كُل هذا الدم أسود. السماء لا تُمطر دماءً ومُبدع الكون لم يخلقنا لنقتل. الغوص فى أدبيات حركات التأسلم المبذورة حولنا تجتمع على فكرة واحدة ووحيدة هى نفى الآخر. سحقه سحقًا، وإزاحته ما لم ينقلب دماغه إلى أدمغة طائعة ورشيدة ومُصدقة لكل مَن يدّعى التدين أو التأسلم.
من جماعة بوكو حرام فى نيجيريا التى تقتل غير المسلمين بعشوائية وبربرية، إلى حركة الشباب الإسلامى فى الصومال التى تحرق قُرى بأكملها وتُفخخ مبانى بمَن فيها- يطل الوجه المُتأسلم كريها، مُنفرا، غائصا فى الظلامية.
يفتح المشهد العبثى بهدوء وتروٍّ الباب للسؤال الأزلى المُزعج: هل هناك سياسة إسلامية؟ وهل هناك دولة إسلامية؟ وهل هناك نظام إسلامى؟ وهل يجوز لحزب ما أو كيان سياسى أن يدّعى أنه يُعبر عن صحيح الدين؟ هل يمكن إطلاق مقولة «الإسلام هو الحل» للحصول على أصوات الناخبين؟
إننى أعى تماما أن الإسلام ليس مُجرد عقائد وعبادات، لكننى أعى أكثر أنه أطلق حرية الفرد فى الاجتهاد فيما يخص شئون الحياة، وهو ما يعنى أن كل فعل سياسى يبتغى مصلحة الناس هو فعل جائز، لكنه لا يمكن أن يقدم باعتباره فعلا «إسلاميا» مُقدسا لان أحدا لا يحتكر الإسلام.
عندما أتأمل فى تاريخ المسلمين، يظهر هذا السؤال: مَن نتبع لو اختلف حزبان يدعى كل منهما أنه «إسلامى» ومَن نُصدق؟. إن الصحابة الكرام أنفسهم اختلفوا سياسيا بعد وفاة النبى عليه السلام وقاتل بعضهم بعضا على الدنيا وتصور كل فريق أنه يُمثل صحيح الإسلام وشاعت الفوضى وسالت الدماء عقودا من الزمن.
وحتى الآن كلما رُفعت رايات «الإسلام هو الحل» ذُبح الأبرياء، وسفحت الدماء، وارتكبت المجازر.
فباسم الله قُتل السادات غدرا وسط أبناء جيشه، وحارب الشباب القوات الروسية فى أفغانستان لصالح أمريكا، وقاتل المُجاهدون الأفغان بعضهم بعضا حتى محوا الطمأنينة والسلام، وانطلق الرصاص الأعمى يحصد أرواح المُثقفين والمبدعين فى الجزائر.
وباسم الإسلام أيضا قتل أسامة بن لادن وذيوله الجهلاء نساء وأطفالا ما آذوا أحدا دون وجه حق فى نيويورك قربانا لجنة الخلد، وباسمه لعب صناديد «داعش» الكرة برءوس ضحاياهم بعد خلعها نصرة للدين.
أى دين هذا الذى يبغون إعلاءه، وأى رب ذلك الذى يتقربون إليه بسكب الدماء بلا حق! أى إسلام هو الحل وكافة تفسيراتهم له تصطدم بكل معانى الرحمة والسماحة؟.
فى اعتقادى، آن الأوان أن نقف وقفة جادة مع كل ما يُسمى «تيارا دينيا» فليس من حق أحد أبدا أن يقدم نفسه ممثلا للإسلام. من هُنا فإن الإصرار على منع أى نشاط سياسى يقترن بالدين أمر واجب، ومطلب مُلح لا يجب التغاضى عنه ونحنُ نرنو للمستقبل.
لقد قال الشيخ على عبدالرازق قبل ما يقارب التسعين عاما إن الإسلام برىء من وهم الخلافة، وإن العدل هو أساس الدين، بل كل الأديان السماوية، وهذا ظنى، والله أعلم.