السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السياسات الغربية وصناعة داعش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكتف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في حديث نشرته له مجلة "ذي أطلانتك" الخميس 10 مارس الجاري، بأن يذكر قيادات أوروبية بأنها كانت منشغلة بشئونها الداخلية عندما قامت قوات حلف الأطلنطي بالجهد الحربي "لمساعدة المحتجين" على إسقاط حكم معمر القذافي في ليبيا عام 2011، بل حملهم مسئولية تداعي الأوضاع في هذا البلد لأنهم لم يتدخلوا بالشكل الملائم في الوقت المناسب لنجدة شعب ليبيا من منطلق "أنهم هم الأقرب".
على الجانب الآخر ترفض حكومات كل من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وصاية البيت الأبيض التى تحضها علي إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لوقف نشاطات داعش الإرهابية، حيث تجمع على أن "الظروف غير مواتية لإرسال قوات برية إلي ليبيا دون قرار من مجلس الأمن يرتكز على موافقة حكومة الوفاق الوطني على هذه الخطوة".
وكلهم بلا استثناء لم يقدموا يد المساعدة الواجبة ولا الدعم الدولي الكافي لحكومة فايز السراج، التى أعلن المجلس الرئاسي الليبي عن تشكيلها يوم 14 مارس الجاري ووصفها بأنها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي".
لذلك لا نتوقع أن يؤتي قرار مجلس الأمن رقم 2259 الذي يوصي أعضاء المنظات الدولية بوقف المساعدات وأي اتصالات وتعاملات رسمية مع الكيانات الموازية داخل ليبيا وتعمل خارج الإطار الشرعي لحكومة الوفاق الليبي، أي نتائج إيجابية فعالة في القريب العاجل.
ونسأل..
مع وجود المئات من رجال الاستخبارات والعشرات من ممثلي شركات الأمن الغربية الخاصة المنتشرين على شاطئ مدينة طرابلس التى تقوم بجمع المعلومات وتبعث بتقاريرها وتوصياتها على مدار ساعات الليل والنهار إلى العديد من العواصم الغربية، وتتعاون فيما بينها لعقد صفقات من أمراء الحرب!.
وفي ضوء تقارير الأمم المتحدة التى أكدت أن "ليبيا أصبحت مصدر جذب للمقاتلين الأجانب الذين أصبح أكثرهم يصلون إليها فوق أمواج البحر المتوسط، إلى جانب استمرار تدفقهم من السودان وتونس".
هل هذا وقت تبادل الاتهامات بين الأطراف الغربية التى تدعي كل يوم أنها تعمل ما بوسعها لوقف الانفلات الأمني الليبي الذي يتمدد مع إشراقة كل صباح في جميع الاتجاهات؟.
وهل من مصلحة هذه الأطراف الفاعلة أن يختلفوا حول قضية الشعب الليبي بحيث يفتحوا ملفًا إضافيًا للصراع الدولي مع الإرهاب والتطرف؟.
وهل لم تستوعب تقاريرهم المخابراتية والأمنية بعد حجم المخاطر التى أصبح يمثلها تمدد قدرات تنظيم داعش في الفضاء الليبي بعد ما قيل حول انتقال الكثير من قياداته إلى هناك تحت وطأة نتائج المعارك التى يتعرض لها في كل من سوريا والعراق؟.
ونقول..
إن لم تكن هذه القوى قادرة في اللحظة الراهنة على القيام بعمل إيجابي عسكري وسياسي في آن واحد يترجمه برنامج زمني لوقف العنف والإرهاب والتطرف الذي يهدد بالانتقال من داخل ليبيا إلى الساحة الأوروبية ودول الجوار على امتداد المساحة الواسعة من شرق البحر المتوسط إلى غربه، فعليها البدء فورًا في وقف تدفق المجاهدين من تركيا إلى دول الشمال الأفريقي!، حتى لا تتكرر العملية الإجرامية التى شهدتها مدينة بن قردان التونسية منذ نحو عشرة أيام في نفس المكان أو بالقرب منه أو إلى شماله.
إن لم تتكاتف مساعي هذه القوى لتقديم المساعدة الإيجابية للقبائل الليبية غير المنحازة لأي من الميليشيات المتطرفة خاصة الإسلامية منها، ولتقريب وجهات النظر بين البرلمان الليبي الشرعي في طبرق والمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في طرابلس، ستتحول حكومة الوفاق الوطني إلى عبء إضافي وإلى أداة تنازع بدلًا من أن تكون قناة للمصالحة ومسيرة ناضحة نحو المستقبل لو صدقت النيات.
إن ما يصفه بعض الساسة الغربيين اليوم بأنه مغامرة غير محسوبة العواقب لتبرير تراخيه في التعامل مع تداعيات القضية الليبية بكل مآسيها برغم ما يمكن أن يقدمه من خطوات فعالة وإيجابية لوقف الانفلات الأمني الذي يهدد مجتمعاته، ربما يندم غدًا عندما يناله من بعض نيران التطرف أو كل لهيبها.
ونضيف بوضوح..
