تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لا تنظر لقصة إسلام جاويش على أنها قصة عابرة، لا تعبرها هكذا ببساطة، فهي تشبه إلى حد بعيد ما رواه الحافظ بن حجر في "الفتح" عن القرطبي: إن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء، حتى أن بعضهم عمل صنمه من عجوة (تمر) ثم جاع فأكله"، ونحن هذه الأيام نصحو على صنم يصنعه "فيس بوك" وننام على سقوطه، وفى اليوم التالي يظهر صنم جديد، وحينما يفاجأ الصنم بما يحدث ويعود لرشده ويسير على أرض الواقع، تبدأ الصيحات تتعالى ومن ثم الهجوم عليه وأكله، كما كان في الجاهلية.
باغت القبض على "جاويش" الجميع، الكل تعاطف مع "الورقة"، نجوم التواصل "المعارضين"- مشيها المعارضين مش حاجة تانية- تمكنوا من إقناع المؤيدين أن الرئيس ضاق بالنقد وقبض على الرسام، انتشر خبر القبض عليه كالنار في الهشيم، لقد كانت كل الأدوات جاهزة، حتى رسومات السخرية من الرئيس لم تتأخر، دون أن يعلم أحد أي خلفيات عن الموضوع، انطلق الجميع- يدفعه الحقد المقدس ضد الدولة- للنيل منها وإثارة الغبار عليها، دون أن يتوقف أحد ليفهم أو يستفهم حقيقة الواقعة، أخيرا فتحنا كتاب الديكتاتورية!
توافق الجميع- فى لحظة واحدة- على صناعة صنم من ورقة عليها رسوم أقرب للشخبطة، ريشة "جاويش" هي الأضعف في جيله، فكرته أقوى من رسومه، وهو الأقل نقدًا للدولة، لكن "جاويش" ليس مطلوبا لنفسه أو لفنه، أو موقفه من الرئيس، كان المطلوب "صنم" بعدما فشلت محاولة صناعته مع مراسل أبله فاهيتا والممثل المغمور، صاحبا فكرة بالونات "الكاندوم" فى عيد الشرطة، لم يتقبلها المجتمع ونالت من الشباب وفكرة الثورة على عكس ما أشيع، وكان لا بد من صناعة حالة ثورية جديدة فكانت عملية القبض على إسلام هي السبيل لذلك وكادت أن تنجح لولا ظهور إسلام ليؤكد أنه سيخرج ولا تهم ضده، ثم قام الرئيس بمفاجأة الجميع بحواره مع عمرو أديب ليؤكد أنه غير غاضب من الشباب، ومن "جاويش" تحديدا، بل وزاد بعرضه الحوار مع الأولتراس.
مكالمة الرئيس أنقذت جاويش من حفلة تمت ضده، من الأشخاص ذاتهم الذين حاولوا صناعته، فعقب خروجه وإشادته بالتعامل الأمني معه، نال هجوما لا يتوقعه أو يتخيله أحد، سباب استمر ساعات، ثم هدأ الجميع لتبدأ معركة صناعة صنم جديد مع الأولتراس في ذكرى أحداث بورسعيد.
أحد الاصدقاء الذين تابعوا قصة إسلام جاويش قال مازحًا إنه سينصح قريبا له لديه مخالفات في المباني بعمل صفحة على "فيس بوك"، يهاجم فيها الرئيس السيسي بعنف ويضع عليها رسوما مسيئة للدولة، وسيصور نفسه بالفيديو وهو يهاجم الرئيس، يستبق بها أي محاضر في الحى، حتى يضمن عدم تنفيذ أي أحكام ضده والهرب من القبض عليه إذا تطورت الأحداث، قال الهاشتاج هيبقى موجود وجاهز والتضامن مضمون، وقال لي نصا "يا عم الحكومة رجعت تخاف من العيال دي، نضبط نفسنا تانى زى 25 يناير" .
ماذا يريد صانع- أو صانعو- الأصنام؟ قبل الإجابة علينا أن نعترف أن الدولة- في أوقات كثيرة- تقدم هدايا ثمينة لصانعي الأصنام الثورية، بتصرفات غير محسوبة، تدفع الرأي العام لتصديقهم، أما صانع الصنم فهو يريد أمرًا واحدًا، وهو صنع حالة ثورية تستنهض همم الشباب مرة أخرى ضد الدولة تمهيدا لإسقاطها، فهم الفئة المؤهلة أما لرفعها وتنميتها وإما لهدمها وتقديمها فريسة على طبق من ذهب لمن يستهدفونها ويتآمرون عليها.
قطعا المؤامرة لم تنته، ولن تنتهى طالما مصر تمارس دورها المحوري والمؤثر في المنطقة والعالم، وهذا يمكن تمييزه بالعين المجردة في أزمة الخليج وإيران، ومحاولات داعش التمدد ووقوف الجيش عقبة أمام ذلك على محوري سيناء وليبيا ولذلك تستعر الهجمات داخليا وخارجيا في إطار مرحلة الفوضى النشطة التي تسعى داعش لتثبيتها فى مصر من أجل إسقاط الدولة، من يتابع عملياتهم ويستمع لفيديوهاتهم التي تخاطب جنود وضباط القوات المسلحة والشرطة وتحذرهم من التصدي لهم يتأكد أن مصر تواجه خطرًا وجوديًا يستعد للانقضاض على الدولة في لحظة فوضى شاملة، وهو ما يسعى إليه صانعو الأصنام الثورية لخلق حالة تشبه 25 يناير تستغلها خلايا داعش والإخوان للانقضاض على مصر واعلانها امارة مثل الموصل في العراق والرقة في سوريا، وسرت ودرنه في ليبيا.
صانع الأصنام يعلم جيدًا أن هناك شبابا قرر أن يحبس نفسه في غرفة مظلمة من 25 يناير حتى اليوم، شباب شعر أن الثورة ما زالت مستمرة، ولن تهدأ حتى يصل إلى شيء ما، ما هو شكله؟ كيف يحققه؟ لقد تركهم أحد ما في هذا المكان ورحل، تحولوا- مع الوقت- إلى مجرد حسابات على "فيس بوك" تبث إحباطا وشماتة ونقدًا بلا بمعلومات وتضامنا لا إراديًا مع أي شائعة، المهم أنها ضد الدولة، وكأنها ليست دولتهم، وكأنه ليس مجتمعهم، لديهم رعب من الخروج من الغرفة المظلمة حتى لا يطعنهم أحد في شرفهم الثوري أو "يحفل" عليهم.
لا يوجد أفضل من تلك الحالة لأى إرهابي متجول، لأى مشروع هدام، لا نخبة تحتضن ولا مجتمع مدني يتحاور، ولا أحزاب تستوعب، حتى قرر الرئيس أن يقفز على كل ذلك ويؤكد أنه لا يغضب من الشباب وأنه يتعامل معهم كأولاده، أسقط الرئيس كل الأصنام دفعة واحدة، "جاويش" وفتى فاهيتا، والألتراس، وطرح نفسه- بمكانته- طرفا فى حوار وداعيا له، الدولة المصرية ترى وتريد الحل وتريد الحفاظ على الشباب في عام الشباب، فهل يتركون الغرفة المظلمة ويديرون ظهرهم لصانعي الأصنام؟! مجرد أمنية!