدسية على أقوال أحد من الفقهاء في شأن من شئونها ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وابدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم عليها دليل شرعى، فالاراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع اصحابها بها، ولا يسوغ بالتالى اعتبارها شرعا ثابتا متقررا لا يجوز أن ينقض والا كان ذلك نهيا عن التأمل والتدبر والتفكر والتبصر في دين الله تعالى وانكارا لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس بالضرورة احق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان اضعف الاراء سندا أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ولو كان مخالفا لأقوال استمر العمل عليها زمنا.
- النشاط الفقهي لا يجب أن يقتصر على اجترار التراث الفقهي بل يتعين أن يشق طريقه نحو التجديد ومواكبة روح العصر:
وأضافت المحكمة أنه فضلا عن ذلك فإنها يجب التصدى لظاهرة التقليد وشيوع إغلاق باب الاجتهاد الذي يؤدى إلى الجمود والركود فلا يجب أن يقتصر النشاط الفقهي على اجترار التراث الفقهي عن طريق شرحه واختصاره أو تنظيمه من دون إضافة بل يتعين على الدراسات الفقهية أن تشق طريقها نحو التجديد والتطوير ومواكبة روح العصر والتعبير عن بيئته ومشكلاته المختلفة تسايرا مع التطور الزمني، ذلك أن التجديد الصحيح هو الذي يؤدى إلى تقدم المعارف الإنسانية كما أن اختلاف المذاهب الفقهية في كثير من الأحكام والفروع له أسباب علمية وموضوعية اقتضت تقريرها وتعد هذه الثروة الفقهية التشريعية من نعم الله على الامة الإسلامية تجعلها في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد، بل يجوز الخروج عن مذهب أحد الأئمة الفقهاء إلى غيره من المذاهب إذا وجدت في المذهب الآخر سعة ومرونة يحقق صالح المجتمع.
- وختاما:المحكمة للرجال: لا تستبدوا بالزوجات حتى لا يستجير الأطفال من بأسكم ونار الحيرة تعصف بنفوسهم ولن يكون غير قلب الام ركنا للاحتماء والاحتواء
واختتمت المحكمة حكمها التاريخى أنه ازاء تلك المضار التي تصيب الأطفال في صحتهم النفسية ومستقبلهم الدراسى نتيجة التناحر بين الزوجين بعد انفصالهما والتصارع بين عائلتيهما بشأن تعميق الافتراق، تجد المحكمة لزاما عليها أن التذكير للمجتمع بان العقيدة الإسلامية – التي يستقى الغرب جواهرها - قوامها خلقا متكاملا وسلوكا متساميا واعمق فضائلها أن يكون المؤمن منصفا خيرا فطنا معاونا لغيره رءوفا بالاقربين فلا يمد يده لاحد بسوء ولا يلحق بالاخرين ضررا غير مبرر بل يكون للحق عضدا وللمروءة نصيرا ولاباء النفس وشممها ظهيرا، وما الزواج الا علاقة نفسية واجتماعية يرتهن بقاؤها بمودتها ورحمتها باعتدالها ويقظتها بعدلها واحسانها، وان تمزيق اوصالها بالشحناء ايهان لها ومروق عن ادراك حقيقتها، وكلما استبد الرجل بزوجه وارهقها صعودا بما يجاوز حد احتمالها فان سعيها في التفريق منه يكون جزاء وفاقا، فاذا ما استمر عتو خلافهما بعد طلاقهما وقد احال مسراه ضلالا وقد اقر الطفلين امام هذه المحكمة في محضر الجلسة انهما لا يبغيان العيش الا مع حاضنتهما افلا يستجير الأطفال الصغار من بأسائهم ونار الحيرة تعصف بنفوسهم فلم يجدا بعد صراع العائلتين غير قلب الام ركنا للاحتماء والاحتواء.