لا يمكنك أن تفتش أو تنبش في تاريخ أو ماضي كل إرهابي أو متطرف حول العالم، من المنتسبين للقاعدة أو داعش أو بوكو حرام أو غيرها من التنظيمات الإرهابية، قديمًا أو حديثًا، إلا وسوف تجد أنه في يوم ما في بداياته، أو في مقتبل عمره وريعان شبابه، وقبل أن ينضم إلى التنظيم الإرهابي الذي ينتمي إليه الآن، تجده قد استمع إلى شريط أو شرائط، أو حضر محاضرات أو ندوات، من واحد من مجموعة المشايخ الذين يطلقون على أنفسهم "مشايخ الصحوة" من جيل السبعينيات وما بعدها وإلى جيلنا الحالي!
فلا تكاد تبحث في تاريخ كل فرد من منتسبي تنظيم داعش أو القاعدة أو أنصار بيت المقدس أو بوكو حرام أو غيرها من التنظيمات الإرهابية، إلا وتجد أن حياته "الإرهابية" بدأت قبل ذلك بفترة من الزمن، وأن البدايات كانت بــ "التزامه"! على يد أحد المشايخ هؤلاء، وأنه وقبل أن يصبح متطرفًا "رسميًا"! كان قد تعلم أفكاره ومعتقداته وطقوسه، عن طريق محاضرات وندوات وكتب وكتيبات هؤلاء المشايخ! أو على الأقل تابعهم عبر إحدى شاشات الفضائيات الموسومة بــ"الإسلامية"!
وكانت تلك الأفكار التي تعلمها منهم هي التي تمثل اللبنة الأساسية التي كونت حياته المستقبلية ضمن التنظيمات الإرهابية، والتي أهلته بعد ذلك لأن يكون عضوًا في التنظيم الإرهابي الذي ينتمي إليه الآن، وهذه القاعدة– ولا شك- تنطبق على الجميع بدءًا من "أبي بكر البغدادي" وانتهاءً بأحدث إرهابي انضم إلى تلك التنظيمات.
فــ"مشايخ الصحوة" من جيل السبعينيات والثمانينيات وما بعدها هؤلاء، يمثلون بحقٍ وبلا أدنى شكٍ: "المادة الخام للتطرف"، لأنهم يقومون بلعب دور معامل التفريخ للإرهابيين، وتصديرهم للتنظيمات الإرهابية فيما بعد.
فهؤلاء المشايخ والذين يقومون بدور "مصانع إنتاج الإرهاب" من أمثال: "برهامي" وسائر من يعرفون بمشايخ المدرسة السلفية بالإسكندرية كــ"محمد إسماعيل المقدم" و"سعيد عبدالعظيم" وغيرهم، وكذلك من يعرفون بمشايخ سلفية القاهرة كــ"محمد عبدالمقصود" و"فوزي السعيد" وغيرهما، وكذلك فمهما أنسى، فلا يمكنني أن أنسى من يتمتعون بنعومة كنعومة جلود الأفاعي أو أشد، وخبث كخبث الثعالب أو يزيد، وشراهة أشرى من شراهة الذئاب المتوحشة! من أمثال "أبي إسحاق الحويني" و"محمد حسان" وكذلك "محمد حسين يعقوب" وأشباههم، والذين قاموا في غفلة من الدولة المصرية بحكوماتها المتعاقبة وأنظمتها المتتالية وأجهزتها الأمنية ومؤسساتها، بتربية أجيال بعد أجيال على الفكر الإرهابي والمتطرف، وزرعوا بذرة الإرهاب في عقول الشباب وقلوبهم، والتي ما لبثت إلا أن أنبتت دمًا وخرابًا وتفجيرًا وتدميرًا وإرهابًا، ما تزال تعاني منه مصر إلى هذه اللحظة، بل وتعاني منه الأمة العربية والإسلامية، بل والعالم أجمع!
ولهذا لما أُطلق لهم العنان، وتُرك حبلهم على غاربهم، وسُمح لهم بأن يبثوا إرهابهم وتطرفهم، عبر ما كان يعرف بــ"القنوات الفضائية الدينية الإسلامية" ولمدة عشر سنوات كاملة منذ العام 2003 م وحتى العام 2013 م، كانت النتائج هي ما نراه اليوم، بل كانت مرارًا نعيشه الآن من إرهاب وتطرف وتدمير وتخريب وتفجير، لم تعني مصر من مثله قط، وهي التي عانت ما عانت من ويلات الإرهاب منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أن الموجة الإرهابية الحالية، تعد- بلا ريب- أعنف موجة من موجات الإرهاب ضربت مصر في تاريخها المعاصر، بل في تاريخها كله!
والسبب المباشر في ذلك هم هؤلاء المشايخ من "المادة الخام للتطرف والإرهاب" والذين سمحت لهم الدولة بغفلة أو تغافل! بأن يبثوا سمومهم، دون رقيب أو حسيب، فنشروا فيروس الإرهاب! عبر ربوع مصر كلها، بل تجاوزوا الحدود وعبروها، إلى ما وراءها فنشروا الإرهاب في أقطار شتى حولنا، مما جعل تلك الدول تعاني من ويلات إرهابٍ يهدد كيانها ووجودها، وليس فقط وحدتها وتماسكها، ولعل سوريا والعراق وليبيا أكبر دليل وأوضحه على ما فعله هؤلاء الشيوخ!
بل إننا نستطيع أن نجزم جزمًا لا تشوبه شائبة من الشك، بأنه لولا تلك الفضائيات المتطرفة والإرهابية والتي كانت تسمى كذبًا بــ"الإسلامية"، ما كان وصل الإخوان إلى حكم مصر بالأساس، ولا كنَّا وصلنا إلى ما نعاني منه اليوم من إرهاب وتطرف يضرب مصر من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها!، فالله حسيبهم!
ويتبقى لنا أن نضرب على ذلك المثال حتى يتضح به المقال، ولكن في الحلقة الثانية، إن شاء الله تعالي.
وفي المقال القادم.. للحديث بقية.. إن شاء ربُّ البرية.