من البديهيات والمسلمات الثابتة، أن الأكاذيب فى الإخوان تمامًا كما التكفير قديمة كقدم الإخوان ذاتها، بل إن الإخوان قد أنشأوا من قديم ـ كما ذكر محمود عبدالحليم فى تأريخه للإخوان ـ جهازًا مستقلًا لترويج الأكاذيب والشائعات، تقتصر مهمته على بث الأخبار الكاذبة لتحطيم المعنويات لدى الشعوب والأنظمة والجماعات والأفراد.
وعليه، فلا بد أن تعلم ـ أيها القارئ المكرم ـ أن ما تمارسه جماعة الإخوان الإرهابية فى هذه الآونة من بث للشائعات ومن تلفيق للأكاذيب، وحرب المعلومات، ليس جديدًا على الإخوان، بل هو أمر قديم جدًا فيهم وهم على العهد القديم ماضون وفى الطريق ذاته سائرون.
ولكن الذي اختلف فى الحديث عن القديم، هو الوسائل الناتجة عن التطور الهائل للإعلام النمطى وغير النمطى، وكذلك تطور طرق نشر الشائعات والأكاذيب، والتى كانت تقتصر فى الماضى على توزيع منشورات مطبوعة وأما فى الحديث فصارت مواقع التواصل المجتمعى مثلًا سبيلًا للنشر السريع للأكاذيب والشائعات التى قد تقتل شعوبًا بأكملها، وتدمر دولًا بما فيها.
والواقع أنه لا اختلاف مطلقًا بين إخوان الأمس وإخوان اليوم، من حيث الأكاذيب سوى فى الوسائل والطرق، ولعل مثالًا واحدًا يكشف مدى التطابق بينهما، فى الكذب والغش والخداع، بين اليوم والأمس.
وخذ مثلًا حدثًا كتضخيم الإخوان للأعداد التى تتم محاكمتها من الإرهابيين المنتمين إليهم، فسوف تجد أن ما يفعله الإخوان اليوم، هو عين ما فعله الإخوان بالأمس، فتراهم يزعمون أن عشرات الألوف قد سجنت وحبست أو اعتقلت، من قبل السلطة الحاكمة، مع كونهم ـ وفى أنفسهم ـ على يقين أن هذا كذب أقرع، ومع الأسف تجد بعض المغفلين يصدقون رواياتهم عن هذه الأرقام المزيفة، والأكاذيب الملفقة.
فلقد ذكر «مهدى عاكف» ـ وهو لا يزال حيًا يرزق ـ فى أعقاب الموجة الإرهابية التى قاموا بها فى الستينيات من القرن الماضى، مما اضطر الدولة ـ وقتها ـ إلى أن تشن حملة للقبض على القيادات منهم، لكى تقضى على العقل المدبر للإرهاب، وتقطع الصلة فيما بين رأس الإرهاب وجسده، فيتوقف العمل الإرهابى، وطالت هذه الحملة عشرات المئات من القيادات، ممن كان القبض عليهم ضروريًا لإبطال مفعول الإرهاب والقتل ونزع فتيل الفتنة والدم.
فلما حدث ذلك، خرج «عاكف» ليزعم أن «عبدالناصر» قد سجن فى عام ١٩٦٥ ما يقرب من ثلاثين ألفًا، فى ليلة واحدة!
ومع كون هذا الرقم الهائل حتى بمقاييس زماننا، فضلًا عن مقاييس زمانهم، والذى لا يمكن للعقل السليم أن يتقبله إلا أن عقول المرضى من أتباعه قد صدقته، ولكن الله تعالى قيض له ولهم من هو منهم ومن جلدتهم ومن صفوفهم، بل ومن القيادات الكبرى فيهم من يرد عليهم، ومن يفند أكاذيبهم، ويكشف زيف ادعاءاتهم، ويفضحهم على مدى الدهر، وليكون فى هذا عبرة لمن أراد أن يذكر أو أراد ألا يكون من الغافلين، فضلًا عن ألا يكون من المغفلين!
فبعد أن زعم «مهدى عاكف» أن السلطة ـ لا النيابة ـ قد ألقت القبض على ثلاثين ألفًا!، لكى يتاجر ـ كعادة الإخوان القديمة ـ بالدين والسجون والتعذيب والحبس وما شابه، خرج قيادى من أكابر قيادات الإخوان، المعتبرة فيهم، ألا وهو «عباس السيسى» ليكذِّبه ويفضحه على رؤوس الخلائق وإلى يوم القيامة، وليؤكد أن الذى سجنوا بأوامر من النيابة العامة لم يبلغوا بحالٍ العشرة، مما ذكر ذلك الأفاق الإخوانى «مهدى عاكف».
يقول «عباس السيسى» فى كتابه: «قافلة الإخوان» ما نصه: «وهكذا أنهت نيابة أمن الدولة العليا، التحقيق فى قضية الإخوان رقم ١٢/١٩٦٥ مع أكثر من ألف شخص من حوالى ثلاثة آلاف من الإخوان المعتقلين فى زنازين السجن الحربى».
وقال أيضًا فى الكتاب ذاته: «... فقد بلغ عدد المحكوم عليهم بأحكام مختلفة حوالى ٨٠٠ «ثمانمائة» من رجال الإخوان، أودعوا جميع السجون».
ومع فهذا فإن «عاكف» الذى قيض الله له من هو من رحم جماعته ليكشف كذبه، ويفضح غشه على الملأ وأمام العالمين، لم يرتجع عن كذبه، فأراد الله تعالى بحكمته أن تقام الحجة عليه من نفسه، فوقع هو نفسه، فى الخطأ ذاته، بأن كذب نفسه بنفسه، ونسى القاعدة الذهبية لكل الكذابين فى الأرض: «إذا كنت كذوبًا فكن ذَكورًا»، فأخذ كالعادة الإخوانية القديمة يتاجر بالسجون وما جرى بها، وأوحى إلى العالمين بأن السجون كانت محافل للتعذيب بأقسى وأقصى أنواع التعذيب الذى عرفته البشرية، ثم نسى هذا كما كل الكذابين، فعاد هو نفسه ليفضح كذبه، وادعاءه، فأخبرنا بأنه كان وهو فى السجن يمارس أنواع الرياضة والترفيه المختلفة، فذكر أنه كون فريقًا لكرة القدم من الإخوان وكان هو قائد الفريق، بل إنهم كونوا فريقًا مسرحيًا، وكان هو ممثلًا مسرحيًا فى السجن، وأنه هو وإخوانه من الإخوان، كانوا يقيمون معارض للوحات الفنية الزيتية التى كانوا يرسمونها فى السجون، وكانوا يبيعونها ويتكسبون منها!
بل لقد ذكر «مهدى عاكف» بنفسه أن سجون «شمس بدران» لم تكن سوى معسكر دعوي يتدارس فيها الإخوان أمور الدين والحياة، ويتقابلون ويتناظرون ويتناصحون، ويؤلفون ويحصلون على الشهادات العليا، بل وشهادات التخصص كالماجستير والدكتوراه!
فأى تعذيب كان فى هذه السجون كما يدعى «عاكف» وغيره من الإخوان، من أمثال «زينب الغزالى»، التى أخذنا الاستطراد بعيدًا فى هذا الأسبوع عن استكمال رواية أكاذيبها وتفنيدها هى الأخرى، فأرجو من القارئ المكرم أن يسامحنى على ذلك، مع وعد منى باستكمال ما بدأناه فى الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.