ضجيج متواصل وصخب دائم وفرقعات صادمة وخادشة لصبر الناس.. ماذا يحدُث في مصر؟ سؤال يُرجرج الثقة في خطوات بناء الدولة الجديدة.. كُلما قطعنا شوطًا إلى التنمية عطلتنا معارك جانبية غير متوقعة، كُلما مضينا خطوات إلى الأمام جرجرتنا أياد خفية أميالًا نحو الخلف، ليحاصرنا الإحباط ويغزونا القلق.
من ٣٠ يونيو ونحن نحلُم بوطن أخضر، مُنفتح، مُقبل على العلم، مُتحمس للتطوير والتحديث، ومُعادى لمجاهل التفكير والتخطيط.. مُنذ خُلعت الفاشية الدينية ومسامير صدئة تُلقى يمينا ويسارا على طريق التنمية فتسقط مِصر في غياهب اللا منطق واللا نظام واللا أمل.
رخاوة ممتدة من أعلى الوطن إلى أسفله.. تخوين متناثر بين النخبة والقاعدة، وبين النخبويين وأنفسهم.. الكل يُستفتى في السياسة فيفتى.. على أعتاب الدولة الجديدة نتقدم كسيحين بنصف عكاز ونظارة بلا عدسات.. نخطو على سلالم منكسرة فلا نعلم إن كان ذلك صعودا أم هبوطا.
مَن ينخُر جراح الوطن؟ ومَن يسكب الكيروسين على حرائق صغيرة لتعلو وتتسع؟ مَن يستفيد من الصدام مع حرية التعبير والمُثقفين؟ ومَن يستغل حالات مُنفردة لانفلات رجال الشرطة ليُزيد الهوة بين الناس والدولة؟ مَن يفتعل المعارك والخناقات وحركات «الشو» لينقل عن مصر صورة قبيحة مُغرقة في التفاهة والسطحية؟ مَن يختزل الوطن في كُل ما هو كريه ومُبتذل ودنىء؟
لا أعُيّن أشخاصا ولا أُسمى أسماء وإنما أشير لجماعات المصالح التي تشكلت وتمددت في رُبع قرن وسيطرت على الأعمال والأموال والأقوال. في البيزنس توغلوا، وفى الجهاز البيروقراطى توحشوا، وعلى الميكروفونات والشاشات سيطروا وسطروا ما شاءوا لحماية مكاسبهم.
هُم أقرب شىء لجماعات المماليك التي حكمت وتحكمت في مصر قرنين ونصف القرن من الزمان.. أولئك المؤمنون بمنافعهم، المُعتقدون في نفوذهم، العاملون من أجل أرزاقهم مُشعلين ومدمرين أي آخر يُمكن أن يعوق تلك الأرزاق.
المماليك الجُدد مُستنفرون ضد أي سيادة حقيقية للقانون، ضد أي ابتكار أو تطور معرفى.. الجهل يُسعدهم والتخلُف يُرضيهم.. لا يتورعون عن فتنة ولا يتحرجون من إساءة تلحق الوطن بأفاعيلهم.
مثلما كان مماليك مصر عقبة أمام مشروع محمد على، فإننى أتصور أن هؤلاء عقبة كبيرة أمام أي مشروع جاد لبناء دولة راشدة وإقامة مجتمع أكثر عدلا وتحضرا.
طُغيان العبث ينبئ بصدام قريب.. أتصور أن الدولة الراشدة يجب أن يكون لديها سيناريوهات للتعامل مع مراكز القوى بالقانون، حتى لا يتصور أحد أننا ندعو لإجراءات استثنائية أو مذبحة دموية مثلما فعل محمد على.