الخميس 14 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سجن الكلمات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتردد الحديث حول صدور أحكام بالسجن على عدد من المثقفين بتهمة «ازدراء الأديان»، ولو حاولنا تجاوز الوقوف عند حدود الصدمة والإدانة وتأكيد أن وقائع التاريخ، تؤكد عدم جدوى سجن الأفكار؛ ومضينا نتقصى علاقة السلطة المصرية منذ ثورة يوليو حتى الآن بتيار الإسلام السياسي؛ وكيف أننا نشهد هذه الأيام للمرة الأولى منذ ما يزيد على نصف القرن، مفكرين يساقون إلى السجون دون اتهامهم بالانتماء «لتنظيم سرى يسعى للاستيلاء على السلطة بالقوة»، كما ألفنا فى العصور السابقة بالنسبة للشيوعيين أو لغيرهم.
صحيح أننا كثيرًا ما شاهدنا احتجاجات واعتراضات على إنتاج أدبي، ولعلنا نذكر ما عرف عام ٢٠٠١ بأزمة الروايات الثلاث: «قبل وبعد» لتوفيق عبدالرحمن و«أبناء الخطأ الرومانسي» لياسر شعبان و«أحلام محرمة» لمحمود حامد، التى اعتبرها ممثلو التيار الإسلامى فى مجلس الشعب آنذاك تحتوى ألفاظًا وتلميحات جنسية فاضحة، وتقدموا بطلب إحاطة لوزير الثقافة، وطلب الإحاطة هو درجة منخفضة فى محاسبة الحكومة برلمانيًا، وكانت التهمة الموجهة إلى الروايات هى «الخروج عن الآداب العامة»، ومثل وزير الثقافة أمام المجلس مقدمًا ما يشبه الاعتذار مؤكدا ضرورة «حماية المجتمع المصرى المحافظ ـ بطبيعته ـ وحماية السلام الاجتماعي» وانتهى الأمر بمصادرة الروايات الثلاث؛ فضلًا عن إقالة خمسة من المسئولين فى وزارة الثقافة من بينهم رئيس هيئة قصور الثقافة. وقد عارض عدد من المثقفين موقف الحكومة والوزير باعتباره «رضوخًا لرغبات الإسلاميين»؛ وأصدروا بيانًا لإدانة «كل إجراءات البطش المادى والمعنوى والتنكيل الفكرى الذى يقوم به السيد فاروق حسنى فى الحياة الثقافية، وإعلان مقاطعة وزارة الثقافة وجميع أنشطتها من معارض وندوات وأمسيات، سواء فى معرض الكتاب الدولى وأنشطة المجلس الأعلى للثقافة وأنشطة الثقافة الجماهيرية وجميع إصدارات وزارة الثقافة»، وكان من بين الموقعين على ذلك البيان: الروائى جمال الغيطاني، والكاتب أسامة أنور عكاشة، والكاتب يوسف القعيد، والكاتب أبو رية، والناقد فاروق عبدالقادر، والدكتور عبدالعظيم أنيس، والكاتب عزت القمحاوي، والإعلامية فريدة الشوباشى. وما يعنينا هو أن أحدًا لم يفكر قط فى اللجوء للقضاء والزج بالمؤلفين إلى السجن.
ومضت الأيام وشهدنا ثورة يناير ٢٠١١ التى رفعت شعاراتها الشهيرة «عيش حرية عدالة اجتماعية»، وجرت فى النهر مياه كثيرة لسنا بصدد تحليلها، ولكن ما حدث هو فوز التيارات الإسلامية بغالبية مقاعد مجلسى الشعب والشورى؛ وتولى مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى سدة حكم مصر ليستمر رئيسًا حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
صحيح أننا شهدنا خلال حكم الإخوان المسلمين الذى استمر عامًا كاملًا، هتافات صاخبة ومظاهرات ترفع شعارات إسلامية تحيط بالمحكمة الدستورية العليا وبمدينة الإنتاج الإعلامي؛ كما شاهدنا برامج تليفزيونية تسخر من جماعة الإخوان المسلمين وحكمها؛ ولكن فى خضم هذا كله لم نرَ سوى شخص واحد فقط سيق إلى القضاء لأنه سب وقذف واحدة من الفنانات المصريات هى الفنانة إلهام شاهين سبًا فاحشًا.
كانت الفنانة إلهام شاهين، قد أقامت «جنحة مباشرة» ضد الداعية السلفى الشيخ عبدالله بدر، بتهمة التعدى عليها بالسب والقذف على الهواء مباشرةً، خلال برنامجه الذى يقدمه على قناة «الحافظ» المستقلة، وقد اعتبرت هيئة المحكمة التسجيلات المقدمة من فريق الدفاع عن المدعية، «دليل إدانة» ضد الشيخ بدر، تضمنت اتهامها له بسبها وقذفها بتوجيه تهمة «الزنا» لها على الهواء، وفى منتصف ديسمبر ٢٠١٢ قضت محكمة جنح الزاوية الحمراء برئاسة المستشار سالم حجازي، بحبس الشيخ عبدالله بدر لمدة ثلاث سنوات بتهمة سب وقذف الفنانة إلهام شاهين، وتغريمه ٢٠ ألف جنيه؛ وتم تنفيذ العقوبة بالفعل.
يُذكر أن تصريحات الشيخ عبدالله بدر أثارت غضبًا لدى الكثير من الفنانين، الذين طالبوا الرئيس المصرى آنذاك خلال لقاء خاص، بالتدخل لوقف الهجمة الشرسة من قبل متشددين منتمين لتيارات إسلامية. وفى أعقاب ذلك اللقاء، قام المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بالاتصال بالفنانة إلهام شاهين ونقل إليها تقدير الرئيس لشخصها وفنها، وشدد على أن الهجوم عليها يمثل رأيًا فرديًا، تتبرأ منه الدولة.
وقد قام المتحدث باسم حزب «النور» السلفي، الأستاذ نادر بكار، بالاتصال بها أيضًا، مؤكدا أن ما قاله الشيخ عبدالله بدر أو غيره، «يمثل آراء فردية لا تعبر عن الحزب»، وأنها فنانة كبيرة لها احترامها وقدرها. ترى هل يرجع ذلك إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت مطمئنة تمامًا إلى أنها بمنأى عن اقتناع الجماهير بزيغها عن الدين الإسلامي؟.
لقد أصبح من نافلة القول الحديث عن الاتجاهات الفكرية والسياسية والعملية للجماعات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين؛ لكن المقارنة بين ما جرى قبل ثورة يناير بسنوات خلال أزمة الروايات الثلاث؛ وما جرى خلال حكم جماعة الإخوان المسلمين؛ بما يجرى اليوم بعد ثورة يونيو؛ قد تفسر لنا ما يشعر به شباب الثورتين من إحباط وغربة حين تمر أمام عيونهم ذكريات تحليق طموحاتهم مع ذلك الشعار الشهير «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».