الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خطاب التكفير والتفجير والتشهير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التكفير طريقة من طرق التعبير لدى الجماعات الدينية المتطرفة، وتصدير "الحاكمية لله" كتدليل على ما ذهبت إليه من تكفير للأفراد والمجتمعات، ولا مانع من التشهير قبل أو بعد التكفير؛ فالجماعات الدينية المتطرفة لديها طرق كثيرة للاغتيال بعضها جنائي وبعضها معنوي، ولا يعني اعتمادها على الاغتيال الجنائي أنها تهمل الاغتيال المعنوي، فهذه المجموعات تقوم باغتيال الشخصية المستهدفة أو المجتمع المقصود قبل تكفيره أو بعده أو أثناء إعمال القتل والتفجير، وقد نجحوا في تشويه شخصيات كثيرة ومجتمعات أكثر من خلال إعلامهم الذي يبدو متواضعًا أمام إعلام بعض المجتمعات بوسطيتها.
تلازمية تجمع المفاهيم الثلاثة ولا تنفك عنها جماعات العنف، فما من جماعة متطرفة إلا واستخدمت التكفير، وكان التشهير أداتها التي لا يمكن الاستغناء عنها في معركة القتل والتفجير؛ فالتفجير حالة تالية ونتيجة حتمية للتكفير والتشهير، ما من جماعة دينية ذهبت إلى التكفير إلا وقتلت خصومها وفجّرت داخل مجتمعاتها بدعوى الكفر فأضفت على الجمال قبحًا.
تعتمد التنظيمات المتطرفة في التعامل مع ضحاياها الذين استقر في يقينها ضرورة التخلص منهم ما يمكن أن نسميه ضعف الاستقراء أو الجهل، وهنا يمكن أن نقول إن تنظيمات التطرف تعتمد على جهل المجتمع في اغتيال ضحاياهم ولو من خلال الوسيلة المعنوية، تعتمد هذه التنظيمات على طريقة تكرار الكذب وذكر الحقائق بشكل مقلوب أو مكذوب والاعتماد على نزع الأفعال من سياقها، مستخدمين في ذلك عواطف أتباعهم والضرب على وازع الدين، فأمامه تنهار أي قوة حتى ولو كانت حقيقية.
عندما تغيب عن المجتمعات حاسة الجمال يُصبح التطرف شيئًا عاديًا ومعتادًا بل وجميلًا في أعين المشوهين نفسيًا وخلقيًا وعقائديًا، ولذلك مواجهة مفاهيم التطرف والتكفير والتفجير وعلى أثرها التشهير لن يكون إلا من خلال تدريب المجتمع على تذوق حاسة الجمال في كل شيء، فعندما يذوق المجتمع أفرادًا ومؤسسات، حكومة وشعبًا، الجمال، حتمًا سوف يرفضون ما سواه.
تعتمد بعض تيارات الإسلام السياسي مبدأ الحاكمية في تكفير المجتمع دون النظر لأي سياقات أخرى، غير معترفة بشروط هذا التكفير، وقد استبعدت عن ذهنها التفسير الأرجح للحاكمية كما جاء على لسان العلماء والفقهاء، وهذا مرجعه استسهال التكفير، فمنبته الأساسي وجوده ثم كثرته، والتخلص منه لن يكون ميسورًا أو سهلًا وإنما يحتاج لمزيد من الجهد حتى يعتاد المجتمع ألا يرى إلا الجمال وألا يتذوق غيره.
آفة المجتمعات في التكفير، المجتمعات التي تتساهل في التشهير وتتخذه طريقًا لتصفية الحسابات مع غيرها ولا تقف أمام مَن يقومون بهذا التشهير تسمح بفتح أبواب جديدة للتطرف، والمستفيد الوحيد من هذه البيئة هي التنظيمات المتطرفة، فنجد التكفير كلمة يستصغرها الكثير ويستخدمها الجميع، حتى يسير التكفير علامة بارزة وشارة لمجتمع اختفى منه الجمال وغاب عنه المتذوقون.
كثير من هذه التنظيمات تُصدر فكرة الاغتيال المعنوي قبل أن تدخل معركة الاغتيال الجنائي مع ضحيتها حتى ترفع أي غطاء للتعاطف معه، وتُصدر في ذلك من خلال إعلامها الداخلي والخارجي بمسميات منها، الخيانة للدين أو الوطن، هذا الإعلام له تأثير السحر على الأتباع في إثبات صحة منطقهم أمام فساد منطق الآخرين، وهو ما يجعلهم مستقطبين دائمًا للأنصار والجنود.
مهمة المجتمعات أن تقف أمام أي خطاب يدعو للتكفير أو التشهير حتى لا تكون ضحية فيما بعد للتفجير، نجاحها في صياغة عقد يُعطي الحرية للآخرين إزاء تصرفاتهم هو بمثابة حشد للمجتمع في مواجهة مَن يطوقون للتفجير من خلال خطابات التكفير والتشهير.