لو أن الحاجة «زينب الغزالي» لا تزال حية إلى هذه الساعة لكنتُ أنا أول من يرشحها لكتابة القصص البوليسية وأفلام «الفانتازيا» الأمريكية السخيفة! بل وأفلام الخيال العلمى أيضًا، وذلك لما كانت تتمتع به من خيال خصب، يسرح بها، أو تسرح هى به إلى أبعد مما يصل إليه بشر!
لقد كانت «الغزالي» بحق من أكثر أصحاب الخيال جموحًا، بل وجنونًا، وصاحبة شطحات خيالية لا حدود لحدودها!
وليس أدل على ذلك مما كتبته فى كتابها الخيالى الشيق «أيام من حياتي»، الذى أظنه كنزًا ثمينًا قد غفل عنه صناع الفانتازيا والفن الهابط فى العصر الحديث!
فلقد نسجت «الغزالي» فى هذا الكتاب قصصًا يعجب قارئها من استطاعة عقلها أن يشطح بالخيال إلى هذا الحد؟!
ولكن الحقيقة أن القارئ للكتاب الخيالى «أيام من حياتي» قد يجد متعة حقيقية جميلة، ويستمع بترف عقلى لذيذ أثناء قراءته للكتاب، لكنه أبدًا لا يمكن أن يصدق تلك الروايات العجيبة التى يحتويها بين دفتيه.
يمكن للقارئ أن يعترف بجمال الحكاية، ولكنه سيعتبرها ضربًا من ألوان الخيال الذى لا يمت للواقع بصلة، وذلك لكون الحكايات التى أوردتها «الغزالي» فى كتابها تحمل فى طياتها عوامل إثبات كذبها، فضلًا عن كونها قد أشبعت بمبالغات وضعت خصيصًا من أجل حبك الرواية، ولكنها جاءت كمن أرادت أن تضع الكحل فى عين العروس لتزينها لزوجها، فأعمتها بمبالغتها!
نعم، أرادت «الغزالي» أن تزيد من التشويق والإثارة فى الحكاية، من أجل أن تتاجر هى والجماعة بسجون الإخوان وتعذيبهم وتضحياتهم، ولكنها لم تستطع أن تضبط «مقادير» الخلطة! فجاءت بأمور تكشف الكذب من حيث أرادت أن تخفيه.
والحقيقة أيضًا، أن «الغزالي» قد اجتهدت فى أن تكون حبكتها الدرامية شديدة الإتقان، إلا أن الأمور خرجت من يدها، وانقلب سحرها عليها، فبطل أثره، وصار كتابها –وعلى مدى الدهر- دليلًا شامخًا على كذب الإخوان وتجارتهم بكل شيء وبكل أحد، وعدم مراعاتهم لدين ولا خلق، بل وعدم مراعاتهم لأعراض النساء! للدرجة التى لم تستحِ معها «الغزالي» نفسها أن تكتب عن نفسها أمورًا كانت أحق بالستر منها بالنشر!
إن للعقل البشرى حدودًا فى الإدراك والقبول والتصديق، وما كتبته «الغزالي» فى كتابها المشار إليه، يصلح –بالفعل- لأن يحول إلى فيلم خيالي، مليء بالمبالغات الفجة، كتلك الأفلام الأمريكية السخيفة التى تتحدث عن البطل الأمريكى الخارق والذى يتحمل كل أصناف الهوان والألم من أجل إنقاذ البشرية، وحماية الكون من الدمار، بل أحسب أن هذا الفيلم لو تمت صناعته فإنه سوف يحقق نجاحًا منقطع النظير، ويحطم الأرقام القياسية جميعها فى شباك التذاكر!
ولكنه لن يعدو أن يكون محض خيال مؤلف واسع الخيال، وليس واقعًا يمكن أن يقبله العقل السوي، أو أن يجّوز حدوثه!
فكيف يعقل أن يعيش شخص ما مهما كان خارقًا عشرة أيام بلياليها، فى الماء النتن! الذى يصل إلى الرأس، دون طعام أو شراب ولا نوم، ثم يخرج بعد ذلك سليم البدن من أى سوء، معافىً فى عقله من كل لوثة!
وكيف خرجت «الغزالي» بعد عشرة أيام كاملة فى الماء النتن! تغشاها المياه إلى أسفل ذقنها، سليمة من غير أن تصاب بأى سوء فى جسدها؟! ومن غير أن تستوطن الأمراض المزمنة جسدها؟!
نعم، لقد ذكرت «الغزالي» هذه الأكاذيب فى كتابها المشار إليه، تحت عنوان «زنزانة الماء»، فزعمت أنها أدخلت إلى زنزانة ممتلئة بالماء النتن! ولبثت فيها عشرة أيام كاملة، دون أن تخرج منها، ودون أن ترى الشمس لعشرة أيام تعيش فى الماء وتنام فيه!
كيف يمكن للعقل السوى أن يصدق هذه الرواية الخرافية، التى تحمل فى طياتها دلائل كذبها، فإن العقل –وعلى حسب الرواية- يقضى باستحالة النوم، لأنها لو نامت لماتت غرقًا! إذ كان الماء عند حدود ذقنها كما ذكرت، فهل نامت واقفة كما الخيل؟! أم أنها كانت تتنفس تحت الماء؟!!
تقول «الغزالي» تحت العنوان المشار إليه (زنزانة الماء):... وجلست فصارت المياه إلى أسفل ذقني»!
ثم قالت بعد أن ذكرت أنها ظلت فيها على هذه الحالة من غير طعام ولا شراب وقضاء للحاجة: «... وفى صباح اليوم التاسع أخرجونى من الماء فى وقت مبكر.. ثم عدت إلى الماء وسوط صفوت لا يكل ولا يمل ولا يضعف.. وبعد العصر فى اليوم العاشر، فتحت الزنزانة، وأخرجنى صفوت من الزنزانة»!
فتأمل هذه الخيالات التى ذكرتها، والتى لا يمكن لجسد بشرى أن يتحملها بحال، ولو حدثت المعجزة من غير الأنبياء! وتحملها، فإنه لا يخرج منها كما دخل فيها، كيف لجسد بشرى أن ينقع فى ماء نتن مدة عشرة أيام من غير طعام ولا شراب ولا قضاء للحاجة، وهو مع هذا كله يلهب ظهره بالكرابيج الموجعة المؤلمة، بل التى –وبلا شك- تدمى الظهر، وتحرق الجلد، بما يعنى تلوث الجروح مباشرة بالماء النتن!
ومع ذلك خرج الجسد المعجزة سليمًا، وخرجت المرآة المصفحة! دون أن تصاب بأدنى ألوان المرض، لا فى الرئة ولا فى الكلى ولا فى العظام أو فى الكبد أو غير ذلك!
فأى عتهٍ هذا؟! وأى استغفالٍ للعقول ذاك؟! وأى عقلٍ تافه ساذج يمكنه أن يصدق هذا الخرف؟!
أجيبونى أنتم معشر العقلاء!