إذا كانت حكومة الجزائر ترفض التدخل العسكري في ليبيا وتتمهل في المشاركة ضمن خطط الاتحاد الأوروبي لمحاربة الإرهاب ووقف هجرة كوادر داعش إلى ليبيا، فمن واجب باريس أن تضغط عليها بورقة الغاز باعتبارها ثالث أكبر مصدر له إلى أوروبا لكي تساهم في إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الوطن الليبي، خاصة أن قواتها المسلحة تعد الأكبر والأقوى بين دول الاتحاد المغاربي، حتى لا يقع شعبها بين فكي خفض الدعم من ناحية وخلايا داعش النائمة من ناحية أخرى.
وإذا كانت الحكومة التونسية تتخذ نفس الموقف فعلى باريس أن تذكرها بأن موقفها هذا لم يرحم شعبها من التعرض لمذبحة في بن قردان، راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين والعسكريين ممن لا ناقة لهم ولا جمل على مستوى ملف القضية الليبية ولا تنظيم داعش.
هاتان الملاحظتان على أهميتهما، يفتحان الباب للتأكيد على:
أن حكومة الوفاق الوطني التى سارع مبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر بالترحيب بها، لن تتمكن من ممارسة دورها وربما لن تستطيع أن تتقدم بطلب رسمي لمجلس الأمن لكي يساعدها عسكريًا على التخلص من الميليشيات المتطرفة التى يعاني منها شعبها وعلى وقف تمدد تنظيم داعش في ربوع أراضيها.. لأن القوى الليبية الفاعلة على الأرض رأت في تشكيلها تجاوزًا لحقوق برلمان طرابلس الذي يرى أنه وحده يملك حق منحها الثقة.
إن حكومة "السراج" هذه إذا ما طالت فترة شللها الزمنية ستتحول إلى كيان ثالث عاجز يضاف إلى جانب الكيانين الآخرين.. حكومة الغرب برئاسة خليفة الجويل التى تخضع لفكر جماعة الإخوان وسطوة فصيل فجر ليبيا الموالي لها.. وحكومة الشرق برئاسة عبدالله الثني المتعاون مع الجنرال خليفة حفتر غير المرغوب فيه من جانب البرلمان والمؤتمر الوطني.
هذا الشلل من شأنه أن يحد من "شرعية" السراج لطلب المساعدة من حلف شمال الأطلنطي عبر مجلس الأمن لكي تتمكن قوات بلاده المسلحة من تحرير سرت وصبراتة وغيرهما من قبضة الكوادر الموالية لتنظيم داعش.
هذا العجز المتوقع لحكومة الوفاق الوطني يقابله من الناحية الأخرى تنامي سيطرة الميليشيات الإسلامية المتطرفة على مساحات جديدة من الداخل الليبي إلى الدرجة التى جعلت عبدالقادر النجدي الذي وصف نفسه بأنه قائد تنظيم داعش الجديد في ليبيا يقول عبر واحدة من الفضائيات "تنظيمنا يشتد عوده في كل يوم لكي يكون على استعداد لمواجهة التدخل الأجنبي في ليبيا وهزيمته شر هزيمة".
هذا التنامي عكسه التنظيم في شكل رسالة حرص على أن يبعث بها إلى الحكومة الجديدة بعد أيام قليلة من تشكليها عندما قام مسلحوه منتصف الشهر الحالي بمحاولة لتدمير محطتي الكهرباء والمياه التي تغذي حقل سرير النفطي في شرق البلاد، وبرغم فشل العملية إلا أن جميع الأطراف الخارجية والداخلية تعلم حقيقة العلم أن القوات الليبية المُوكل إليها حماية آبار ومنشآت النفط في ليبيا ليست بالقوة التى تمكنها من الصمود طويلًا إذا ما تعرضت لهجوم قوي ومتواصل من جانب تنظيم داعش.
كافة الأطراف تعلم أن التنظيم يعمل ما في وسعه لكي يضع يده على مصادر النفط الليبي لكي يستثمرها في سداد نفقاته واستقدام أنصار جدد، وتقول العديد من التقارير إنه يستغل تقاعس القوى الغربية حيال قضية الشعب الليبي لكي يحقق هذا الهدف بكل السبل.
من جانبنا نعي..
أن الدول الغربية لن تضحي بقواتها البرية في حرب من أجل الشعب االليبي المغلوب على أمره، ولكننا لا نفهم لماذا يتركون ألسنة النيران تتصاعد حتى تعبر السماء شمالًا إلى حيث تنعم شعوبهم بالأمن والاستقرار.
وأنها ضغطت بما فيه الكفاية لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، ولكننا نجهل تمامًا لماذا تتركها بمفردها في مهب الريح لكي تستخلص القدرة على التقدم بطلب الحصول على المساعدة الخارجية لإعادة الأمن والاستقرار لهذا للوطن الليبي.
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقول لدول حلف الناتو..
اعلموا جيدًا أن استمرار تضارب سياساتكم حيال التوافق لمحاربة داعش سيجعل من ليبيا مكانًا آمنًا لتنامي العنف والتطرف والدموية، ومعبر للققز إلى دول الجوار وإلى الشمال بوجه خاص، انتقامًا مما جرى لأنصاره في كل من العراق وسوريا!.
drhassanelmassry@yahoo.co.uk