تابعت بشغف واهتمام الضجة التى أثارها زميلنا العزيز محمد أمين فى عزاء الأستاذ هيكل، فقد طلب الرجل من يحيى قلاش نقيب الصحفيين إطلاق اسم مُصطفى أمين على إحدى قاعات نقابة الصحفيين، مثلما جرى مع هيكل ففوجئ به يرد عليه أننا لا نستطيع أن نساوى بين الأستاذ والجاسوس.
تصوروا رد الأستاذ النقيب يصل إلى إثبات تُهمة العمالة والتجسس على صحفى وكاتب كان من رواد الصحافة المصرية الحديثة، ولم يثبت بشكل يقينى تجسسه، خاصة أن ظروف قضيته سنة ١٩٦٥ كانت فى ظل سطوة وتجبر صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات الذى حوكم بعد ذلك فى قضية انحراف الجهاز.
فى يوليو عام ١٩٦٥ قام رجال المخابرات المصرية فى عهد صلاح نصر بالقبض على مصطفى أمين وتقديمه للمحاكمة بتهمة التجسس لحساب أمريكا، وبقى الرجل تسع سنوات كاملة فى سجون مصر وأفرج عنه إفراجا صحيا عام ١٩٧٤ وظلت التهمة الظالمة تطارده، وظل خصوم الرجل وحاسدوه يستخدمونها كلما أرادوا الهجوم عليه، وذلك على الرغم من صدور حكم بعد ذلك بسجن صلاح نصر بتهمة تعذيبه، وعاش الرجل باقى حياته مدافعا عن الحرية وداعيا إلى الديمقراطية وواهبا نفسه لمساعدة المحتاجين حتى توفاه الله فى ١٩٩٦.
لقد حكى مصطفى أمين فى كتابه «سنة أولى سجن» كيف لفقوا له ذلك الاتهام، وكتب الأستاذ هيكل فى كتابه «بين الصحافة والسياسة» ما يعنى أن الرجل كان جاسوسا بالفعل، وأسهب كثيرون فى نفى أو إثبات الاتهام على الرجل، وتبقى شهادة هامة قدمها رجل عظيم هو المستشار محمد عبدالسلام النائب العام فى ذلك الوقت وردت فى مذكراته الشخصية والصادرة عن دار الشروق تحت عنوان «ذكريات نائب عام» أن جهاز المخابرات أبلغه بضبط مصطفى أمين وهو يمد ملحق السفارة الأمريكية بمعلومات قيل إنها ضارة بأمن البلاد، وأضاف أنه لما اطلع على تلك المعلومات أبدى رأيه أن هذه المعلومات بعيدة كل البعد عن السرية وصارحت بذلك صلاح نصر والمستشار بدوى حمودة وزير العدل لكنه فوجئ بعد أيام بأنه تم إطلاع رئيس الجمهورية على المعلومات وأنه رأى أنها تضر بأمن البلاد، وشكلت محكمة عسكرية حكمت عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
ويذكر النائب العام السابق أنه علم فيما بعد أن محمد محجوب رئيس الوزراء السودانى الأسبق زار الرئيس عبدالناصر وحدثه بشأن مصطفى أمين فقال له الرئيس إنه يعلم أن مصطفى أمين ليس جاسوسا ولكنه أراد الكيد للأمريكان.
تلك الوقائع لا بد أن تكون قد مرت على سيادة النقيب ذى التوجهات الناصرية الذى تحوّل إلى قاض وجلاد فى الوقت ذاته ليُثبت تُهمة الخيانة على واحد من أهم رواد الصحافة رغم أنها كانت دائما محل شك من جانب قُراء ومُحللى التاريخ، إن ما يؤسف له هو أن يُصفى الرجل حساباته مع خصوم عبدالناصر أحياء وأمواتاً من خلال مقعده كنقيب للصحفيين. والله أعلم.