لعل الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى مقالاته الشهيرة «أوراق من دفتر الوطن». كان أكثر براعة من غيره من الذين تعرضوا لقضية مصرع المليونير المصرى الشاب على كامل فهمى. بطلقات الرصاص على يد زوجته الحسناء الفرنسية «مارجريت»، وهى القضية التى أثارت اهتمام الغرب والشرق فى العشرينيات من القرن الماضى.
كان على فهمى الذى ورث الملايين عن والده. وانطلق كشاب فى العشرين يعيش حياة البذخ والإسراف.
قد تعرف على الغانية الفرنسية مارجريت. والتى كانت ذات خبرة سابقة فى عالم الرجال. وتكبره بعدة سنوات. وشغف بها حبًا من اللقاء الأول لهما فى قصر اليهودى «مسيو بوصيرى» فى القاهرة.
سقط الشاب على كامل فهمى فى شباك هذه المرأة «المجربة». وحاول بكل السبل إغراءها والتقرب إليها.
لكن مارجريت بخبرتها الطويلة عرفت كيف تشعل المزيد من النار فى قلب الشاب المصرى العاشق. وفجأة غادرت القاهرة عائدة إلى باريس. فأصيب بالجنون وسافر خلفها إلى باريس فى مطلع صيف عام ١٩٢٢.
وهناك عثر عليها لكنها كانت برفقة أحد عشاقها القدامى. وهو مليونير من شيلى. يقضيان إجازة فى مصيف «روفيل». فأسرع خلفها وهناك ظل يتوسل إليها لتوافق على الزواج منه. وأخذ يمطرها بالهدايا الغالية.
وبعد أن شعرت مارجريت أن العاشق المصرى أصبح مثل الخاتم فى إصبعها بألاعيبها الأنثوية وخبرتها، وبعد أن أعطته العسل الفرنسى الذى زاده جنونًا وهيامًا بها. وافقت على الزواج منه!
رجل وامرأة. كل منهما جاء من واد. ومن حضارة مختلفة. رؤية كل منهما للعالم. تفصلها عن رؤية الآخر مسافات شاسعة. كيف يندمجان فى حياة مشتركة. تختلط فيها الأجساد والأفكار. ويمتزج فيها العرق والدم والدموع. دون أن تقوم بينهما حواجز النشأة ومواريث الحضارة. واختلاف الأعراف والتقاليد؟!
وهكذا تم عقد زواج مدنى فى نهاية ديسمبر من نفس العام. وبعد العقد أشهرت مارجريت إسلامها وأعطاها على كامل فهمى اسم والدته «منيرة»!
لكن مارجريت ساعة عقد الزواج أصرت على أن يسجل فيه حقها فى تطليق نفسها وألا تتحجب مثل النساء المصريات. لكن على كامل رفض. وتنازلت ماجى عن شرطها مضطرة. تحت ضغوط حضور عقد الزواج.
لكن شهر العسل بين الزوجين لم يدم طويلًا!
■ ■ ■
كان لا بد أن يظهر على سطح الحياة بين الزوجين. كل الفوارق بين شاب مصرى شرقى وغانية فرنسية مجربة. ويرسم الكاتب الصحفى صلاح عيسى صورة دقيقة لما حدث بين الزوجين من خلافات شديدة. بسبب اختلاف الشخصيتين. فيقول:
وكان لا بد بعد أن تسقط أقنعة اللهفة والحب والشوق. أن تكشف الحقيقة عن نفسها. كانت مارجريت نموذجًا للمرأة المجربة ذات التجارب المتنوعة. تعرف هدفها بسهولة وتسعى إليه. ومن المؤكد أنها رغم سيرتها الشائنة فى باريس لم تكن قد فكرت بعد فى أن تخون «البرنس» على كامل فهمى الذى سد عليها كل الذرائع بثروته وفحولته.
لكنه كان شديد الغيرة عليها وهذا أمر طبيعى فى ظروف امرأة مثلها، امرأة مغامرة تنتمى لأسرة تحت مستوى الشبهات. فأختها إيفون لم تصدق عندما غازلها!
ويكمل صلاح عيسى: هكذا تحولت حياة مارجريت إلى جحيم. ووجدت نفسها تعيش فى «الحرملك». لم يسمح لها على كامل فهمى بأن ترى صديقًا ولا أن تركب سيارة، وكلما غادرت البيت لا بد أن يرافقها «العنانى» أحد خدم زوجها من الأغوات!
وتكشفت قصة الحب عن وهم كبير. وعن صراع بين شخصيتين يحاول كل منهما إخضاع الآخر لإرادته وأن يكون ذليلًا. وأدركت مارجريت التى كانت قبل الزواج «سيدته».. التى يتودد إليها ويجرى خلفها. ويتذلل إليها لكى تقبل الزواج حين كانت تعيش فى بيئتها الطبيعية الأوروبية.
أما عندما انتقلت إلى بيئة على فهمى الطبيعية. فقد أصبحت الطرف الأضعف فى العلاقة. واكتشفت أنها بالنسبة للشاب المصرى الجموح مجرد تحفة جميلة يقتنيها لكى يثبت لنفسه أنه قادر على التحكم فى هذا الجنس الأوروبى المتكبر المتجبر المتعالى.
يقول صلاح عيسى: كان على كامل فهمى يعامل مارجريت فى مرات باعتبارها جارية يملكها فيضربها أمام خدمه، يهجرها، وينشب أظافره فى لحمها ثم ينقلب عليها فى مرات أخرى. ويعاملها باعتبارها زوجة يفخر بانتمائها إليه!
وفى صيف العام التالى..
أقنعت مارجريت زوجها بأن يذهبا فى رحلة إلى باريس. وهناك لم يتمكن على كامل من أن يواصل فرض حصاره عليها أو يمنعها من التردد على مراقص وملاهى باريس!
وكان يضيق ويجن فيضربها ثم يعود بعد دقائق لقبل يديها ويعتذر إليها.
ويقول لها: لن أعود إلى ذلك مرة أخرى!
وكانت مارجريت ترى ذلك فتؤمن بأنه يقسو عليها فقط بسبب حبه الجنونى لها وغيرته الشديدة عليها!
لكنها لم تكن الغيرة فقط!
■ ■ ■
لا بد أن الشاب على كامل بطبعه الشرقى لم يتقبل رفض مارجريت لمراقبته لها، ومن ناحية أخرى فلا بد أنه كانت لديه الأسباب النفسية الأخرى التى تجعله يحب ممارسة القسوة معها. كانا مسافرين مرة إلى الأقصر على ظهر يخت فأشهر مسدسه وأطلق ناحيتها رصاصة مرت فوق رأسها مباشرة!
يقول صلاح عيسى: الأرجح أن على كامل فهمى كان من الناحية النفسية والجسدية ضده، وربما كان أيضًا «مازوكى» يستمتع بتعذيب الآخرين له وهو ما يفسر قسوته البالغة عليها ثم انهياره بعد ذلك وبكائه بين يديها وطلبه الغفران منها!
وأصبحت المشاجرات العنيفة طابعًا لحياتهما!
وفى هذه المشاجرات كان كل منهما يهدد الآخر بالمسدس!
ذات مشاجرة هددها بالضرب بالسوط. وقبض على عنقها ورماها على ظهرها. لكن أختها إيفون أسرعت تهدده بالمسدس فتركها. لكنه خرج غاضبًا. وهو يهدد بأنه سيكلف أحد الرجال بتشويه وجهها بماء النار!
لكن صلاح عيسى يقول فى نفس الوقت: كان على كامل فهمى شابًا غريب الأطوار. كان قد تدهور تمامًا. إلى الدرجة التى أملاها فيها وثيقة يبيح لها فيها ارتكاب الفحشاء، وأنه لو وجد زوجته ترتكب الفحشاء لا يقول شيئًا، وأن عليها أن تجد لنفسها عاشقًا يدفع نفقاتها!
واحتفظت مارجريت بهذه الوثيقة.
وذهبت إلى محاميها لتضع بين يديه رسالة بخط يدها وطلبت عدم فتحها إلا حين موتها، وكتبت فى هذه الرسالة أنها إذا ماتت لسبب قهرى أو بغيره أو فى ظروف غير طبيعية. فإنها تتهم رسميًا زوجها على كامل فهمى بالاشتراك فى القضاء عليها!